أعْــفوني من قائمة إحــصائكم

  – الحــــافــــــــة حــــســـــن  – 

[email protected]

 

أوشكت عملية الإحصاء على الإنطلاق وسيشرعون في طرق المنازل و ملء الاستمارات، و سيطرحون الأسئلة و سيجمعون المعطيات. و لكي أعفيكم من عناء المجيء لحدود الدوار الذي أقطن فيه، سأخبركم من أنا، سأوافيكم بكل المعلومات التي تريدون معرفتها و حتى التي ستغمضون أعينكم عنها.

 سأنقل لكم حياتي كشريط ستشاهدونه و ليس فقط أرقاما و أمكنة، بل تجريد لحياة أتقاسمها مع الآلاف من مَنْ ستحصونهم كقطيع ماشية، لا فرق بين الرعيّة والماشية فكلاهما يحتاج لراعي كي يحرسه و يعيدَهُ مساءا،  ومن تمرد على القطيع فجزائه السلخ أو البيع.

إسمي حسن الحافة هكذا وجدتهم ينادوني حين وعيّت على الحياة، وُلدت من رحم مُعاناة امرأة قروية لم تلج مدرسة ولم تعرف شكل الطاولة، إلا حين رافقتني أول مرة للمدرسة. سجلوا أن أمــي أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها ربتنا على حب الوطن بطريقة تختلف عن حبكم له. دوارنا حين ستأتون إليه لن تجدوا طريقه مُعبدة و ستقابلكم كلاب ضالة عند مدخله، لا تخافوا حين تنبح فهي مثل سكانه، مسالمة حد الخنوع،  الشيء الذي يجعلك تشفق عليها أكثر من رميها بالحجارة.

أنا إبن مغربكم غير النافع، الذي لا تتذكرونه سوى في حملاتكم الإنتخابية أو حين تريدون إحصاء الجثث الساكنة في جحوره، لا تعتقدوا أن من سيقابلكم بالمداشر والقرى هم بشر، إنهم بقايا بشر.

ولجت المدرسة و في أول يوم وجدت أمي تحضر لي إفطارا مُختلفا عن الأيام العادية، كانت تعتقد أن التعليم في هذا الوطن يمكن أن يؤدي للوظيفة فبنت حلمها عليّ، لم تعرف المسكينة ــ بسبب جهلها ــ أن نظامنا التعليمي يؤدي لثلاث: السجن أو البطالة وفي أحسن الحالة “حلوف” بشهادة لدى صاحب ضيعة.

 فخريجو المغرب المنسي لا يملكون أسماء عائلية و لا نسبا شريفا يُخول لهم التوظيف، فمن ولدوا و في فمهم ملعقة من ذهب استولوا على البلاد وشرعوا في إحصاء العباد كي يعرفوا كم مات من جراء “الفقسة”، ومن قتله الجحود، و كم عدد من يجر شهاداته و يطرق باب شركاتهم بربطة عنق استلفها كي يبدو أنيقا.

تحصلت على شهادة الباكلوريا و لم أجد بُداً من ولوج الجامعة، فهي المشجب الذي يعلّق عليه أبناء الفقراء أحلامهم، يُمَنونَ النفس بالتخرج و الحصول على وظيفة تنقذهم و أسرهم من مستنقع الفقر و الحاجة، ففوجئوا  أن المغرب يجمع بين حدوده الجغرافية نوعين من السكنى: مواطنون مع وقف التنفيذ وآخرون نفذوا مجازرهم في حقنا.

لا تنسوا أن تضعوا خانة إضافية تصنفوننا فيها، فهل يستوي من يملك الثروة مع من يملك الحسرة. فربما بفعلكم هذا تُرشدون من يبحث عن الثروة للذين يستولون عليها.

 والدي رجل بدوي بدوره لم يمسك قلما في حياته، إلا حين طلب منه “المقدم” أن يوقع أسفل شهادة السكنى، لم يجد طبيبا يداويه حين أصابه مغص حاد كاد أن يودي بحياته، هو يريد طبيبا ولا يريد أن تُحصوه، يريد حقه في كرامة يحس بها مفقودة وسط حضن بلد إقتسموه كما تقتسم الذئاب جثة جيفة، كذبوا علينا حين قالوا :”الوطن للجميع”، فأبي لا يحس بنفسه في وطن بل في سجن كبير. هو لا يستطيع قول هذا بل عيناه هما من يخبرني بذلك.

أعلم جيدا أني لست سوى رقم في بطاقة تعريف وطنية، و ستجعلون مني رقما آخر في سجل إحصائكم، لم تعد لعبة الأرقام تستهويني، أريد أن أكون مواطنا لا يجتر خطابا أدمنتم على إذاعته في قنواتكم، سأخبركم شيئا كي تضيفوه. أنا لقيط الوطن.

لا تسألوني كم أقبض آخر الشهر، فليس في دوارنا من يحتكم لراتب شهري، كلهم يشتغلون بيومهم مثل عبيد في زمن النخاسة، لن تحتاجوا كي تسألوهم، ستخبركم بذلك تجاعيد وجوههم، وستنقل لكم رائحة البول المُتسربة من فراش ابنهم كيف يعيشون.

لن تجدوا ما يثير في حياتنا، فهي مثل مسلسل يعيد بث نفس حلقاته كل يوم من كل شهر في كل سنة،  فلا تضيعوا وقتنا بأسئلتكم، فيوم كنتم تطبلون لدستوركم، كنت حينها أحمل لافتة كتب على ظهرها ” لا نريد دستوركم”. و مرت سنين وها أنا سأعفيكم من سؤالي.

ها أنا أصرح لكم بمن أكون فلا حاجة لكم لترسلوا من يدق بابنا صباحا.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...