وداعا السي محمد الحجام، لكلّ مِنْ فَقْدِك نصيب..

 

 

 – أسرة ملفات تادلة –

تستجمع أسرة مؤسسة ملفات تادلة قواها، في هذه اللحظات العصيبة والقاسية، لتقف في وداع الزميل والمدير المؤسس بما يليق برجل ترك بصمته في المشهد الإعلامي الجهوي والوطني دون أن تتسرب شبهة إلى حبر قلمه، وبصحافي فتح طريقا شاقا وصعبا دون أن تتخاذل خطواته في الدرب، وبمناضل أودع رصيده في حساب الوطن والحرية دون أن يطمع في استثمار أو فائدة.

إننا نقف اليوم، أسرة ملفات تادلة، كأسرة حقيقية صهر معدنها وصاغه ’’معلم‘‘ و ’’أب‘‘ لم يبخل عليها بحب ولا بتضحية ولا بنصح. نقف أسرة واحدة تنتمي إلى العائلة الكبيرة التي التأمت ذات خريف قبل ثلاثة عقود لتضع أولى لبنات هذه القلعة التي ظلت تقاوم منذ تأسيسها كل عوامل التعرية والهدم والتآكل.

وإننا إذ نقف اليوم متعالين على الألم، لا نخفي حرقة الفقد، والفقد ليس نصيبنا، أسرة ملفات تادلة فقط، بل نصيب الوطن منه. لقد فقد الوطن أحد أبنائه البررة الذين لم يجحدوه رغم العذابات والسجون والتضييق والمعاناة، لقد كان صوفيا متنسكا في محراب الوطن.

لقد رحل السي محمد، مؤسس أول جريدة جهوية في المغرب،  متأبطا حلما رعاه مدة ثلاثة عقود ولم ينُؤْ بحِمْل ولا ضَجِرَ من طول أمد، وكرس جهده ووقته ليجعل من الصحافة الجهوية رافعة للتنمية الحقيقية والديمقراطية والعدالة، وإن اختياره الاسم والتشبث بالمنطقة كان من عمق نظرته وقراءته للواقع، فطن مبكرا إلى أن بناء الدولة الديمقراطية لا يتم بشكل فوقي ولا بإسقاطات، بل يتأسس على المقومات المحلية والجهوية. إن حلم ومشروع ’’الأستاذ‘‘ بدأ ذات يوم من خريف سنة 1991، حين اجتمع مع نفر من مثقفي المنطقة، وكتبوا سطورا لازالت نبراسنا وأساس خطنا التحريري، فقد قرر ورفاقه آنذاك أن يضعوا اللبنة الأولى ويطلقوا الصرخة الأولى لهذه المؤسسة التي ظلت شاهدة على جزء من تاريخ المغرب الحديث ومجمل أحداث المنطقة، وكان للجهة من فقده نصيب.

في ذلك الخريف قبل ثلاثة عقود كتب الرعيل الأول من المؤسسين وعلى رأسهم أستاذنا ’’بعد كل هذا، ما الذي يمكن أن نقوله لقرائنا؟ أننا عصيون على الترويض؟ ستكون هذه مجرد جملة إنشائية ما لم يترجم عملنا حرصنا على التزام المهنية في نقل الخبر، والموضوعية في تحليله، والانحياز التام لمبادئ حقوق الإنسان وقيم العدالة والحداثة والديمقراطية في التعاطي معه. سيكون عملنا فارغا من أي مضمون إن لم نعمل على المساهمة في بناء مغرب حداثي ديمقراطي ومستقل، يعيش فيه أبناؤه بكرامة وحرية. وسيكون عملنا مبتورا إن لم ننتصر للحق في الوصول إلى المعلومة ونشرها بعيدا عن أي قيد أو شرط أو قبول لابتزاز أو خضوع لضغط. سيكون وجودنا كعدمه إن لم نضع الحق فوق أي قانون‘‘.

وجرت مياه كثيرة تحت الجسور، ومرت سيول فوقها لكنها لم تجرف خطنا التحريري الأصيل ولا حرفت مساره، وظلت صفحاتنا شاهدة على معارك مهمة بصمت مراحل من هذا التاريخ. طوال العقود الثلاثة ظلت ملفات تادلة بإدارة ’’الأستاذ‘‘ في صف المقهورين وأسمعت صوتهم وأوصلت صرخاتهم، وانخرطت في معارك المعطلين والحقوقيين والنقابيين والمطالبين بالعيش الكريم، انخراط نابع من صميم انتمائها لهذا المجتمع ومن صميم التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان والانخراط في معركة الديمقراطية الحقيقية، لهذا فلكل ديمقراطي من فقده نصيب.

وعلى مدار العقود الثلاثة كانت ملفات تادلة غرضاَ لسهام الحاقدين والمتربصين، فكأنما لم يكن كافيا قلة ذات اليد في مقابل منشورات كانت تغدق عليها الأموال، حيث كانت الجريدة ومديرها عرضة لمحاكمات ومتابعات قضائية كيدية، متابعات لم تكسر عزيمة الأستاذ، لكنها كشفت عن معدنه النبيل حين كان يتقدم للمحاكمات مخليا ذمة كل زميل صحافي متحملا مسؤولية ما كتب وما نشر.

لم يكن الأستاذ الحجام مجرد مدير جريدة، بل كان إنسانا ومناضلا يدبر أمر منبر إعلامي مناضل، وإن كان لنا من شهادة نقدمها فهي إيمانه بالاختلاف وعدم تنازله في مسألة الحرية، لقد وقف مرة وأعلن أمام الملأ أنه يضع الموقع الالكتروني – ملفات تادلة 24 – رهن إشارة حركة 20 فبراير، وظن البعض أنها مجرد مزايدة وتسويق إعلامي، لكن ممارسته اليومية كانت تؤكد كل لحظة صدق سريرته وقراره، إننا نشهد أنه لم يخضعنا لرقابة ولم يفرض علينا وصاية ولا مارس أستاذية متعالية، بل على العكس رأينا كيف كان ينتصر للحرية وإن تعارض أمر مع موقفه الشخصي، وكان ينتصر للخط التحريري وإن كان يخالف تقديراته.

إننا الآن ونحن نرص الحزن في قلوبنا، نسترجع مكابدة ’’الأستاذ‘‘، وصبره وقناعاته بالخيارات التي اختارها، لهذا نقف في أسرة ملفات تادلة هذه الوقفة لنؤكد أننا، وإن شعرنا باليتم لفقده، فإننا نحمل هذه الرسالة العظيمة التي ترك، ونمد أيدينا إلى كل أعضاء عائلة ملفات تادلة في مكان من المغرب ومن العالم، ندعوهم لنكمل ما بدأه، لتبقى ملفات تادلة مدرسة عريقة وبيتا وآمنا.

 ملفات تادلة 24

https://milafattadla24.com/




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...