زلزال الحوز والحق في التعليم

منذ واقعة الزلزال/ الفاجعة انتصب سؤال استمرارية الدراسة من عدمها، وإن كنا قد انتقدنا عدم توقيف الدراسة يوم السبت المصادف للزلزال في المناطق التي قضى المواطنون ليلتهم أو جزء منها خارج المنازل، وخصوصا في التعليم الابتدائي، فإننا لا نتقاسم الرأي مع من دعوا لتوقيف الدراسة لمدة أسبوع أو أكثر في مديريات مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وإيمينتانوت وورزازات.

إن التفكير في استئناف الدراسة يجب أن يكون من أولويات محاصرة تداعيات الزلزال، ولا يقل أهمية عن باقي الأولويات المرتبطة بالخدمات الصحية والإسكانية، ليس بدافع تأمين الحق في التمدرس فقط، بل كذلك لتحجيم الخسائر النفسية عند الأطفال، إذ يمكن للمدرسة أن تلعب أدوارا في هذا الجانب.

ولقد أنشأت الأمم المتحدة صندوقا لدعم التعليم في حالات الطوارئ، وأسمت البرنامج الذي يشرف على تمويله هذا الصندوق : التعليم لا ينتظر، كناية على أنه لا ينبغي توقيف الدراسة تحت أي ظرف، وأنه يجب إيجاد البدائل وتكييف المدرسة باعتبارها خدمة عمومية مع السياقات الجديدة التي تفرضها الحالات الطارئة، سواء كانت كوارث طبيعية أو بشرية.

وفي الحالة المغربية الراهنة، وأمام الأرقام الأولية التي أعلنتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والتي تحتاج للتحيين، والتي تفيد بتضرر حوالي 500 مؤسسة بأضرار متفاوتة، ووفاة سبعة أساتذة رحمهم الله، فإن الأولويات المستعجلة تقتضي في رأيي استئناف الدراسة في المناطق المتضررة في أقرب فرصة، عبر اللجوء لمدارس مؤقتة، ولو كانت خياما يتم تكييفها كحجرات دراسية، مع القيام بتكوينات للسادة الأساتذة ولو عن بعد، في كيفيات وطرائق الدعم النفسي للتلاميذ في مثل هذه الحالات.

إن استمرار الأطفال في العيش داخل “صندوق” الزلزال، والذي نعني به قضاء اليوم كله أمام مشاهد الدمار، وحكايات الفاجعة، ومراقبة الكبار، ستكون له انعكاسات نفسية بالغة، قد تكون من أسباب مفاقمة الهدر المدرسي في تلك المناطق، ويمكن لحضور فصول الدراسة في أقرب وقت ممكن تحقيق هدفين متوازيين: تأمين دعم نفسي ملائم، خصوصا أن أغلب أولياء الأمور أو من نبقى منهم يفتقدون للحد الأدنى من الوعي بهذا الجانب، مع العلم أنهم أنفسهم في حاجة إلى ترميم أعطابهم النفسية الناتجة عن الكارثة، والهدف الثاني هو تأمين الحد الأدنى من استمرارية العملية التعليمية والتعلمية، مما يقلل من احتمال ممكنات الفشل الدراسي مستقبلا.

يطرح البعض حل تأجيل الدراسة إلى حين استقرار الوضع وإصلاح ما يمكن إصلاحه من الحجرات الدراسية، وخصوصا أن أغلبية البنايات المتضررة لا تتضمن أكثر من ثلاث إلى أربع حجرات، مع تكثيف حصص الدعم بعد استئناف الدراسة، وأعتقد أن تجربة حصص تكثيف حصص الدعم أثناء جائحة كورونا وبعدها كانت نتائجها دون المستوى المطلوب، وللأسف حتى الوزارة الوصية لا تمتلك تصورا بيداغوجيا وديداكتيكيا للدعم والمعالجة في الأحوال العادية، فما بالك في الأوضاع الاستثنائية، والدليل إسنادها لحصص الدعم في الموسم الدراسي الماضي إلى متعاقدين في إطار برنامج “أوراش” دون توفرهم على أي تكوين أو اطلاع على المرجعيات التربوية، مع العلم أن إجراءات الدعم والمعالجة هي أكثر تعقيدا من إجراء بناء التعلمات نفسها.

طبعا، لن نتحدث عن التدريس عن بعد، والذي كان يمكن أن يكون حلا مؤقتا، ليس بسبب المشاكل اللوجستية المرتبطة بالشبكة، ولكن كذلك لأن الوزارة بعد التعافي من تداعيات جائحة كورونا أوقفت أو أبطأت كل البرامج المتعلقة بالتدريس عن بعد، والذي يعتقد كثيرون خطأ انه يكفي تأمين الأجهزة واللوحات الإلكترونية، وتوفر صبيب الأنترنيت للانتقال نحو هذه الصيغة، دون الانتباه أن المقررات الدراسية والكتب المدرسية وعمليات تخطيط التعلمات وتدبيرها وتقويمها، كلها مبنية على بيداغوجيا التعليم الحضوري، وأن التعليم عن بعد ليكون أكثر نجاعة يقتضي تخطيطا وتدبيرا وتقويما وحوامل ديداكتيكية مكيفة مع هذا النمط، وهو غير المتوفر، والمغرب باعتباره بلدا يعرف ظواهر طبيعية تعيق استمرار الدراسة في أكثر من منطقة كان عليه أن يكون متوفرا على خطط بديلة للانتقال السلس نحو التعليم عن بعد في مثل هذه الظروف.

وقبل الختام، وبعد الترحم على الضحايا من أساتذة ومتعلمين نتمنى أن تقوم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالتفاتة إنسانية نحو أسرة التعليم، وذلك بإعلان ترقية استثنائية للأساتذة المتوفين باعتبارهم شهداء الواجب المهني، يستفيد منها ذوي حقوقهم، وتحمل رسالة رمزية تثمن الاشتغال في المناطق النائية والصعبة حيث تكون المخاطر أكبر، هذا دون إغفال مطلب الزيادة في التعويض عن العمل في مثل هذه المناطق.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...