-ملفات تادلة 24-
أزمنة وأمكنة
تعازينا الحارة ومواساتنا القلبية الصادقة إلى كل المغاربة، أسر ضحايا الزلزال المؤلم والفاجعة الوطنية الكبرى 8/9/2023 .وتحية تقدير عالية إلى كل من يقدم الدعم والمساعدة والعون.. لأسر الضحايا، وكل ساكنة إقليم الحوز
“سأغض الطرف عن كثير من الأمور، وسأفتح لك أبواب بيتي، إلا أن عليك أن تتذكر دائما أنك في بيتي …” جاك دريدا
في فرنسا، بلد الأنوار، بلد الثورة الفرنسية (1789)، البلد الذي ارتبطت فيه السياسة والفكر معا، بشعار كبير هو: العدالة والمساواة والإخاء، البلد الذي عرف أيضا أبرز هزة اجتماعية و سياسية وثقافية عميقة .. نقصد أحداث مايو 68 ..التي لم تكن مجرد مطالب نقابية اجتماعية محضة ، بل كانت إعادة نظر فلسفية عميقة في ثوابت عاشت عليها أجيال سابقة : كانت إعادة النظر شاملة في مفهوم الثورة ذاته، في مفهوم السياسة، في مفهوم المثقف، في مفهوم الجامعة، في مفهوم التاريخ ، في النظرية، في المجتمع، في الأسرة، في المدرسة، في السجن ،في الجسد، في الجنس…الخ. لأن هذه الانتفاضة العارمة، كان وراءها مفكرون وزعماء ورموز مازالت آثارها في كتابات وحياة الكثير منا ..
الآن مرت عقود، وها هي فرنسا تعرف أزمة اقتصادية واجتماعية، بل وثقافية أيضا.. تمثلت في حركات اجتماعية عمالية ونقابية في السنوات القليلة الماضية، ومازالت لم تخمد بعد …جوبهت بالقوة والشطط في استعمال القوة والعنف والعنف المضاد..حتى مع المتقاعدين المسنين رجالا ونساء .. فقد تماهت الطبقة السياسية بأحهزتها المختلفة مع العولمة الاقتصادية والليبرالية الاستهلاكية والصراعات الدولية.. التي زعزعت كثيرا من المجتمعات الأوروبية، والتي كانت تنعم إلى عهد قريب بحياة الرخاء والاستقرار..، وهي الآن تختبر مناعتها الداخلية .. انجر االنظام السياسي الفرنسي في خضم هذا التطور العولمي، فخلق عداء كبيرا مع بعض شعوب العالم، والأنظمة السياسية الأخرى في القارات التي مازالت تعاني من تبعات الاستعمار القديم، والتخلف والاستبداد السياسي.. خاصة قارة إفريقيا ، شعوب كثيرة في هذه القارة ونخبها السياسية أيضا تدخل في عداء مع الأنظمة الأوربية لتنكرها بوعودها وخاصة فرنسا، نظرا لعدم الوفاء لما كانت ترفعه من شعارات ايديولوجية حالمة .. رغم استفادتها من خيرات أراضي القارة الافريقية، ومن جهة أخرى نجد هذا الغرب الأوروبي الآن، وفرنسا على الخصوص، في مواجهة مع قوة أخرى هي روسيا، المدعومة بالصين وما يدور في فلكهما، ومعهم شعوب من العالم. وحاليا تعرف فرنسا بمناسبة الدخول المدرسي جدلا واختلافا حادا وصراعا بين فئات مجتمعها وفصائل مكوناته السياسية والفكرية.. حول القرار الذي تم إنزاله، والمتعلق بقانون منع ارتداء “العباءة” في المدارس الفرنسية، بحجة أنها تتعارض مع “مبادئ العلمانية” في الدولة. لكن مجلس الدولة في النهاية يحسم في الموضوع، ويصادق على قرار منع ارتداء العباءة في المدارس العمومية، لأن ارتداءه يتعارض في نظره مع تلك المبادئ. ورغم هذا الحسم من جانب الدولة يظل النقاش مفتوحا حول “اللباس والهوية” بحكم أصوات أخرى تنادي بالاختلاف والحب في التعبير عن الحرية الفردية في اللباس ليس فقط في المدارس، بل أيضا في كل الفضاءات بما في ذلك لحظة الاستحمام في الشواطئ.. كما شكلت بدورها ضجة في فترة معينة الخ. ويسود الاعتقاد دائما أن الملبس، مثل اللغة، محدد من محددات هوية حامله، لذا يعتبر دالا على المراتب الاجتماعية والانتماءات الطبقية، وعلامة على الهويات (السياسية والثقافية والدينية..) إن لم يكن جزءا منها. ورغم الوظيفة التمييزية التي يتحدد بها اللباس، فإن هناك الآن ميلا عارما في كثير من المواقع والمواقف أخذ يسود في اتجاه “توحيد الملبس” الذي أصبح ينمو بدوره حتى في إلغاء الفروق حتى بين “الجنسين”. وفي هذا الإطار صار اللباس الموحد حين يفرض فرضا ينزع عن الملبس خاصيته التمييزية وقوته التفاضلية، وتفقده وظيفته، فتجعله موحد الشكل والمظهر uni- forme ليغدو أداة انسجام وتوحيد وتسوية. لكن هذا التوحيد والتنميط لا تكفي قوة “العلمانية” لتثبته في كل العقول اذا كانت أصولها الثقافية دينية مناقصة للعلمانية..، ومن هنا فإن اللباس أو الزي سواء في المدرسة أو في الفضاءات الأخرى أصبح يتحدد بعوامل تفوق المهنة والرتبة والجنس، ليتخذ دلالات سياسية، بل وأحيانا انطولوجية تمس الهوية وتحدد الذوات.. فحتى “علمانية” الملبس ذاتها أخذت تتراجع ليعود اللباس معنى يتجاوز السياسة والمجتمع، وأيضا الإنسان، لا ضمن تراتبية اجتماعية فحسب، وانما ضمن تدرج كوسمولوجي ومقامات كونية . بالطبع لا أحد يتجاهل “الأقلية المسلمة ” في فرنسا التي ربما تعتبر أكبر أقلية في أوروبا، ففرنسا تعتبر الأولى كموطن لهذه الأقلية المتزايدة.. والتي عرفت اهتماما حول عدد من المنتسبين إليها بحكم الصراعات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط والوضع السياسي في سوريا بالخصوص وغيرها من البلادان الإسلامية…وقد عرف قانون حظر ‘الحجاب الاسلامي” معارضة منذ إنزاله في المدارس الحكم مئة عام 2004 ،الذي يمنع إرتداء “ملابس” أو “رموز” تظهر الانتماء الديني في المؤسسات التعليمية الفرنسية أيا كان..وقد أعلن في بداية العام الدراسي ، وزير التعليم الفرنسي “جابرييل تنال” أن 298 طالبة ذهبت الى مدارسهم ، و67 منهن رفضت خلع عباءتهن في المدارس، وتمت إعادتهن لمنازلهن مبررا هذا الوزير موقفه في رسالة بعثها إلى عائلات الفتيات اللواتي منعن من دخول المدرسة يقول فيها: ” إن العلمانية ليست قيدا، إنها حرية”.
وفي هذا الصدد يطرح كثير من معارضي هذا الفرض أو قانون الإجبارية السؤال الأكبر : وما الحرية ؟ هل تعني توحيد الزي ومنع الاختلاف في اللباس وقمع الهويات …؟ أم أن ينبغي أن نترك الناس “أحرارا” في اختيار لباسهم أو زيهم، شريطة التزام مبدأ الاحترام، احترام الغير كما يقول البعض.. أم أن الحرية هي أولا وقبل كل شيء التزام ومسؤولية؟ وهكذا بدأت التساؤلات تتناسل ..من بينها أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في فرنسا، والذي تتجاذبه تيارات مغاربية ، رأى أن القرار، قرار منع الحجاب أو العباءة “تعسفي” ..
إن مشكلة “العباءة” أو “الحجاب” بفرنسا في الحقيقة يطرح إشكال مدى قوة الاندماج السوسيو ثقافي، كما لوحظ في حالة العنف التي وقعت مؤخرا، حين تم إطلاق النار على الشاب المواطن الفرنسي الجزائري الأصول .. إن فرنسا وهي البلد الذي اشتهر بلاد الحريات من خلال هذه الظواهر وأخرى يعكس تنامي “الاختلاف” و”الصراع” فيها بين مكوناتها وطبقاتها “أزمة هوية وجودية” إذا جاز هذا التوصيف…تعيشها أوروبا بمجملها التي تعرف اختلافات أيضا إلى درجات الرفض والمواجهة لكل ماهو مؤسساتي وهو رفض قد يكون صادرا من رؤية سياسية.. ففي مجتمعها هناك صراعات خفية بين ثقافات وهويات مختلفة قد تكون خامدة ،وحين تكتمل شروط معينة لظهورها تبرز بقوة …و في نظر أصحاب هذه المقاربة التي تؤكد على “الأزمة الهوياتية “تؤكد أن فرنسا كنموذج تعيش في العمق مشكلات سياسية اقتصادية بالدرجة الأولى جزءا كبير منها مرتبط بانجرارها وتهافتها مع أزمة الرأسمالية المعولمة، وهاته تلقي بظلالها على الاجتماعي والثقافي الفكري…مما يعطي لأصحاب هذه المقاربة الحق في أن يعتبروا أن ثمة تناقضات كبرى ومقاربات صارخة أحيانا في المنظومة السياسية الفكرية ،فالأصل في العلمانية في نظرهم أن تكون الدولة “محايدة” ، لقد بدت فيه فرنسا في نظرهم بموقفها هذا معبرة عن أزمة حقيقية تعتمد ميكانيزمات “أصولية” و”ردود أفعال قوية” في معالجتها على الرغم من إعلانها الحرب على التشدد والتطرف.. بالطبع لا يمكن معالجة هذه الأوضاع دون استحضار أثر الهجرة، وثقافة الجيل الثالث والرابع من المهاجرين الذين طبع الثقافة الفرنسية بعناصر لم تجد مكانها في تلك الثقافة العامة، ومازالت كثير من الإشكالات عالقة إلى الآن ..وهي مادة خصبة للمفكرين الذين يظهرون جهدا لمناقشتها بكثير من الجرأة ، ومعهم وسائل الإعلام التي تغطي كل المواقف المتناقضة ، دون أن ننسى الضغط الذي تشكله شبكات التواصل الاجتماعي.
لقد كانت مسألة الثقافة والاندماج الثقافي دوما تطرح على مستوى علاقة “الضيف” و”المضيف”.. و نجد أن هذا الموضوع استأثر أكثر من اهتمامات الأدب الفرنكوفوني والكتاب الأفارقة وخاصة المغاربيون منذ وقت بعيد، لكنها لم تكن تجد آذانا صاغية ..ولعل كتابات الرواد الأوائل عبد الكبير الخطيبي يمكن أن نستأنس بها ، وأيضا الكتاب الجزائريين أصحاب الجنسية والمواطنة الفرنسية .حول لغة الضيافة La langue de. l’hôte . و بعض الكتاب الفرنسيين أنفسهم وهي تقدم شهادات قوية على عمق المشكل الذي لا يمكن أن تعالجه الأجندات السياسية ولا الوعود الانتخابية .. لقد كان المهاجر وهو يحل على فرنسا يعتبر نفسه “ضيفا” على الدوام رغم تمتعه بالجنسية الفرنسية وبنفس الحقوق والمواطنة كما هي مشرعة في قوانين الدولة، لقد ظل المهاجر / المواطن في كل الأزمنة يعتبر نفسه وفي قرارة نفسه كضيف ..ويمكن أن نجد في اللفظ الفرنسي hôte، الذي يعني في الوقت ذاته ، الضيف والمضيف، علامة على ثراء لغة ، وسمو ثقافة ، ورفعة منزلة، ودماثة خلق. بين صاحب البيت والوافد عليه، يمكن أن ننظر الى هذا السخاء والكرم في التعابير الواردة في كثير من الأدبيات … لكن من زاوية الأفعال والمواقف في الواقع الذي يتغير باستمرار فذلك أمر آخر.. ففي بلد الأنوار لا تستغرب أن تصدر كثير من المواقف ذات الطابع العنصري التمييزي الرافض للآخر ففي كتاب الافريقي فرانز فانون Franz Fanon “معذبو الأرض” يورد هذا الطبيب الإفريقي قولة لجان بول سارتر ، يمكن أن يندهش لها المهتم بالفكر الوجودي ،يقول فيها Sartre : “وذات مرة لا نجد ضيرا في أن نمنح أحد الزنوج جائزة الغنكور”.. وسارتر نفسه يقول في موضع آخر ” إن العنف الاستعماري لا يريد إخضاع هؤلاء البشر المستعبدين فحسب، وإنما يحاول أيضا تجريدهم من انسانيتهم، إنه لن يدخر جهدا من أجل أن يقضى على تقاليدهم، وأن يحل لغتنا محل لغتهم، ومن أجل أن يهدم ثقافتهم دون أن يعطيهم ثقافتنا، وبالتالي فإننا سنرهقهم تعبا”. ليس غريبا أن تصدر أصواتا تندد بين الفينة من داخل فرنسا ومن الفرنسيين أنفسهم ببعض المواقف العنصرية التي تهدم التراث الفلسفي الفرنسي الإنساني النزعة .. مقابل هذه الأصوات التي يمكن اعتبارها في طريق التآكل والضياع، هناك معارضة السياسيين التي تترعرع، معارضة للآخر، لا غرابة أن يكون هناك إحساس بالضجر والتضايق من جميع الوافدين، بل من تأفف ممن يشاركون الفرنسيين أرض المولد. وهكذا كما يتساءل ذ. عبد السلام بنعبد العالي في كتابه “جرح الكائن” تساؤلات يبحث عن إجابة فلسفية له : ماذا نفعل بكل هؤلاء الغرباء؟ ” ؟ ..يبدو هذا التساؤل له ما يبرر طرحه على ضوء ما هو راهن الآن في فرنسا؟ يمكن اعتبار هذا التساؤل رائجا عند كل الأفواه، ليس عند اليمين المتطرف وحده، عند من كانوا يحرصون، حتى وقت قريب، على “سياسة ” ألسنتهم. ألم يقل السياسي القائد جورج بومبيدو يوما ما: ” على الشعوب المتكلمة بالفرنسية أن تشعر أنها ، فوق المصالح الاقتصادية ،وحتى السياسية ، موحدة برابطة خاصة هي رابطة فكرية وعاطفية..” .لقد كان المفكرون الفرنسيون من بين أوائل الذين سعوا إلى نحث مفهوم لا يرقى إلى مفهوم الضيافة Hôte، لكنه بشكل بديلا منه هو مفهوم “التسامح”. وقد استطاع هذا المفهوم أن يجد مكانه في الثقافة الأوروبية على العموم، وفي بلد فولتير ومونتسيكيو.. الخ، إلا أنه، كما نعلم، ظل يحمل في طياتها أسباب تعثره، وعلامات حدوده، في هذا الصدد يمكن أن نستأنس بموقف جاك دريدا Jack Derrida الذي حاول أن يتناول هذا الموقف الفرنسي من الآخر برده إلى كون المفهوم التسامح ظل يحمل رواسبه الدينية الضيقة الذي ترعرع في حضنها. “فقد تركت الحروب الدينية التي دارت بين المسيحيين، أو بين المسيحيين وغير المسيحيين، بصماتها على كلمة التسامح فالتسامح فضيلة مسيحية، أولا وقبل كل شيء، أو قل فضيلة كاثوليكية على وجه الخصوص..”.. ثم أن التسامح ، يضيف جاك دريدا المفكر الفرنسي ذو الأصول الجزائرية ، ” – مهما قلنا ، ومهما تحفظنا ، يجيء دوما من جانب الأقوى”، إذ إنه دوما تأكيد لسيادة .فكأن المتسامح يقول : ” سأغض الطرف عن كثير من الأمور ، وسأفتح لك أبواب بيتي ، إلا أن عليك أن تتذكر دائما أنك في بيتي”. ماذا نفهم إذن من تصريح فلسفي ومن فيلسوف فرنسي اي من مواطن فرنسي كهذا؟ أن مفهوم التسامح هو نسبي ولا محدود وبالتالي ليس معناه أن تتصرف كما تشاء في دار الضيافة. التسامح ضيافة، لكنها ضيافة محدودة. أكون متسامحا عندما أستضيفك وأظل في الوقت ذاته أنا صاحب “البيت”، تظل متمسكا بالحفاظ على سيادتي ونفوذي، وكل ما يتعلق بموطني وبيتي وديانتي ولغتي وبثقافتي .. أنا أستضيفك، لكن ليس الضيافة بمعنييها. إني أفتح بيتي متسامحا، ولكن شريطة أن يلتزم الوافد بمعايير حياتي، بلغتي وتشريعاتي.. بل بمأكلي وملبسي. عليه أن يتمثل ثقافتي، ويعرف جغرافيتي وتاريخي، و”يتطهر” من كل ما يشكل غربته عني. معنى ذلك أنني لا أتحمل “الضيف”، لا أتحمل الغريب والآخر، إلا في حدود معينة، إلا وفق شروط. التسامح ضيافة مشروطة، ضيافة متخوفة، ضيافة متحفظة، ضيافة سيد لمسود، ضيافة حذرة غيورة على سيادتها، فهي إذن ليست ضيافة. ذلك أن الضيافة لا تكون كذلك إلا إذا كانت منفتحة على ما لا يمكن توقعه، إلا إذا كانت متقبلة للضيف، وما يضيفه، إنها لا تكون ضيافة إلا إذا كانت زيارة، وليست إقامة تحت شروط، أو تلبية لدعوة أو استجابة لطلب. إذا كان التسامح ضيافة مقننة، ضيافة “مسيجة، ضابطة لقواعد الاستقبال، معقمة ضد فيروسات الآخر، مسلحة ضد ما فيه من غرابة، فإن الضيافة “الخالصة” انفتاح على ممكنات، ومخاطرة، إنها منفتحة على الغريب متطلعة لما فيه من غرابة.
هذا التطلع هو نوع من الشوق، من الاشتياق للآخر، والنظر إليه بعد من أبعاد الذات، وكامتداد للأنا ، وهو مراجعة لا تنفك لما يتوهم أنه محددات وحدود للهوية، مراجعة تنتهي بأن ترى في كل “أنا آخر”، وتستعيض عن مفهوم الغريب l’étranger بالمفهوم الذي كان أحد النقاد الجزائريين اقترحه عند انتقاده لمؤلف البير كامو Albert Camus ، أعني مفهوم “”الغريب الذي يسكنني ” L’intranger. آنئذ سيصعب على كل منا رسم الحدود بين الضيف والمضيف، وبناء الأسوار بين الأنا والآخر، وسيتعذر علينا جميعا طرح سؤال من قبيل: ” ماذا سنفعل بكل هؤلاء الغرباء ؟ “، مادام كل غريب ” غريبا يسكننا”.
ولعل أهم خلاصة، يمكن أن نشير إليها، وهي قراءة الخطيبي لعلاقتنا بالآخر ..ذلك أن الخطيبي كان محقا حين أكد على أن هوية الإنسان ليست وحدة، وحدة مغلقة ،تكون مضادة تماما للآخر، ولكن هناك انعكاسا مشتركا، وعلاقة جدلية بين الهوية والآخر ، بين الهوية ومسألة الفرق. فالهوية تتكون من قوى مختلفة، تنطلق من الجذور الطبيعية والتاريخية التي تشكل الوجود الإنساني. لكن أليس الحوار الدائر رغم صدور القرار حرب أحيانا على مستوى اللغة؟ في موضوع كهذا ..موضوع العباءة وما يتعلق به؟ وهل يخلو الحوار بالفعل من كل صراع؟ ألا تسوده، هز كذلك، علائق قوة؟ البس، هو كذلك، طريقا للوقوع في الاخطاء وإبراز الاختلافات وفضح سوء التفاهم؟ أليس طريقا للتعثر والتأزم؟
**********
ذ. التهامي ياسين
إحالات ضرورية :
اعتمدت في كتابة هذه المقالة وبناءها على قراءات مختلفة. للمزيد من الاطلاع والتوسع في الموضوع انظر:
– قراءة عبد الله العروي لمسألة “اللباس والهوية” من السلطان المولى سليمان إلى الحركة الإصلاحية الوطنية .
– كتاب ذ عبد السلام بنعبد العالي “جرح الكائن” دار توبقال للنشر.
– كتاب عبد الكبير الخطيبي “نحو فكر مغاير” ترجمة وتقديم نفس الباحث عن كتاب الدوحة. وقراءة لمواقف أخرى ..