عبد الحق غريب: ما السبيل لوضع حد للمحسوبية والزبونية في توظيف الأساتذة المحاضرين؟

-عبد الحق غريب-

دأبت إحدى المؤسسات الجامعية بفرنسا على تنظيم لقاء تواصلي بين الأساتذة والطلبة الجُدُد مع بداية كل دخول جامعي… وفي هذا السياق، قدّم أستاذ نفسه أمام الطلبة الجُدُد بالمدرّج، وأخبرهم أنه يدرّس المادة الفلانية منذ سنوات، ثم استرسل قائلا :

“أعتذر طلبتي الأعزّاء.. هذه السنة لن أُدرّسكم مادتي.. سيتكلف بذلك زميلي.. أعتذر لكم لأن إبني طالب بينكم ومعكم هذه السنة”.

طبعا ليس هناك ما يمنع الأستاذ من تدريس مادته وابنه ضمن طلبته.. ومع ذلك، فإنه اتخذ القرار، ربما تفاديا لأي تأويل أو شكوك في نتائج ابنه، أو لتجنّب كل ما من شأنه أن يمسّ سمعته أو يُحرج ابنه أو يؤثر سلبا على مستقبل ابنه.

في سياق مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين بالمغرب، هل سمعتم/ن استاذا باحثا اعتذر عن قبول عضويته في لجنة الانتقاء، درءا لأي تأويل أو شكوك لأن علاقة ما تربطه بأحد المترشحين/ات في المباراة ؟

لماذا اخترت هذه المقدمة وطرحت هذا السؤال؟

لأنني لا أفهم كيف يقبل أستاذ باحث العضوية ضمن لجنة انتقاء المترشحين في مباراة توظيف أستاذ محاضر وهو يعرف حق المعرفة أن من بين المتبارين على المنصب يوجد ابن أو ابنة أو زوجة زميل له تربط بينهما علاقات متينة، أو أنه “مَدين” لأحد أقرباء أحد المترشحين (مشرف أو عضو مناقشة أطروحته…)، ويعرف أكثر أن المباراة تحت المجهر، وقد تتعرض نتيجتها للطعن.. بغض النظر عما إذا كان هذا الاستاذ (عضو اللجنة) نزيها ومستقلا، وليس من طينة عديمي الضمير الذين يتم تعيينهم من أجل إنجاز مهمة حقيرة تتجلى في اختيار ابن هذا أو ابنة ذاك أو زوجة فلان أو قريب علان.

بصفة عامة، يمكن القول أن التلاعب في نتائج مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين بمختلف المؤسسات الجامعية أصبح هو موضوع الساعة، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ أو نسمع عن طعن أو إلغاء نتيجة هذه المباراة، أو إيفاد لجنة للتحقيق في مجريات تلك المباراة.. بل أكثر من ذلك، نسمع من حين لآخر ان نتائج مباراة توظيف أستاذ محاضر في إحدى المؤسسات الجامعية قد وصلت إلى قبة البرلمان، وهذا يسيء للجامعة والجامعيين.

هناك العديد والعديد من الأمثلة في هذا الشأن، نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض مما وقع في الأسابيع الماضية فقط : إلغاء نتائج أربعة مناصب بكلية الحقوق بسلا، وإيفاد لجنة للتحقيق في نتائج مباريات توظيف بجامعة عبد المالك السعدي، وإيقاف المحكمة الإدارية بوجدة لمجريات مباراة كانت قد أعلنت عنها جامعة محمد الأول واللائحة طويلة.

لنتكلم بصراحة ونقول بصوت عالٍ أن وتيرة التلاعب في نتائج مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين تزايدت بشكل ملحوظ وملفت وخطير في السنوات الأخيرة، وبات أبناء وبنات وزوجات الأساتذة والمسؤولين وأقارب وأصدقاء ذوي نفوذ المال والسلطة هم الأكثر والأوفر حظا للفوز بالمناصب…

طبعا نحن لا نعمّم، لأننا نعرف أن عددا من المباريات تمر بشكل نزيه وأن عددا من اللجن مستقلة ولها مصداقيتها، وأن عددا من أقارب الأساتذة الباحثين والمسؤولين يستحقون الفوز بالمناصب ولا ذنب لهم في ما يجري، ولكن الواقع عنيد وما يقع هنا وهناك بات مخيفا ولا يبشر بالخير.. وإلا كيف يمكن تفسير كل هذه الطعون ولجن التحقيق وقرارات إلغاء النتائج من جهة، ومن جهة أخرى كيف يمكن تبرير اجتياز مباريات عديدة من قِبَل مترشحين مشهود لهم بالكفاءة والانتاج العلمي في مجلات محكمة دون نتيجة، في الوقت الذي نجد فيه ابنة الأستاذ الفلاني فازت بمنصب أستاذ محاضر بعد ثلاثة أشهر فقط من حصولها على الدكتوراة أو ابن الأستاذ العلاني الذي قدم أطروحته قبل ثلاثة أشهر وها هو يستعد للفوز بمنصب أستاذ محاضر بالجديدة، واللائحة طويلة.

لقد آن الأوان لأن يتحمل الجميع مسؤوليته لوضع حد لهذه الآفة، من أساتذة باحثين والدكاترة الذين يترشحون لمباريات توظيف الأساتذة المحاضرين والنقابة الوطنية للتعليم العالي :

1- الٱساتذة الباحثون يجب عليهم، حفاظا على سمعتهم ومصداقيتهم، أن يتحملوا مسؤوليتهم في الدفاع عن نزاهة المباريات واعتماد معيار الجدارة والاستحقاق، والقطع مع قبول العضوية في اللجن على المقاس.

2- الدكاترة الذين يترشحون لمباريات توظيف الأساتذة المحاضرين مطالبين بضرورة خلق إطار على المستوى الوطني، وأن يكون لهذا الإطار فروع في كل الجامعات، من مهامها تتبع كل مباراة مباراة ورصد الخروقات التي قد تشوب أي واحدة منها وفضح هذه الخروقات وأسماء المتورطين، والضغط بكل الوسائل القانونية والنضالية لإحقاق الحق والعدل.

3- أما بالنسبة للنقابة الوطنية للتعليم العالي، فبقدر ما نطالب من مناضليها الدفاع عن مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء وبنات هذا الوطن الجريح لولوج المناصب ومحاربة المحسوبية والزبونية، انسجاما مع مبادئ المنظمة العتيدة وتاريخها، والتزاما بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذا الشأن، بقدر ما نطالب من البعض الحياد تجاه أقاربهم ومعارفهم، وهذا أضعف الإيمان.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...