يونس مسكين: المدرسة مغلقة…ل لإصلاح

-يونس مسكين-

إذا لم نفهم هواجس الدولة وما تستحضره وتمنحه الأولوية وهي بصدد تدبير شأننا العام، فإننا لم نستطيع مواكبة سياساتها وإجراءاتها وقراراتها.

المقصود هنا أزمة التعليم الجديدة التي تشل المدارس العمومية منذ أسابيع، وتكمل ما بدأه مسار التخريب الذي طال هذه الوظيفة الحيوية في المجتمعات الحديثة، منذ سنوات، على الأقل منذ أزمة الأساتذة المتدربين ثم نسختها المتحورة لما يعرف بالأساتذة المتعاقدين، وبالتوازي معهما جائحة كورونا التي أعطبت المعطوب.

للدولة هاجس أساسي وأولوية لا منافس لها في أجندة القرار، وهي الاستقرار السياسي ودوام ميزان القوة الذي يسمح للأطراف المهيمنة بمواصلة الاستفادة من الثروات وثمار النمو.

هذه هي الحقيقة والباقي خطابات مكرورة للاستهلاك والتبرير وتسهيل الإنجاز. ولا تتنازل الدول عن تكريس جهدها لهذا الهاجس إلا بمقدار قوة وحضور ومساهمة المجتمع في إنتاج السياسات والقرارات.

عندنا في هذه الحالة، الدولة لا تدبر منظومة تربوية ولا جودة تمدرس ولا تمكين أبناء الفقراء من ركوب المصعد الاجتماعي…

لن أنسى ما حييت ذلك الخبير المتمكن من موضوع التربية والتعليم، والذي كان عضوا في لجنة المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه، الذي أنهى محاضرة قيمة في إحدى المناسبات، وعندما جمعتني به مائدة الغذاء على هامش الندوة، وانخرطنا في نقاش ودي، ختمه بسؤال ما إن كان لدي أطفال، وعندما أجبته بنعم قال لي: “ولدي، ابحث عن الخلاص الفردي لأبنائك ولا تنتظر هذا الإصلاح الذي نتحدث عنه!”.

مسؤول حكومي آخر جمعتني به مناسبة رسمية، وأثناء حديثنا عن أزمة المدرسة قال لي دون لف ولا دوران: “الدولة تدبر مشكلة انتقال ديمغرافي في سياق حرصها على الاستقرار ومنع حدوث أي اضطراب كبير، نحن بصدد الدخول إلى مرحلة التناقص الديمغرافي، ولا يمكن أن توفر مدارس وتجهيزات وأساتذة لأعداد ضخمة من الأطفال، سوف يتناقصون تدريجيا تبعا للمعطى الديمغرافي، هي مرحلة عابرة فقط!”

رأيتم ماذا تدبر الدولة؟ وفهمتم لماذا الحقوق بطبيعتها لا تُمنح، بل تنتزع على يد الأمم الحرة والواعية. انتظار نزول الإصلاح من فوق بمثابة بحث عن القمر في الظهيرة.

للدولة حساباتها الاستراتيجية التي تتقاطع مع حسابات القوى الدولية عبر مؤسساتها المالية. والمدرسة العمومية ليست أولوية ولا هدفا من الأساس، مهما تردد ذكرها في الخطاب الرسمي. أبناء الفئة الناجية تؤمّن مستقبلها في مدارس البعثات والمؤسسات الخصوصية والفائض الديمغرافي يصرّف عبر قنوات الهجرة السرية وفي زنازين السجون وشوارع التشرد وشي بركة من التكوين المهني لتخريج حطب تحتاجه آلة الإنتاج التي يملكها المسيطرون.

الدفاع عن المدرسة العمومية لا يتم الا في إطار دفاع شامل عن الديمقراطية في التدبير والعدالة والانصاف في توزيع ثمار النمو.

أقول… لا أسمع!




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...