دراسةٌ في رواية “الزّمنِ المُوحش” لِحيدر حيدر(5) استراتيجيات السرد:  الالتبـــاس

-ملفات تادلة 24-

 دراسةٌ في رواية “الزّمنِ المُوحش” لِحيدر حيدر(5)

استراتيجيات السرد:  الالتبـــاس

 يعملُ” الالتباس في الرواية الحديثة كاستراتيجية، تُناهضُ “شفافية” ويقينية الكتابات الواقعية، والأطروحية التي يرتهن فيها تشخيص الواقع بإكراهات “المحاكاة” و”الإيهام المرجعي”، و”المحتمل”، إن التباس سياق التلفظ، وهوية الضمائر، وتعديد الأصوات، والمنظورات والعجائبي والسخرية واللعب والميتانص  (Méta- Texte)، في الرواية الحديثة،  يؤشر  إلى منظور جديد، وإشكالي لعلاقة الكتابة بالواقع”1 .

 من بين مستويات الالتباس، الماثلة في “المتن الحيدري” سنختار ثلاثة تتصل أسسا بالسرد.

*- أولا : هوية الضميـر:

 تنهض الضمائر وظروف الزمان والمكان برصد هوية الكائنات، وتحديد الإطار الزماني والمكاني لوصفيةٍ تواصلية، أو سياق تلفظيٍّ معين وهي التي يُطلق عليها اسم: “المعينات“* Embrayeurs، غير أن هذه المعينات قد تعتريها زحزحةٌ، تمسّ وظائفها الأصلية المعيارية تبعا لقصدية المُبدع الخاصة.

 وفي النموذج السائد في هذه الزحزحة، تبرز التباسيةُ هوية الضمير الّتي ينبغي الإشارة إلى أنّها في مجملها تُحيل على الأنثى، أنثى واحدة، متعدّدة، أرضية، وأسطورية، ممكنة ومستحيلة، تتخلّقُ وتحيا بالكلمات، شأن نساء نِرفال وكراك ولوتريامون وبروتون2.

– لو أستطيع أن أصلبَ لكِ الزمن يا عزيزتي، لوكانَ بإمكانك أنْ تردّ الشمس عن مغيبها. (ص 111).

– أبي أيها الذي متَّ، أنتَ أعمى في القرن العشرين، (ص 185).

– وفي ذلك الزمن كنتُ أمضي نحوها، وكانتْ منجاتي – عنها تحدثّتْ بحرارة، واخترت باختيارها النفي والكراهية، وقال الذين في سمعهم صمم: إنما أنت أحمق ومثالي، تضع رأسكَ تحت المقصلة مجانا، وكنتُ أقول، وأنا أمضي بعيدا عنهم: لشد ما أنتَ وحيد بين بشر وحيدين (ص 258).

 *- ثانيـا : سيـاق التلفـظ:

يتواطأ التباس الضّمائر وغيابُ المؤشرات الزمنية، والمكانية في رسم صورة عائمة ومجردة لسياق التلفظ الذي يُعتبر الإطار المحدّد لتداول الملفوظات وفهمها، وهذا نراه ينسحبُ على كثير من المونولوجات والحوارات في الرّواية الّتي ترد إمّا مصحوبة بمعينات (Embrayeurs)عامّة أو مجرّدة:

– لو كان بإمكانكَ أن تردَّ الشمس عن مغيبها، أن توقف الأرض عن الدوران فلا يكون هناك ماض ولا حاضر، تقفُ مع منًى على سطح الأرض، فتكونان الفصول والمطر، والشمس، الشعر والرغبة، العشب والطيور، الحجر والنسخ، ولا تغيبان أبدا. (ص 111)

 – غطاء مبدئيُّ من الكذب، ملفّع بقماش من البروكار والموسْلين، ملقى أمام تُجّار سوق الحميدية: حاجةً يابيك، بوبلين ديولين، أهلا وسهلا، شرّف، تركال، موسلين، بروكار، أسعار متهاودة، وفي نهاية السوق المغطّى بالصفيح يقوم الجامع الأمويّ: مطهّر الكذب والجشع والاستلاب، ناديا، هدى، أمينة، أيوب السّرحان، دنيا تعبقُ بالروائح، تاريخٌ قديمٌ يصطدم بهبوبٍ معاصر، بريح قادمةٍ منْ ريف إسكندرون السّليبة، منْ فلسطين، ومنْ قُرى حُوران  واللّاذقية، وحَمَاه وحَلَب وحمص وسُهوب الجزيرة الحارة .(ص 119)

 (كذلك الصفحات 153/181/238).

إنّ التباس السياق الزمانيّ (وكذلك المكانيّ)، على رغم وجود بعض الإشارات الجزئية والضمنية، مرتبطٌ في العمق، “بالسّيرورة التّرهينية لزمنيةِ الكتابة المشدودة إلى حاضر سديميٍّ، سرمديٍّ يُحرر جماع التّذكرّات والذكريات”3 الموصولة بماضي وحاضر (شبلي)، منْ هشاشة الزّمن  ووهْمِهِ.

ذ.برنوص عبد الحكيم

——————————–

1- نفسه ص251.

2  – Jean Yves Tadié le Récit Poétique, PUF Ecriture, 1978, P 27

– *المعينات بالإنجليزية  ” Shtifters”   هي مجموع الخصائص المتميزة لنسق التركيب النحوي لجملة ما، من ضمائرَ إشارةٍ ونعوت وصفات وظروف زمان ومكان، فتمتلكُ دلالة سياقيةً ، تتحدّدُ بمقام التلفظ( يوسف شكير) (ص277).

3  – يوسف شكير، شعرية السرد الروائي عند إدوار الخراط، ص 252

 

 

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...