عمر أربيب: ملاحظات حول ما يسمى الحوار الاجتماعي

 -عمر أربيب*

لا يمكن أن نتحدث عن حوار اجتماعي شامل، يؤدي إلى تفاهمات واتفاقات مصحوبة بأجرأة زمنية واستحقاقات مالية مبرمجة ومجدولة. وبالتالي فالحوار الجاري بين الأطراف الثلاثية غير متوازن وبعيد عن التكافؤ، لأن نقابة الباطرونا حليف إن لم نقل جزء من الجهاز التنفيذي، كما أنه لا يمكن اختزال الحوار في توقيع اتفاقات للتسويق السياسي وفرض قسرا سلما اجتماعيا.

وأعتقد أنه من الأنسب تقييم مدى تفعيل وتطبيق اتفاق 30 أبريل 2023، علما أن نتيجة التقييم واضحة للطبقة العاملة وعموم الشغيلة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وهي عدم تفعيل وأجرأة الاتفاق، وبالتالي سيكون من العبث توقيع اتفاق آخر أو التفاوض من أجل تطبيق اتفاق 30 أبريل 2023.

ملاحظات أخرى تبين أن العديد من القطاعات خاضت احتجاجات متواصلة غاب فيها كليا أي حوار قطاعي، وهنا استحضر قطاع الجماعات المحلية ثاني أكبر مشغل بعد التعليم، وأيضا قطاع الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والصحة، حيث الحوارات لم تفض إلى نزع فتيل الاحتجاجات بشكل كلي. وبالتالي فالحوار المركزي من المفروض أن يستند على نتائج الحوارات القطاعية، ويعمل على صهرها كلها بطريقة مندمجة في اتفاق عام يخص الوظيفة العمومية المحكومة بقانونها وأرقامها الاستدلالية الموحدة ونسب الضريبة على الدخل، وحتى التعويضات في بعض الحالات، وبالتالي فالعدالة الأجرية، والرفع من الأجور والإعفاءات الضريبية وتقليصها يجب أن يكون عاما وشاملا لكل موظفي القطاع العام، وهذا غائب.

كما أنه بالنسبة للقطاع الخاص والعمال الزراعيين لا يكفي إعلان زيادات بنسب ضعيفة، فالمطلوب أولا احترام تطبيق الحد الأدنى للأجر وتعليمه على كافة القطاعات، وتقوية المراقبة بإجبارية التصريح بكل العمال لدى الصناديق الاجتماعية، واعتماد السلم المتحرك للأجور علاقة بارتفاع كلفة المعيشة ونسب التضخم، والرفع من الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يضمن العيش الكريم لأسرة العامل، وتحمل الدولة مسؤوليتها في تأمين الحماية الاجتماعية للأجراء وأسرهم. والرفع من قيمة التقاعد، وجعل الحد الأدنى للأجر هو الحد الأدنى لقيمة التقاعد مع اعتماد آلية تحركه وارتفاعه حسب تطور مستوى المعيشة.

اعتقد أن الحوار الجاري في عموميته يفتقد للشفافية، ويتم بشكل سري في انتهاك للحق في المعلومة والمقاربة التشاركية والقواعد الدنيا للممارسة الديموقراطية، فلا يعقل أن يتم الحديث عن تقنين الحق في ممارسة حق الإضراب دون تعميم مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الاضراب،

أعلم أن هناك مشروع سبق تمريره داخل المجلس الوزاري ووضعه لدى البرلمان، وأن النقابات طالبت بسحبه خلال جولات الحوار الفارطة، لكن الحكومة رفض المطلب معللة سلوكها بوجود اكراهات دستورية على اعتبار أن المشروع تمت المصادقة عليه داخل المجلس الوزاري في عهد الحكومة السابقة، وبالتالي على النقابات العمل على مناقشة المشروع واقتراح التعديلات.

والواقع أن المشروع متخلف و”أكفس” مشروع قدم حتى الآن مقارنة مع المشروع المقدم منذ بداية الألفية والمسودات الأخرى التي طرحت، ويحق نعثه بالقانون التكبيلي لممارسة حق الإضراب نظرا لمخالفته الصراحة لكل اتفاقات منظمة العمل الدولية، والمادة الثامنة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانون المقارن. وبالتالي لا يمكن ترقيعه بالمقترحات بل المطلوب استبعاده وطرح مشروع أكثر توازنا قابلا للمطارحات والنقاش، مشروع له دعامات حقوقية أساسية ومتطلبات تأصل لممارسة هذا الحق بكل حرية، وليس تجريمه عبر الفصل 288 من القانون الجنائي، وجعل الإضراب أمرا مستحيلا لتعقد المساطر والإجراءات من أجل تنفيذه، وحصر ممارسته في هيئات معينة، وتجريم عدة أشكل من ممارسة الإضراب المعمول بها، وإقصاء فئات من الشغيلة من ممارسته. باختصار مشروع يكبل الحريات ويجهز على الحق في ممارسة الإضراب، وبالتالي فإنه من الضروري إخراج القانون فالمطلوب وضع مشروع آخر وفتح نقاش عمومي بشأنه تشارك فيه الشغيلة وممثليها والمختصين والحركة الحقوقية والقوى المنتجة حقيقة، بعيدا عن اساليب “الكولسة” والسرية التي غالبا ما تكون نتائجها مخالفة للتطلعات والمبادئ الديمقراطية والعمل التشاركي.

أما فيما يخص التقاعد فالمنطلقات ربما مبنية على دراسة لأحد مكاتب الدراسات ولإملاءات البنك العالمي والبنك الدولي، وأعتقد أنه إذا تم الاستناد إلى هذه المرجعيات ونتائجها، فإننا سنكون أمام كارثة اجتماعية حقيقة وليس كما تروج الحكومة للعدالة اجتماعية. فالتسريبات على الأقل المتوفرة تفيد أن السيناريو المطروح سيؤدي إلى عمل مدة أطول واقتطاعات أكثر وقيمة تقاعد أضعف، كما أن الحكومة تعمل على تحميل نتائج الفساد المالي والاختلاسات وسوء التدبير والتسيير للصندوق الاجتماعية للشغيلة والمجتمع. وبالتالي فالسيناريو المطروح لا يمكن أن يشكل قاعدة لبلورة إصلاحات حقيقية تحافظ على المكتسبات وتعززها وتضمن حماية اجتماعية حقيقية في فترة التقاعد، كما أن السيناريو المسرب يروم ضبط التوازنات المالية ورفع الدولة يدها عن الجانب الاجتماعي.

خلاصة: المطلوب مما يسمى الحوار الاجتماعي، ليس إبرام صفقة بين الفرقاء ضدا على الحقوق الأصيلة والمكتسبة للشغيلة في كل مواقع الإنتاج سواء في القطاع العام أو الشبه عمومي أو القطاع الخاص بكل تفرعاته، ولكن المطلوب هو الارتقاء بمستوى معيشة الشغيلة وتوفير كل الخدمات لها ولأسرتها وحماية مجال الحريات النقابية والسياسية والحق في ممارسة الإضراب والاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله.

وأعتقد أن التدرج في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا يقبل الرجوع للخلف بل التقدم والارتقاء ليس فقط تحقيق مستويات معينة من الخدمات، ولكن من أجل الارتقاء بها نحو الرفاهية أو ما يسمى دولة الرعاية الاجتماعية والرفاهية. وغير ذلك سيبقى صفقة مخزية لتمرير قوانين وإصلاحات مجحفة سترهن مستقبل الأجيال القادمة، وتجعل خريف العمر مذلة حقيقية، وتجهز على ما ناضلت من أجله القوى الحية والحركة النقابية الديمقراطية والطبقة العاملة.

*ناشط حقوقي رئيس فرع مراكش المنارة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...