عبد الرزاق بن شريج: خطة الوزارة تروم تبرير انتقال المتعلمين دون نجاح والأمن والاستقرار العام دفعها لتخيل حلول غير تربوية
أجرى الحوار: خالد أبورقية
-توصلت الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية إلى اتفاق، بعد فترة عصيبة على المدرسة العمومية، كيف ترون هذا الاتفاق وأثره على التعليم العمومي في بلادنا؟ وهل يمكن أن نقول إنها “آخر الأحزان”؟
الواقع يؤكد أن النقابات التعليمية لم تعد تمثل نساء ورجال التعليم، فإن كانت تمثلها حسب صناديق الاقتراع في شأن اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء، فما عاشته المنظومة التربوية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة يكشف عن تعميق أزمة الثقة بين الموظف ومؤسسات الدولة، وهي أزمة شملت حتى ما كانت بالأمس تُعتبر مؤسسات تحمي حقوقه، وتمثله أمام مؤسسات الدولة، وتساعده على المطالبة بحقوقه المادية والمعنوية؛ فبعد أن قامت التنسيقيات بتجاوز النقابات والإعلان الصريح بقطع العلاقة القانونية والأخلاقية معها، ودخول الحكومة على خط التفاوض مع نفس النقابات، استمر الاحتجاج تعبيرا عن غياب الثقة في النقابات والحكومة، فلجأت هذه الأخيرة إلى سياسة العصا والجزرة، وعمدت إلى الاقتطاعات من أجور المضربين.
وبعد استمرار الإضرابات والمسيرات وعدم خضوع نساء ورجال التعليم لهذه العصا الرقيقة، لجأت الحكومة للعصا الغليظة وهي التوقيف المؤقت عن العمل لأكثر من 545 أستاذة وأستاذا، وبهذه الوسيلة حولت النقاش من تجويد النظام الأساسي إلى توقيف الاقتطاعات وإعادة الموقوفين لعملهم، وبالتالي فما سيتحقق هو بفضل التنسيقيات، لكن القانون لا يعترف بها، وبذلك نقول “ما وقعت عليه النقابات” وليس “ما اتفقت عليه”.
أما اعتبار ما تم التوقيع عليه من طرف النقابات والحكومة أخر الأحزان فلا أعتقد ذلك، بصدق فالمنظومة التربوية أُدخِلت إلى نفق مسدود منذ 2015 حين نفذت حكومة بنكيران سياسة التكوين دون تشغيل “10 ألاف إطار”، وأردفتها بسياسة التعاقد سنة 2016، ونحن نعرف أن التوظيف بالمغرب مراقب من طرف الصناديق المالية الأجنبية المُقْرِضة.
-بعد توقف طويل يعود التلاميذ إلى مدارسهم، مع استمرار احتجاجات فئات من الشغيلة التعليمية غير راضية عن الاتفاق، كيف تتوقعون أن يمر ما تبقى من الموسم الدراسي الحالي؟
ج= الوضع الذي تعيشه المنظومة لا يحتمل المزيد من التوتر، فتوقيف 545 أستاذا وأستاذة عن العمل أعتبره إجراء إداريا غير موفق، فالحكومة عمدت للاقتطاع من أجور المضربين، إلا أنها لم تستوعب رسالة استمرار الإضرابات رغم الاقتطاعات القاسية والمؤلمة للعديد منهم، ولم تفكر في من سيتكلف بتدريس أقسامهم التي قد تزيد عن 2180 قسم، وبحسب ما يتسرب من أخبار قد تعمد الوزارة إلى إيقاف الاقتطاعات دون استرداد المقتطعة سابقا، وربما سيتم التراجع عن التوقيفات بعد التزام الموقوفين بعدم العودة للإضراب، وهذا المعطى يؤشر على أن الأغلبية ستعود للعمل، لكنها عودة مشوبة بالحذر وغياب الثقة واستمرار الاستعداد النفسي الداخلي للانتقام من كل ما له علاقة بمؤسسات الدولة لأن لا ثقة فيها حسب بعض التصورات.
كل هذا يمكن التغلب عليه مع مرور بعض الوقت، لكن تبقى القنبلة الموقوتة التي قد تعيد الأمور إلى بدايتها هي مسألة “المفروض عليهم التعاقد”، لأن المغرب محاصر من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يلاحظ في قانون المالية 2024 حيث نجد عدد المناصب الذي تمّ الاتفاق عليه مع صندوق النقد ينحصر في 365 تُخصّص للمهندسين فقط، وهو ما يعني أنّ الإدماج الكامل أو الإدماج بالمعنى التقليدي غير ممكن، رغم ما جاء في تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة يوم الخميس 25 يناير 2024 من مغالطات في هذا الشأن.
-بعد الاتفاق أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن تكييف تنظيم السنة الدراسية عبر “خطة وطنية لتدبير الزمن المدرسي والتنظيم التربوي لتعلمات التلميذات والتلاميذ”، ما هو تقييمكم بشكل عام للمنهجية التي تم اعتمادها والخطوط العامة لهذه الخطة من وجهة نظر بيداغوجية؟
للجواب عن هذا السؤال هناك شقان أو تصوران:
تصور التربوي البيداغوجي (المدرس، والمدير، والمفتش)، وتصور المدبر (الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية)
التصور البيداغوجي يؤمن بأنه لا يمكن اختصار أشهر من هدر زمن التعلّمات في أسبوع، كما لا يمكن تقديم الدعم لمن لم يتلق الدروس المقررة، ويتعذر بناء شخصية التلميذة والتلميذ بالاعتماد على الدروس الأداتية التي أسموها الأساسية، وبالتالي ستمر السنة الدراسية تربويا دون تحقيق الكفايات المسطرة لبناء شخصية المتعلمات والمتعلمين (دون ملمح = Profil de l’apprenant).
أما تصور المدبر فالعملية ناجحة لأن الهدف هو وجود المتعلم داخل حجرة الدرس، بل الأهم هو انتهاء السنة الدراسية، لأن في الأخير ينتقل الجميع للمستوى الأعلى، وشتان بين النجاح والانتقال، فالانتقال قرار (قررت الإدارة تنقيل التلميذ(ة) إلى المستوى الأعلى) أما النجاح فهو تحكم التلميذ(ة) في جميع الكفايات المقررة بنسبة تفوق المعدل في نهاية السنة الدراسية، وهذا الشرط غير حاضر في ذهن المدبر الإداري.
-تضمنت الخطة التي كشفت عنها الوزارة تمديد السنة الدراسية أسبوعا واحدا، وفي هذا الإطار تقرر تأخير الامتحانات الإشهادية، إلى أي مدى سيكون هذا الأسبوع كافيا لاستدراك المدة التي غاب فيها التلاميذ عن الأقسام؟
ج= كما سبق ذكره لا يمكن استدراك ما ضاع في مدة شهر واحد، وبالأحرى أكثر من ثلاثة أشهر. ما تروج له وزارة التربية الوطنية يدخل في إطار طمأنة أباء وأولياء التلاميذ، رغم أن المسؤولين المركزيين العارفين بالأمور البيداغوجية يؤمنون أن ذلك مجرد كلام لا يقبله عقل المختص في التربويات، ولكن الأمن والاستقرار العام دفعهم لتخيل حلول غير تربوية.
وخلاصة القول قد تنجح فكرة الاستدراك بالخطة التي وضعتها الوزارة، ولكن يجب علينا جميع استحضار أن 80% من متعلمات ومتعلمي المغرب لا يتحكمون في الحد الأدنى للكفايات، وألا ننسى كذلك أن الانقطاع عن الدراسة تجاوز ستة أشهر بما في ذلك العطلة الصيفية، وبالنتيجة ضاعت حتى المكتسبات السابقة، مما يتطلب زمنا أكبر من الزمن المخصص للسنة الدراسية برمتها.
-على مستوى التعلمات تتحدث الخطة عن تمكين التلاميذ من غلاف زمني يتيح إكمال البرامج الدراسية للمواد الإشهادية، إضافة إلى التركيز على التعلمات الوظيفية للتحكم في المدخلات الأساس للمستوى الدراسي الموالي، ما هي قراءتكم لهذا المستوى من الخطة ونجاعته في استدراك ما فات من زمن التعلمات، وتأثيره على السنوات القادمة؟
هذه المنهجية ربما تنفع في المستويات الجامعية التي تشتغل بالمجزوءات، أما التعليم المدرسي فمضامين مقررات السنة الدراسية مبنية على شكل لولبي تصاعدي، وبالتالي مقرر السنة الدراسية نظام مصغر من النظام الأكبر أي المنهج الدراسي، يتشكل من مجموعة عناصر تتفاعل فيما بينها بشكل وظيفي متكامل، والتكامل هنا يقتضي احترام كل عنصر وفق إوالياته والجزئيات المكونة له، لأن كل عنصر يتأثر بالعنصر الآخر ويؤثر فيه، وأي خلل يحدث في عناصر هذا النظام يؤثر في النظام بأكمله، والخطورة في الأمر أنه خلال بناء نظام مقرر دراسي لابد من استحضار خمسة عناصر أساسية وهي: الأهداف، والمحتوى، والأنشطة، والوسائل، والتقويم، وهنا نستنتج علميا وتربويا أنه لا يمكن استدراك المدة التي غاب فيها التلاميذ عن حجرات الدرس في أسبوع أو أسبوعين وحتى ثلاثة أسابيع، وبالنتيجة فما يملكه المدبر المركزي في هذا الصدد هو تكييف الامتحانات الإشهادية مع الدروس المنجزة، أما التركيز على التعلمات الوظيفية للتحكم في المدخلات الأساس للمستوى الدراسي الموالي، فمن سابع المستحيلات.
-تحدثت الخطة عن تكثيف وتعزيز آليات الدعم التربوي عبر ثلاثة محاور، تهم إعطاء الأولوية للمواد الإشهادية، واستثمار منصة TilmidTICE، وحصص الدعم التربوي، واستثمار الحصص المسائية وعطل نهاية الأسبوع، هل يمكن أن يكون الدعم التربوي بديلا عما فات الطلاب خلال الزمن العادي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تعوض هذه الإجراءات التعلمات التي لم يتمكن التلاميذ من تحصيلها؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من تفكيك عناصره لتوضيح متطلبات كل عنصر من عناصره:
دعم: إدراج كلمة دعم في هذا التصور يدل على أن هناك خلطا في المفاهيم، فالدعم عملية تربوية تعليمية تأتي بعد مرحلتين، مرحلة تقديم الدروس، ومرحلة تقويمها، ولا يمكن لأي عالم أو خبير القيام بالدعم التربوي دون معرفة الدروس المنجزة، وإخضاع متعلمي القسم الواحد للتقويم المناسب وتصنيفهم في مجموعات، ولكل مجموعة دعم خاص، أي أنّ القسم يوزع إلى مجموعات ويصبح قسما مشتركا، والخبراء يعرفون أن التدريس بالقسم المشترك أصعب، ويحتاج خبرة خاصة. والخلاصة هي أنّ المتعلمين ينتظرون الدروس أولا، فكلمة دعم مجرد “لغو” أو لنقل كلام لا مكان له في الوضع المزري الذي تعيشه المدرسة حاليا.
إعطاء الأولوية للمواد الإشهادية: سيتم تكييف الامتحانات كما سبق ذكره لأن المهم عند الوزارة الوصية الانتقال وليس النجاح.
استثمار منصة TilmidTICE: لا نحتاج العودة للحديث عما جاء في التقرير النهائي للدراسة التي أنجزتها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس العلمي للتربية والتكوين، بشراكة مع منظمة اليونيسف في سنة 2021 حول التعليــم فــي زمــن كوفيــد بالمغــرب تشخيصاً لتجربة المُدرّسين والمُتعلّمين مع نمط التعليم عن بُعد، واستشرافاً للآفاق المستقبلية لهذا النمط من التدريس في المغرب، حيث جاء في الصفحة 10 من ملخص التقرير أن نسبة التلاميذ الذين تمكن الأساتذة من التواصل معهم عبر منصة TilmidTICE %21.3 فقط وهنا نستحضر التعليم الخصوصي وليس أبناء الطبقة الكادحة، ولا ننسى كذلك حسب نفس الملخص أن من بين عراقيل التعليم عن بعد، غياب تكوين للأساتذة في هذا المجال وهو ما يعقد أكثر عملية التعليم عن بعد. فحسب تصريحاتهم، %13.5 من الأساتذة المستجوبين لا يتقنون تكنولوجيات الإعلام والتواصل، و%67.1 منهم مستواهم متوسط، و%19.4 منهم فقط يتمتع بمستوى جيد أو جيد جدا في استعمال الرقميات.
استثمار الحصص المسائية وعطل نهاية الأسبوع: حسب الأخبار المستقاة من مجموعة من المديرين والأساتذة حول هذه النقطة نجد أن الأمر يهم المستويات الإشهادية فقط، وهناك اختلاف كبير بين المؤسسات خلال العطلة البينية الأخيرة، فهناك مؤسسات لم تنخرط لأن العملية اختيارية، بل هناك مشكل من سيؤدي مستحقات الأساتذة العاملين خلال العطلة لأن الوزارة رمت الكرة للأكاديميات لترميها هذه الأخيرة للمديريات الإقليمية، والتخريجة التي وجدتها أغلب المديريات هي ميزانية “جمعية جيل النجاح” والتي لا يوجد في قانونها الأساسي أي بند يسمح بذلك، مما قلص من عدد المتطوعين، كما أنّ هناك مؤسسات اعتمدت فقط على الجمعيات وهو يعتبر بحثا عن مبررات واهية.
-في نظركم، هل من مقترحات أغفلتها الخطة التي عرضتها الوزارة؟
الخطة غير تربوية، بل أعتبرها خطة إدارية تروم حسابات تقنية لتبرير انتقال المتعلمين دون نجاح ودون تملك الكفايات الضرورية، والأكيد أنّ أي خطة لن تحقق الأهداف المرجوة منها إن اعتمدت ما تبقى من السنة الدراسية سقفا زمنيا لها، وذلك لعدة أسباب، أهمها التكوين الأساس والتكوين المستمر، فالأساتذة والأستاذات في الميدان دون عتاد ديداكتيكي وبيداغوجي، كما أن الجدد منهم يحتاجون إلى تكوين أساس متين لمدة لا تقل عن سنتين، والقدماء في حاجة إلى تكوين مستمر. هذا في الظروف العادية، فما بالك بالوضع في الظروف الحالية الصعبة، التي تحتاج تكوينات وتداريب خاصة على وضعيات جديدة؟
أحسن خطة في نظري هي تكثيف الجهود لتمكين متعلمات ومتعلمي البكالوريا من النجاح، وتكرار السنة الدراسية لباقي المستويات دون احتسابها في سجلهم الدراسي، مع الاشتغال من الآن على بناء مقررات مخففة تركز على الكفايات وبيداغوجية المشروع بصيغة جديدة، والابتعاد عن الحشو الذي يملأ بعض المقررات الدراسية، وتكوين المدرسات والمدرسين في المنهجية التدريسية الجديدة.