رحيل محمد شبعة.. فنان تقاطع الثقافات

 

 

عبد الرحيم الخصار


لم يكن محمد شبعة الذي رحل عن عالمنا يوم الأربعاء عن 78 سنة اسما عاديا في حقل الفن التشكيلي بالمغرب، فالرجل كان صاحب ثورة في الفن قادها منذ عودته من إيطاليا سنة 1964 حاملا شهادة عليا من أكاديمية الفنون الجميلة بروما.
كانت نظرة محمد شبعة للفن ضد نظرة الفرنسيين الكولونيالية بشكل خاص وللأوروبيين بشكل عام، الذين كانوا يصنفون الأعمال التشكيلية المغربية في خانة دونية، ويرون أن المغرب بلد «الفن الفطري» والفولكلور. لذلك ناضل الراحل حتى تكون اللوحة المغربية مؤطرة بالمعرفة، لا بالخشب وحسب. لم يكن هو الوحيد الذي كان له هذا الوعي المبكر، بل إن جيلا من الرواد كان يتقاسم معه هذا الهم، كفريد بلكاهية ومحمد لمليحي وميلود لبيض وغيرهم.
لذلك حين التحق بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان شمال المغرب، بصفته مديرا جديدا لها، أحدث ما يشبه الصدمة لدى طلبة المعهد وأساتذته، فقد جاء بتصورات ونظريات حديثة تصطدم مع ما هو تقليدي وسائد في حقل الفن بالمغرب آنذاك، إذ استعان بالكثير من حقول المعرفة التي رأى البعض أنها ستفسد أذهان الطلبة، فقد أدخل الفلسفة والأدب والعلوم والموسيقى وفن العمارة وعلوم التربية إلى الدرس التشكيلي، كما أدخل أدوات جديدة كالحديد والتراب والخشب والآجر والبلاستيك إلى ورشات الطلاب التي لم يكن فيها سوى الصباغة والورق والقماش، لم يكن ذلك بالطبع ليروق حماة التقليد الذين اعتادوا فقط على الصباغة المائية والزيتية في مدرسة عريقة تمتد إلى عهد الحماية الاسبانية.
قبل أن يلتحق بتطوان كان أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء وأستاذا بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط. وانسجاما مع أفكاره التي لا تضع أسوارا عالية بين التشكيل والأدب والمعرفة الثقافية فقد انضم إلى اتحاد كتاب المغرب أواخر الستينيات، وكان في تلك الفترة يؤلف أيضا في مجال النقد والتنظير للفن التشكيلي.
آمن محمد شبعة منذ بداياته بأن الفن يستطيع أن يخلق ثورة في الواقع، وكانت فكرته أيضا هي الخروج بالفن التشكيلي من الصالونات والمتاحف إلى الناس، حيث أسهم في تنظيم معارض بالأماكن العمومية كساحة جامع الفنا بمراكش، التي نظم بها ما سماه «المعرض العام» سنة 1968، إضافة إلى منشآت لم يسبق أن فكر أحد في عرض لوحات فنية بداخلها، ففي بداية الثمانينيات نظم معرض «رسوم جدارية» بمستشفى مدينة برشيد الخاص بالأمراض النفسية والعقلية.
كانت أعماله تشكل مزيجا من موروث الحضارة الإسلامية والثقافة الغربية، الاسبانية بالتحديد، كما كانت تتقاطع مع بعض الثقافات البعيدة كالفن الصيني والياباني مثلا، وكانت له نظرة خاصة ترى أن اللوحة لا يجب أن تقدم كل شي للمتلقي، بل عليها أن تحتفظ لذاته بشيء من الغموض.
ولد محمد شبعة سنة 1935 ومنذ الخمسينيات وهو حاضر في الساحة الفنية بشكل مستمر، منذ معرض «رسامون مغاربة» في تونس سنة 1957، ومعرض «رسوم عربية» بروما سنة 1962، و«المعرض العربي» بمونريال في 1967 و«معرض من أجل فلسطين» ببيروت في السبعينيات وعدد هائل من المعارض والتظاهرات الفنية الكبيرة التي شارك فيها بالعالم العربي وفرنسا والبرازيل وأميركا والبرتغال واسبانيا وبلجيكا ودول أخرى.


عن جريدة السفير اللبنانية




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...