لازلت أستحضر مجموعة من النصوص الشعرية التي تغنى بها الشاعر العربي/الإفريقي، الفيتوري، قصائد تغنت بإفريقيا، وبآلامها الاستعمارية، وأمالها في التخلص من هذه القبضة الحديدية للمستعمر الجاثمة على رقاب إفريقيا.
من الصعب تخيل مغربنا ،بل مغربنا العربي، بمعزل عن إفريقيا.السياسة أحيانا تكون ضد الجغرافيا والتاريخ، لأنها قد تنسيك في جزء من جذورك، إن لم تنسيك مرات عديدة في كل جذورك.
لا وزن لنا خارج انتمائنا الإفريقي، مثل ما هو الأمر في كون وزننا سيكون الصفر، إن لم نستطع كمغاربيين بناء مغربنا العربي بكل مكوناته الثقافية واللغوية، والشيء نفسه بالنسبة لمحيطنا العربي.
السياسة “لعبة مصالح”، وبامتياز، من هذا المنطلق، أجد الغرب المادي الاستعماري، رهننا بأجنداته السياسية والمصلحية، لكي يخلخل فينا مجموعة من القيم التي هي اليوم حاجة ثقافية وفنية وروحية وإنسانية. طبعا نستثني هنا الغرب في شقه التحرري الثقافي العقلاني الإنساني الذي يصطف معنا كشعوب”قهرها” ظلم الغرب السياسي المادي الاستعماري.
لماذا هذا الحديث، وما علاقة هذا الكلام بعنوان نصي هذا؟. بكل بساطة يمكن القول، هنا، إن السينما مكون من مكونات الفكر التي، تذكرنا بين الفينة والأخرى بجذرنا الإفريقي. كان من اللازم، أن أقوم بموقعة كلامي هذا ضمن سياقه السياسي/الثقافي. سيميولوجيا، كمغاربيين، وكعرب، وكأفارقة الخ، كلنا في وضعية جسدية، ( الجسد بما يوحي إليه من دلالات ثقافية)، في وضعية مشدودة إلى الغرب.
هنا تطفو على السطح السينما، لتذكرنا بعمقنا الذي كادت السياسة أن تنسينا فيه، هكذا هي السينما لعبة فنية جميلة تجعلك، تعيد قراءة وصياغة الأشياء وفق رؤى جديدة، بل قد تدفعك إلى كتابة فيلمك أنت على هامش كتابة الفيلم الأول الذي شاهدته.
بالسينما وفي السينما، أستحضر مدى بعدي الإفريقي، أموقع أزمنتي و أشلائي وأحشائي داخل إفريقيا، أتلذذ متعة الانتماء لقارة سوداء ناهضة على الخصوبة الثقافية، التي وفي شق منها، الخصوبة الجنسية، التي قبض عليها الغرب ضمن “لعبة” اقتصادية وسياسية دالة. خصوبة اكتشفت أوروبا العجوز أن رحمها غير خصب، كخصوبة رحم إفريقيا، مما جعلها تخطط وبوسائل متعددة للتحكم في هذه الخصوبة وفي غيرها من أشكال الخصوبة التي تنهض عليها إفريقيا، فهل نحن ووفق “المنطق” الخلدوني، أمام “مغلوب” يقلد “غالبا”؟.
من رحم السينما الإفريقية، تولد ومن جملة ما تولد منه، إفريقية المغرب، صوري متعددة هنا وهناك. أستحضرها في هذه الخرافة/الحكاية، وفي هذا المكان الإفريقي، وداخل هذه الأزمنة ووفق هذه الأمومة الإفريقية الراقصة والحالمة بغد أفضل، أستمتع بها في موسيقاها وألبستها. ألم أقل إن السياسة أنستنا في جزء خصب من عمقنا الإفريقي، لولا السينما التي ذكرتنا في هذا العمق، بل أكاد أجزم، أنها المكون الفني/الفكري/الثقافي/الجمالي، الذي لولاه لما نسينا هويتنا الثقافية الإفريقية ككل.
إفريقيا …أيتها الحدوثة الخصبة بأساطيرك السينمائية الجميلة، كم كنت ولا زلت جميلة بما”صنعت” أيادي سينمائية إفريقية جميلة ودالة، فشكرا للسينما التي استطاعت أن تخلخل وضعنا الجسدي المجرور والمشدود بالغرب، لتجعلنا ندير رؤوسنا نحو إفريقيا…
الدكتور الحبيب ناصري
أستاذ باحث/مدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي/ خريبكة المغرب