ناصر نعناع لملفات تادلة: النضال مستمر لأن المعركة الاستراتيجية في القطاع هي إصلاح منظومة التربية والتكوين
أجرى الحوار: محمد لغريب
1-كيف تقيمون في النقابة الوطنية للتعليم (كدش) مسارات التفاوض اليوم مع الحكومة، والتي أفضت إلى توقيع اتفاق 26 دجنبر؟ وهل منهجية الحوار- تغيرت بالمقارنة مع الجولات التي سبقت التوقيع على النظام الأساسي الجديد موضوع احتجاجات الأساتذة والأستاذات؟
في البداية لابد من التأكيد على أن انفراد وزاره التربية الوطنية بالصيغة النهائية للنظام الأساسي كان شرارة هذا الحراك التعليمي، حيث انقلبت على المنهجية التشاركية، وأصدرت نظاما أساسيا معيبا وناقصا، لم يعكس لا النقاشات التي تمت داخل اللجنة التقنية المشكلة من ممثلين عن كل نقابة إضافة إلى ممثل الوزارة، ولا التوافقات والاتفاقات التي تمت على مستوى اللجنة العليا المكونة من الكتاب العامين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية والوزير.
ثانيا، لابد من التذكير بأننا كنقابة وطنية للتعليم، منضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أصدرنا بيانا رافضا لهذا النظام الأساسي، وعبرنا فيه عن كون هذا الانفراد خرق سافر للمنهجية التشاركية التي أطرت اللقاءات السابقة.
هذا الموقف كان قبل انطلاق الحراك التعليمي. ودعونا المجلس الوطني للانعقاد، كأعلى جهاز تقريري، للتداول في كيفية الرد على هذا الخرق السافر، وهذا الاستهتار بما تم التوافق عليه، وسطرنا برنامجا نضاليا، انطلق باعتصام للمسؤولين النقابيين أمام مقر وزارة التربية الوطنية بالرباط، ثم يومين للإضراب مصحوبين بوقفات جهويه أمام الأكاديميات في اليوم الثاني للإضراب، ثم مسيرات جهويه بعمق شعبي تعرضت للمنع والقمع والحصار، ما يؤكد توجس الدولة من العمل النقابي المنظم والمناضل، المنخرط في مشروع يروم التغيير الديمقراطي في البلاد.
في هذا السياق، توصلنا بدعوه من وزاره التربية الوطنية، رفضناها، لأننا اعتبرنا أن الثقة في الوزارة وفي مسؤوليها أصبحت منعدمة، واعتبرنا أن أي حوار ممكن ينبغي أن يتم في شروط جديده، وبضمانات حكومية.
للأسف تأخر التفاعل الحكومي مع الدعوة لعقد الاجتماع مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، التي شاركت في تنزيل مقتضيات اتفاق 14 يناير 2023، وبالتالي ساهمت في هدر الزمن التربوي، وضياع حق بنات وأبناء المغاربة في التمدرس.
وبعد سلسله من اللقاءات توجت بثلاثة اتفاقات، بين النقابات التعليمية الأربع والحكومة. الأول قضى بتعليق العمل بالنظام الأساسي الجديد، وبسحب العقوبات المتضمنة في هذا النظام الأساسي والعودة للعقوبات المنصوص عليها في القانون الاساسي العام للوظيفة العمومية. وهنا لابد من التوضيح بأن التجميد أو التعليق تم عمليا بعدم تنزيل أي من القرارات أو المراسيم التطبيقية لهذا النظام، لتنطلق عدد من اللقاءات من أجل تعديل هذا النظام الأساسي تعديلا شاملا، تتم فيه مراجعة كل المقتضيات الواردة فيه من المادة 1 إلى المادة 98.
وكنا واضحين في النقابة الوطنية للتعليم (كدش) منذ البداية، أننا نطالب بالمراجعة الشاملة، على اعتبار أن المكاسب الموجودة في هذا النظام لا تقبل التفاوض مجددا عليها، ومن بين ما جاء في هذه المقتضيات، الدرجة الممتازة للمحرومين والمقصين منها سابقا، أساتذة الابتدائي وأساتذة الإعدادي والملحقين، وتشكل حوالي 220 ألفا من العاملين بالوزارة، كما أن من مقتضيات النظام الأساسي استفادة المتقاعدين برسم موسم 2023 من هذا المكتسب. ضف إلى ذلك مكتسب ترسيم الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، واستفادتهم من الرتب المتأخرة ماديا وإداريا، ليتمكن الفوج الأول منهم من اجتياز امتحان الكفاءة المهنية لسنة 2023. ثم مأسسة الترقية وتغيير الإطار لحاملي الشهادات، وهي مكتسبات اعتبرناها كما أسلفت غير قابله للتفاوض مجددا.
الأكيد أنه على مستوى المنهجية تختلف عما كان سابقا، على اعتبار أن الإسقاطات المالية الخاصة بمعالجة الملفات الفئوية، التي تراكمت لأزيد من العقدين، بعد تجميد وتعطيل الحوارين المركزي والقطاعي، تتم مناقشتها مباشره مع وزاره المالية في شخص الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، كما أن المقتضيات القانونية تتم مناقشتها بشكل متوازي مع الأمانة العامة للحكومة، الأمر الذي سرع في الخروج باتفاقين آخرين، اتفاق 10 دجنبر 2023 الذي وقعته النقابات التعليمية الأربع الاكثر تمثيليه مع الحكومة، والذي يرتبط بالشق المالي للحوار القطاعي، والذي انتزعنا فيه كحركة نقابيه تعليمية، زيادات مهمة في الأجر تصل إلى 1500 درهم صافية لجميع موظفي الوزارة، إضافة إلى تعويضات تكميليه تهم فئات واسعه من الشغيلة التعليمية، مع حل عدد من الملفات الفئوية ذات الأثر المالي. لتنكب اللجنة فيما بعد على تعديلات بنود النظام الأساسي بشكل شامل مادة بمادة تم فيها تعديل ما يزيد عن 40 مادة وحذف ما يزيد عني 14 مادة، وإضافة مواد أخرى.
ليتوج هذا المسار، بعد تعديل النظام الأساسي، باتفاق ثان، في 26 دجنبر 2023، بين النقابات الخمس الأكثر تمثيليه والحكومة، وفيه عدد من المقتضيات تهم بعض الملفات الفئوية، على أساس أن الصيغة النهائية للنظام الأساسي ينبغي أن يتم الحسم فيها بشكل تشاركي، وهذه المقاربة التشاركية ينبغي كذلك أن تشمل المراسيم والقرارات التطبيقية لهذه المرسوم.
2-استغرقت جولات الحوار حوالي سنتين، وأسفرت في النهاية عن النظام الأساسي الجديد الذي رفضته الشغيلة التعليمية، لكن تم تحقيق مكتسبات مهمة في الجولات المكثفة خلال شهر واحد وهو ما عجزت عن تحقيقه النقابات التعليمية على مدى السنتين الماضيتين. إلى ماذا ترجعون ذلك، هل للزخم النضالي لمعركة الأساتذة والأستاذات أم لرغبة الحكومة في طي هذا الملف؟
لابد من الإشارة إلى أن نقاش النظام الأساسي كمقتضيات وبنود قانونية، لم يتم إلا بعد التوقيع على اتفاق 14 يناير، بمعنى حوالي سته أشهر والتي استثمرت فيها النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية ما تمت مراكمته منذ 2014، على اعتبار أن مطلب إصدار نظام أساسي جديد ليس مطلبا جديدا، بل كان مطلبا نقابيا منذ سنة 2012، بعد عدد من التعديلات على نظام 2003، لكن الإرادة السياسية لدى الوزارات المتعاقبة لم تكن متوفرة.
ما تم تحقيقه فعلا في هذه الجوالات المكثفة، يتضمن مكتسبات مهمه، لأنها مبنية على التراكم الذي تم في اللجنتين، التقنية والعليا، بعد اتفاق 14 يناير 2023، والفرق الوحيد هو توفر إرادة حكومية تقطع مع منطق الانفراد، عكس مع من كان يفاوض سابقا باسم الوزارة والحكومة. الأكيد كذلك أن الزخم النضالي للحراك التعليمي غير المسبوق، له الأثر الكبير على هذه النتائج المهمة، وساهم في الضغط على الحكومة من أجل الاستجابة إلى المطالب العادلة والمشروعة التي لطالما رفعتها الحركة النقابية لسنوات، ولم تجد الآذان الصاغية للاستجابة إليها، الأمر الذي تسبب في تراكم الملفات، والزياد في حجم الانتظارات لدى فئات واسعة من الشغيلة التعليمية.
3-مباشرة بعد التوقيع على محضر 26 دجنبر تعالت الأصوات الرافضة لما جاء به هذا الاتفاق، وواصلت التنسيقيات إضراباتها ودعوتها إلى الاستمرار في التصعيد، هل تتوقعون نهاية مسلسل الاحتجاجات مع نهاية السنة الجارية وعودة الحياة للمدارس؟
“أتوقع بعد التنزيل الفعلي لكل هذه الاتفاقات والمقتضيات ستعود الحياة لمدارسنا، وسيستفيد بنات وأبناء المغاربة من حقهم في التعلم”
الأكيد أن تاريخ المفاوضات في المغرب سبب عدم ثقة نساء ورجال التعليم في تنزيل مقتضيات الاتفاقات من طرف الحكومة، ولا أعتقد أن أغلبيتهم رافضة لما تم تحقيقه من مكتسبات، رغم أن بعض الملفات لم تعالج بشكل نهائي، لكن التوجس من عدم تنفيذ الالتزامات الحالية سيد الموقف. لذلك أتوقع بعد التنزيل الفعلي لكل هذه الاتفاقات والمقتضيات ستعود الحياة لمدارسنا، وسيستفيد بنات وأبناء المغاربة من حقهم في التعلم، والأكيد كذلك أن نساء ورجال التعليم بحسهم الوطني المعهود، سيضحون من أجل المساهمة في تعويض ما ضاع من الزمن المدرسي.
4-يشكل إدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في أسلاك الوظيفة العمومية أحد المطالب الأساسية للشغيلة التعليمية، وهذا يقتضي إحداث مناصب مالية ممركزة إسوة بباقي موظفي وزارة التربية الوطنية. فهل ما تم الإعلان عنه في اتفاق النقابات مع اللجنة الحكومية الثلاثية كفيل بالقول إن الاتفاق بداية لحل الملف؟
صحيح أن ملف التعاقد من أعقد الملفات في التفاوض الحالي، ويمكن اعتبار هذا النوع من التشغيل المعضلة الكبرى في المنظومة، أولا لأن التوظيفات التي تمت منذ سنة 2016 جزء كبير منها تم بدون خضوع المعنيين لتكوين معرفي وبيداغوجي كافي مثل الأفواج السابقة، وثانيا لأن هذا النوع من التشغيل هو مأسسة للهشاشة في قطاع استراتيجي من حجم قطاع التعليم، وضرب للاستقرار النفسي والاجتماعي والمهني لنساء ورجال التعليم، وهو ما ينعكس بالضرورة على جودة المدرسة العمومية بشكل عام.
اليوم بعد هذه النقاشات تم التوصل إلى ضرورة إعطاء صفة الموظف العمومي لجميع نساء ورجال التعليم، وتأطير النظام الأساسي الحالي بنظام القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، والخضوع لكل مقتضيات الوظيفة العمومية، على أن يتم إحداث مناصب مالية لدى الخزينة العامة لتظهر الأجور في خانة نفقات الموظفين.
5-عبرت العديد من الفئات التعليمية عن تخوفاتها من تكرار سيناريو إخراج نسخة النظام الأساسي الجديد والالتفاف عن مطالبها، خاصة أن العديد من البنود الواردة في الاتفاق الأخير (26 دجنبر) تحتاج إلى مراسيم تطبيقية لأجرأتها، ما هي الضمانات التي لديكم لتبديد هذه المخاوف، ويقلص مدة الانتظار؟
هو تخوف مشروع بالنظر إلى اهتزاز منسوب الثقة في المؤسسات بشكل عام، وفي الحوار الاجتماعي بشكل خاص، لكون العديد من الاتفاقات والالتزامات السابقة لم تنفذها الحكومة، وانفراد الوزارة بإصدار النظام الأساسي الجديد قضى على ما تبقى من هذه الثقة.
لكن الاتفاق الحاصل هو مراجعة الصيغة النهائية بشكل مشترك خصوصا وأن البنود المرتبطة بملف التعاقد قيد الحسم مع الأمانة العامة للحكومة من جهة، ومن جهة ثانية، هناك بعض المقتضيات لم تتم صياغتها بعد كمقتضيات قانونية، خصوصا تلك المرتبطة باتفاق 26 دجنبر 2023.
6-كيف تفسرون أن احتجاجات الشغيلة التعليمية التي لا زالت متواصلة إلى اليوم رغم جولات الحوار وما أفضت إليه من “مكاسب”؟ هل هذا مرتبط بفقدان منسوب الثقة في النقابات والحكومة معا أن الأمر يتصل بغياب التواصل مع باقي التنسيقيات لإقناعهم بالقبول بنتائج الحوارات، وبالتالي العودة إلى الأقسام؟
كلما تقدمنا في الحوار، وكلما تم تنزيل الاتفاقات، لترجمة حلول الملفات الفئوية، كلما تم تسجيل التحاقات أكبر بالمؤسسات. فاتفاق 10 دجنبر كان منعطفا، حيث سجل عودة مهمة لعدد من نساء ورجال التعليم لمؤسساتهم، لكن الاتفاق الأخير سيكون له كذلك الأثر في العودة النهائية إلى الأقسام.
وأنا متيقن بأن الأسبوع الأول من يناير 2024، ستعود فيه الحياة بشكل طبيعي إلى مؤسساتنا، لكن مستوى اليقظة لابد أن يبقى مرتفعا لدى نساء ورجال التعليم، بالنظر إلى اهتزاز الثقة في المؤسسات، وفي الحوار، وبالتالي فإن استعادة هذه الثقة تمر عبر تنفيذ كل الالتزامات، وتنزيل بنود هذه الاتفاقات، وإصدار نظام أساسي عادل ومنصف وموحد، وكذلك بتنفيذ الشق المرتبط بتحسين أجور ودخل نساء ورجال التعليم، مع تنفيذ كذلك الالتزامات الواردة في اتفاق 26 دجنبر 2023 المرتبطة بالزيادة في أجور أساتذة الابتدائي والإعدادي والمختصين التربويين وفي الاقتصاد والإدارة والمختصين الاجتماعيين، مع تنزيل التعويضات عن المناطق الصعبة والنائية، وتخفيف ساعات العمل بمختلف الأسلاك وخصوصا بالسلك الابتدائي. وأعتقد أن السنة الدراسية ستنتهي بشكل عادي إذا ما التزمت الحكومة بتعهداتها في هذه المستويات التي ذكرت.
في الأخير، فكيفما كانت المكتسبات الممكن تحقيقها من داخل النظام الأساسي، فالنضال مستمر لأن المعركة الاستراتيجية في القطاع هي إصلاح منظومة التربية والتكوين، إصلاحا حقيقيا، بما يفرز مدرسة عمومية مجانية، جيدة ومتاحة لجميع بنات وأبناء الشعب المغربي، بمضمون حداثي ديمقراطي، تحقق الإنصاف والتوزيع العادل للمعرفة. الأمر الذي لن يتأتى إلا بالنضال من أجل نظام سياسي ديمقراطي، مبني على فصل السلط، والحريات، والعدالة الاجتماعية، ضامن للتوزيع العادل للثروة. ما يقتضي منا، نساء ورجال التعليم، الاضطلاع بأدوارنا التاريخية في التنوير، كنخبة منتجة وممررة للمعرفة وللقيم.