بني ملال: ندوة علمية في موضوع الترجمة وإشكاليتها



نظمت جمعية أصدقاء الكتاب ببني ملال ، مساء يوم الجمعة : 17 ماي 2013 على الساعة الخامسة والنصف ، بمقر غرفة التجارة والصناعة ، ندوة علمية تحت عنوان ” الترجمة وإشكاليتها ” ، استدعي إليها كل من الأساتذة : سعيد بنكراد ، محمد الوالي ، عبد النبي ذاكر وعبد السلام الفزازي.

وقد حج إلى هذا النشاط الثقافي الهام مجموعة من الأساتذة والطلبة وبعض الفعاليات الثقافية والجمعوية والمهتمين بالشأن الثقافي محليا وجهويا ، في حين تعذر حضور الأستاذين : عبد النبي ذاكر وعبد السلام الفزازي لانشغالاتهما الأكاديمية والجامعية .

افتتحت هذه الندوة بكلمة لرئيس الجمعية الأستاذ : محمد الفزازي ، ذكر فيها بعد الترحيب والشكر للضيفين والحضور الكريم الذي دأب على متابعة أنشطة الجمعية ، بالأهداف الثقافية والعلمية التي تأسست من اجلها جمعية أصدقاء الكتاب ببني ملال ، التي تطفئ في هذه السنة شمعتها الثالثة عشر وهي لا تزال في كامل عنفوانها وهاجة وواعدة ، تقبض على جمرة ” القراءة ” بكل عزم وإصرار ، ومشيرا من جهة أخرى إلى دواعي تنظيم هذه الندوة في موضوع ” الترجمة وإشكاليتها ” الذي سبق للجمعية أن تدارسته ضمن أنشطتها السالفة ، نظرا لأهميته الحيوية وراهنيته في زمن أضحى يعرف انفتاحا واسعا على الآخر وتفاعلا ثقافيا وحضاريا وتأثيرا وتأثرا متبادلا في سياق عولمي سمته الأولى ثورة تكنولوجية ومعلوماتية كاسحة، مما يعيد للترجمة فعلها الريادي والثقافي الذي كان لها في الحضارة العربية زمن ازدهارها، ويشرع بالتالي الباب واسعا أمام مجموعة من الأسئلة والقضايا والإشكاليات الراهنة تتعلق في بعض جوانبها بماهية الفعل الترجمي وطبيعته ، وعلاقة الترجمة بالثقافة والحضارة واللغة وبقيم الحرية والبحث العلمي وقيم الفكر الحداثي والعقلاني في مواجهة ظلال الفكر الأصولي وقداسة النص الديني … إلى غير ذلك من الإشكالات النظرية والأدبية التي أثارها الاستاد : إدريس جبري في كلمته التقديمية للندوة.

أما بخصوص مداخلتي : أستاذ التعليم العالي و المترجم، والمؤلف والأكاديمي المغربي الدكتور محمد الوالي والأستاذ : سعيد بنكراد ، أستاذ السميائيات بكلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط والمدير المسؤول لمجلة علامات التي تصدر بمدينة مكناس منذ سنة 1994 ، اللتان كانتا مركزتين ومقتضبتين ومتكاملتين ، ولقيتا تجاوبا كبيرا وتفاعلا حارا من قبل الحاضرين ، فقد اتفقتا في مجموعة من النقط المهمة المتصلة أساسا بماهية وطبيعة الترجمة ، باعتبارها ليست فقط عملية نقل للمعنى من نص إلى نص آخر ، أو من لغة / المصدر إلى لغة / الهدف ، كما ذهب إلى ذلك لا دميرال ، وإنما هي نقل نص من نظام سيميائي إلى نظام سيميائي آخر ، أو ما يصطلح عليه عند رومان ياكبسون ب: ” التحويل ” ، مما يجعل الفعل الترجمي ليس منعزلا عن ظروف الاتصال وعن المرجعية والمحيط الثقافي والحضاري للنص المترجم ، وليس مرة أخرى ” عملية لغوية – كما يرى يوجين باندا في إطار نظرية الاتصال تعتمد على فك رموز décoding النص الأصلي وإعادة تشفيرها recoding ، حيث المترجم يتلقى الرسالة ويقوم بتحليل مكوناتها الأساسية تم ينقلها إلى لغة الترجمة من خلال عملية إعادة بنائها في لغة الترجمة للتطابق مع النص الأصلي ” ، حيث اعتبر الدكتور محمد الوالي ، هذا التعريف الذي قدمه يوجين باندا ، تعريفا خادعا وبسيطا لأنه يركز على الجانب الأسلوبي ويغفل الجوانب الأخرى ، فكيف يمكن ترجمة الأسلوب في النصوص الأدبية والإبداعية والفكرية والفلسفية ، وهي نصوص لا تحمل معنى وحيدا وواضحا وشفافا ، نظرا للحضور القوي للذات المبدعة في مثل هذه النصوص ، ولما تتسم به من غموض وإبهام وتعدد في الفهم والتأويل والتلقي ، بالإضافة إلى كون المتلقي تبعا للنظريات الأدبية والنقدية الحديثة: جمالية التلقي والقراءة – الهيرمونيطيقا – السميائيات ونظريات النص وتحليل الخطاب …الخ ذاتا لها كفاءات متعددة ومتباينة : ثقافية ، فنية، فكرية وفلسفية ، سياسية …. وإيديولوجية، تتفاوت عند المتلقي كما عند المبدع من زمن إلى زمن، وفي سياق أو محيط ثقافي وحضاري إلى آخر.

إن ربط الترجمة بمسألة التأويل وتعدد المعنى ، أتاح للمداخلتين تفجير مجموعة من القضايا والإشكاليات التي تجعل من الترجمة عملية مضنية ومتعبة ومعقدة ، وآسرة وجذابة في نفس الوقت ، تتجاوز حسب محمد الوالي المداخل و آليات الشرح والتفسير والفهم التي سيطرت لمدة طويلة على قضايا الترجمة ، وبالتالي تكشف عن الصعوبات والنواقص التي تعرفها بعض أنواع الترجمات في الوقت الحالي، كما هو الشأن بالنسبة للترجمة الحرفية أو الآلية والفورية فهي نصوص مسطحة وبسيطة لا تحتاج سوى إلى معرفة بسيطة بقواعد اللغة والى معجم محدود ، لا ن غايتها سياسوية ونفعية ، وليست أدبية أو إبداعية أو علمية محضة ، وقد أعطى المتدخلان أمثلة كثيرة ونموذجية عن تلك المجازر اللغوية والثقافية التي ترتكب في ميادين متعددة ،كما هو الشأن في الترجمة الرياضية  ( كرة القدم بالخصوص ) ، دبلجة المسلسلات والأفلام الأجنبية : التركية والمكسيكية والهندية ، أو في الخطاب الإشهاري …إلى غير ذلك . لان هذه الترجمات لا تأخذ بعين الاعتبار ، ما سماه الدكتور سعيد بنكراد ” التفاوت في السجلات” أو ” التقطيع الثقافي ” الذي يستند إلى الاختلافات والتفاوتات التي تطبع الحقل الثقافي والحضاري والاختلافات الحاصلة في تصور ورؤى وتمتلات المرسل والمرسل إليه ، وهو ما يضيف إشكالا آخر إلى تعقد عملية الترجمة – حسب الدكتور سعيد بنكراد خاصة إذا تم التطرق إلى بعد آخر في الفعل الترجمي ، أصبح حاليا يفرض نفسه مع سيميائيات الأهواء ، وهو ما يصطلح عليه ب” الطاقة الهووية ” التي لها أهمية كبرى في مجالات الاستهلاك والسياسة والإشهار..، فكيف يمكن ترجمة الحضور الإستهوائي والانفعالي والمشاعر والعواطف من نص إلى نص آخر؟

إن الوعي بوجود هذه التفاوتات في البنيات الثقافية والحضارية وفي تشكل الرؤى والتمثلات ، تجعل من الترجمة عملية ثقافية وحضارية بامتياز، حيث تمكننا من التعرف على مناطق وخبايا وأحاسيس لم نكن نعرفها على الإطلاق ولم نكن نحسها ، وبالتالي يجعل من الترجمة عملية إبداعية تنقل المتلقي إلى شروط ومحيط وظلال النص المصدر وليس الهدف ، وهو فعل قد لا يوازيه في مواربته ومكره سوى رنين دراهم جحا وهو يؤدي ثمن رائحة الشواء .

أما فيما يخص باب التدخلات ، فقد أشاد جميع المتدخلين والمتدخلات بالقيمة الأدبية والمعرفية الرفيعة للمداخلتين السابقتين، وتمحورت جل الأسئلة على بعض القضايا التي لا تزال مثار نقاش وأخذ ورد في ميدان الترجمة ، من قبيل : هل الترجمة علم أم فن ؟ ألا تزال مقولة ” الترجمة ” خيانة مقبولة ؟ تم إشكالية ترجمة النصوص المقدسة والنصوص الشعرية والإبداعية؟ إشكالية صعوبة ترجمة المصطلح وتوحيد المفاهيم ؟ ما مدى الحاجة للترجمة في زمن العولمة؟ وأخيرا كيف يمكن ترجمة التراث الشفاهي للشعوب وخاصة الأمازيغي منه؟

وفي معرض التعقيب أجاب كل من الدكتورين محمد الوالي وسعيد بنكراد ، إجمالا بان قضية الترجمة ليست فقط مسألة أدبية أو لغوية ، وإنما تتجاوزها لان تطرح إشكالات ثقافية وحضارية وفكرية، ومن هنا يجب التعامل معها بكل جدية وبحذر شديد ، كتخصص علمي يحتاج إلى الدراية والكفاءة العلمية والقدرة المعرفية والثقافية،عند التعامل مع المصطلحات والمفاهيم النظرية والعلمية ، وعند ترجمة النصوص الإبداعية والأدبية والنص المقدس بالخصوص ، فالترجمة ليست علما صرفا ولا فنا محضا ، وإنما هي فن إبداعي وكتابة ثانية ، لا بد لها من نفس إنساني وهامش من الحرية تفتقدها الترجمة الفورية والآلية ، وهي تخصص علمي أصبحت الحاجة ماسة إليه اليوم في ظل التدفق الهائل للمعلومات والانتشار الكبير الكتاب والقراءة الرقمية ، وهو ما يفتح آفاق الترجمة رحبا لتشمل كل المجالات والميادين، سواء تعلق الأمر بالتراث الشفاهي للشعوب والأمازيغي منه ،أو بالمنجزات الحضارية والثقافية الإنسانية والعالمية، وان لا مجال للقول بأفضلية أو عبقرية لغة ما على لغة أخرى.
وفي رده عن سؤال : كيف استطاع الدكتور سعيد بنكراد ترجمة أعمال إمبرتو ايكو والكتاب الأسطورة والضخم :” تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي ” لميشال فوكو، فقد أشار إلى الجهود المضنية التي بدلها في ترجمة كل تلك الأعمال الهائلة ، ملخصا هدفه من الاشتغال على هذه الأعمال في قوله :” أترجم لغاية محددة هي الغاية التي أشتغل عليها “.

اللـوزي الحـبـيـب

 





شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...