-عتيقة العوفير
منذ دخولها حيز التنفيذ سنة 2004، خلقت مدونة الأسرة جدلا واسعا بين شرائح المجتمع المغربي المختلفة بين مبارك لمضامينها، وبين آخرين رافضين بنودها كليا، معتبرين أنها تهديد حقيقي للأسرة واستقرارها، وأنها تمس بمقاصد الشرع الإسلامي. وهناك من اعتبرها مدونة المرأة مدعين أنها أنصفت المرأة على حساب الرجل.
والحقيقة أن مدونة الأسرة جاءت بعدة مكتسبات تحفظ حق المرأة وتصون كرامتها، وسط مجتمعها، باعتبار أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع. وقد جاء قانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، تنفيذا للإرادة الملكية وانسجاما مع التحولات التي عرفتها الساحة الحقوقية وطنيا ودوليا. وقد اعتمدت بنود مدونة الأسرة إصلاحات جوهرية بدء بمرحلة ما قبل الزواج، فجعلت الولاية أمرا اختياريا للمرأة الراشدة، وحفظت حق المرأة في تدبير شؤون الأسرة، وجعلت مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين معا. كما نصت على نفقة الزوجة أثناء قيام العلاقة الزوجية وأعطت للمرأة الحق في رفع دعوى النفقة عند تقاعس أو إهمال الزوج لواجباته المادية تجاه أسرته. وجعل الطلاق بيد القضاء، والمرور بجلسات الصلح أمرا إلزاميا في مسطرة التطليق، وذلك لإصلاح ذات البين ومنع التعسف في إيقاع الطلاق من الطرفين سواء من طرف الزوج أو الزوجة. كما نصت على حقوق المرأة المادية بعد الطلاق من متعة ونفقة وواجب السكنى أثناء العدة جبرا للضرر النفسي الذي يوقعه تفكك الأسرة وإيقاع الطلاق على المرأة.
في الواقع العملي ذهب الاجتهاد القضائي، إلى جعل اكتساب الحقوق المادية للمرأة المطلقة، لا يكون إلا عند إيقاع الطلاق من طرف الزوج فقط … وذلك لما أفرزه الواقع من استغلال بعض الزوجات للإثراء على حساب هدم الأسرة واستنزاف جيوب الأزواج بالمبادرة إلى رفع دعاوى الطلاق دون سبب حقيقي. غير أن ذلك في رأيي يبقى نسبيا، وفي حالات محدودة، على اعتبار أن المرأة المغربية هي أكثر حرصا من الرجل على الاستقرار الأسري. فقد تتحمل الزوجة مسؤولية الإبقاء على الأسرة والحفاظ على الأبناء في جو أسري رغم ما قد تتحمله من معاناة مع الزوج وضغوطات سواء في جانبه السلوكي الأخلاقي أو في الجانب المادي. وقد يصل الأمر حتى إلى العنف الجسدي، مع ذلك تجد المرأة حريصة على بيتها وزوجها ما أمكنها ذلك.
من جانب آخر، وعند إلقاء نظرة على مدونة الأسرة منذ تأسيسها إلى الآن، أي بعدما يقارب العقدين، نلاحظ تزايد مستمر لحالات الطلاق بشكل مهول. فهل مقتضيات مدونة الأسرة لم تكن ملائمة لخصوصية المجتمع المغربي، أم أن هناك خللا في التطبيق السليم لبنودها؟
في الحقيقة، عرف تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة تذبذبا كبيرا وذلك لعدة سنوات نتيجة لعدم فهم واستيعاب مقتضياتها وجعلها مناسبة أكثر لخصوصية الأسرة المغربية.
كما أن التقدم السريع الذي تعرفه الحياة المعاصرة والانفتاح التكنولوجي، والتراجع القيمي أثر بشكل سلبي على استقرار الأسرة. فلا يمكن إطلاقا اعتبار مدونة الأسرة سببا وحيدا في تفكك الأسرة وارتفاع حالات الطلاق وتشرد الأطفال والعزوف عن الزواج، بل هناك أسبابا أخرى متداخلة. غير أن هذا لا يمنع من إعادة افتحاص مدونة الأسرة ومراجعتها، نظرا لرصد مجموعة من الاختلالات فكان لابد من تدخل تشريعي لتسديدها.
وحيث أن التشريع الأسري يحظى بأهمية ملكية كبيرة، فقد أشار الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2022 على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة. كما وجه رسالة ملكية مباشرة لرئيس الحكومة بتاريخ 02أكتوبر من السنة الحالية، لفتح أوراش إصلاح مدونة الأسرة. فتم إحداث لجنة تضم هيئات مختلفة من وزارة العدل والمجلس الاعلى للسلطة القضائية والمجلس العلمي الأعلى ورئاسة النيابة العامة، للقيام بتعديلات في مدونة الأسرة مع مراعاة تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة في انسجامها مع التقدم الحاصل في التشريع الوطني. وذلك بإشراك مجموعة من المتدخلين والأحزاب السياسية لإبداء رأيها ومقترحاتها بشأن التعديل المرتقب حتى تلائم صياغة المدونة الجديدة ما تنتظره شريحة واسعة من المجتمع خاصة من فئة الشباب والمقبلين على الزواج خصوصا ما يهم الذمة المالية للزوجين واستقلالها، في إطار تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزوجية حسب ما تنص عليه المادة 49 من مدونة الأسرة .أو ما يخص تبعات الطلاق المادية من نفقة ومتعة، والتي تجعل فئة كبيرة من المقبلين على الزواج مترددين ومتخوفين من فكرة الزواج، مما يرفع من نسبة العزوف عن الزواج وما يترتب عن ذلك من تراجع المجتمع وضعفه.
وحسب اعتقادي، فإن إصلاح مدونة الأسرة يقتضي أن نراعي الجانب المعنوي لخلية الأسرة ومن أهم مقوماته الاستقرار الأسري والسكينة والمعاشرة بالمعروف وتجنب الإغراق في الحقوق المادية كي لا نجرد الزواج من قيمته المعنوية التي ينبني عليها فيصبح كأي عقد من العقود المدنية الأخرى. فمدونة الأسرة ليست كسائر القوانين بل هي قانون من نوع خاص يرافق الإنسان حتى قبل ولادته، إلى حين وفاته. كما أن خصوصية المجتمع المغربي تقتضي الإبقاء على التوجه الاسلامي في ارتباطه بالتطور القانوني والقضائي.