-عبد الرزاق بن شريج*
قبل البدء لنتفق على أن التربية والتعليم مسؤولية الدولة بمفهومها السياسي، أي المؤسسات الدستورية وأجهزتها المرافقة لها، وبالتالي فالحديث عن وزارة التربية الوطنية يعني الحديث عن الحكومة، وكل المؤسسات الدستورية حسب الاختصاص، وعندما نتحدث عن نجاح أو فشل أي مشروع من المشاريع التي تضعها الدولة، فالمؤسسة المسؤولة عن التنزيل (وزارة، مجلس، صندوق، …) هي فقط تمثل الدولة، وفشلها يعني فشل الدولة، وما يهمنا هنا هو التربية والتكوين، وبالتالي فالحديث عن وزارة التربية الوطنية يعني الحديث عن الحكومات السابقة والحالية، لأن التربية والتكوين استمرار ومراحل تراتبية الأولى منها تؤثر في الموالية، ومن هنا يمكننا الحديث عن مشروع مدرسة الريادة، وخاصة ما أعدته الدولة أو الحكومة لهذا المشروع الذي يعتبر حلقة من حلقات رزنامة مشاريع تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، التي ترفع الشعار القديم الجديد “من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع”.
وبغض النظر عما سال ويسيل حول هذا المشروع من مداد سواء لانتقاد المشروع أو للترويج لمتمنيات وزارة التربية الوطنية من أجل الرفع من مستوى التعلمات الأساس للتلميذات والتلاميذ واستثمار الطرائق والمقاربات البيداغوجية الحديثة، ورسم معالم المدرسة العمومية المنشودة التي تستجيب لانتظارات المتعلمات والمتعلمين وأسرهم، وكذا انتظارات الأطر التربوية، إلخ، سيبقى مشروع مؤسسة الريادة كسابقيه من المشاريع التي اشتغلت عليها وزارات التربية منذ نهاية الخمسينات، لأنه وضع في بيئة وتربة غير معدة له، فلا يخفى عن أي مهتم أن أسس المنظومة التربوية ثلاثة: هي الموارد البشرية، والعرض المدرسي، وكذا البرامج والمناهج، وبالتالي على كل مهتم القيام بقياس درجة اهتمام الحكومات المغربية بهذه الأسس:
فماذا قدمت الحكومة للموارد البشرية؟
وماذا أعدت الحكومة للعرض المدرسي اللائق والضروري؟
هل وضعت وزارة التربية الوطنية البرامج والمناهج المناسبة؟
ورغم أن الحكومة أشارت في وثائقها على أن مشروع مؤسسات الريادة سيحدث تحولا شاملا في أداء هذه المؤسسات التعليمية، ومن أجل ذلك ستوفر الحكومة الظروف المادية والبيداغوجية والوسائل التكنولوجية اللازمة، خدمة للتلميذات والتلاميذ، وأن الوزارة ستعمل على قياس وتتبع عملية تحسين جودة التعلمات سيتم بصفة دورية ومنتظمة من خلال تقييمات موضوعية، مؤكدة على أنها ستركز على المحاور الثلاث لخارطة الطريق 2022-2026: “التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية”، فلا يختلف اثنان على أن الواقع يكذب هذه المتمنيات حيث تم الوقوف على الآتي:
أول عنصر في العملية وبدونه لا يمكن الحديث عن مشروع ولا عن مؤسسة هو العنصر البشري الذي لا نحتاج أي مجهود أو تحليل لشرح ما يقع من مسيرات احتجاجية وآخرها مسيرة 7 نونبر 2023، والإضرابات التي شلت المنظومة برمتها، إضرابات برسائل خطيرة جدا تنذر بالأسوأ وهو موت العمل النقابي المؤسساتي، والتي يمكن أن تكون صمام أمان في الظروف الحالية، فالوزارة اليوم أو الحكومة قضت على المحاور وأصبحت وجها لوجه مع الشارع دون تنظيم ودون مخاطب، فليس لصالح الوطن والدولة والحكومة القضاء على المخاطب الذي يمكنه ضبط وتنظيم الوقفات والمسيرات والتحكم فيها.
العنصر الثاني، هو محور العملية برمتها أي المتعلم، فماذا قدمت “حكومة الكفاءات” للمتعلمة والمتعلم؟
في غياب الأستاذة والأستاذ واستمرار الإضرابات، فالمتضرر الأكبر هو المتعلم أي مستقبل الأمة، فمتعلم اليوم هو سياسي وموظف الغد، وبوجود المعلم في الشارع للتظاهر والإضرابات والمسيرات نكون أمام متعلم هو الآخر في الشارع، عوض أن يكون في حجرة الدرس.
العنصر الثالث، هو العرض المدرسي، فالمتتبع للشأن التعليمي يكتشف أن أغلب متطلبات المشروع غير متوفرة، أو لنعبر عن حسن النية ونقول لم تتوفر بعد، علما أن المشروع انطلق خلال الدخول المدرسي الفارط، فأغلب المؤسسات المعنية إن لم نقل كل المؤسسات تشتكي من ضعف العرض المدرسي، حجرات، ومرافق صحية، وغياب النظافة لغياب المنظفات والمنظفين، والأمن المدرسي، والعتاد الديداكتيكي.
على سبيل الختم
إن كانت العناصر الثلاثة أساسية ولم نلاحظ كمتتبعين ومهتمين بالسياسة التعليمية بالمغرب أي أمل لإصلاح المنظومة التربوية في الأفق القريب، فلابد من الحديث عن ثلاثة عوامل أساسية تتسبب في قتل أي فرصة من فرص الإصلاح.
الأول: استيراد مشاريع تربوية من بيئة خارج المغرب، فعقليات المجتمعات تختلف من بلد إلى أخر، فالمشروع الإصلاحي الذي لا ينبع من المغرب وبكفاءات مغربية (وهي كثيرة ومهمشة، بل تعرف نزيفا دائما بسبب هجرة الأدمغة) لن تنجح أي وزارة في تنزيله، كأنك تغرس شجرة الليمون في الصحراء، وهو ما قام به المقربون من السيد وزير التربية الوطنية الحالي باستيراد أجزاء مشاريع كأنهم يشترون قطع غيار سيارات لا تستعمل في السيارة المعطوبة.
الثاني: غياب الحكامة، وغياب المحاسبة، فكل المهتمين يتذكرون الملايير التي صرفت على البرنامج الاستعجالي، والملف مازال معروضا على أنضار القضاء، وبالتالي الميزانية ضرورية، ولكن سوء التدبير يعيد العملية إلى النقط التي انطلقت منها…
الثالث: غياب الإرادة السياسية، فالمدخل الأساس لكل الإصلاحات، سواء التربوية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، هو المدخل السياسي، الإصلاح السياسي منطلق ومدخل وباب باقي الإصلاحات.
*خبير تربوي