-محمد زخنيني-
تعيش المنظومة التعليمية منذ أسابيع على ايقاع احتجاجات عارمة وغير مسبوقة لنساء ورجال التعليم، الاحتجاجات التي أججتها وزاره التربية الوطنية بإقرارها لنظام أساسي لموظفي القطاع، وصف بأنه تراجعي ومجحف في حق الشغيلة التعليمية، الوزارة من جانبها تعتبر أن اقرار هذا النظام يأتي في إطار إصلاح شامل للمنظومة التربوية المغربية المتضمنة في خارطة الطريق للإصلاح 2022/2026 التي جاء بها الوزير بنموسى.
الإصلاح نعم…. لكن …لماذا؟ و كيف؟
لا يختلف اثنان على أن مدرستنا العمومية ليست بخير، بل الملاحظ أن ما يسمى إصلاحا صار صفة ملازمة للنظام التربوي المغربي، وذلك دون تحقيق نتائج ملموسة، والمتتبع أيضا لهذه الإصلاحات سيلاحظ تغييب النقاش المجتمعي الجاد للوصول للتوافق المطلوب حول أية مدرسة نريد؟ وبالتالي فهذه الإصلاحات لم تأت لتلبية حاجات مجتمعية، ولم تكن ثمرة توافق مكونات هذا المجتمع المعني بنظامه التعليمي، بل كانت دوما نتيجة دوافع خارجية تمليها انتقادات وتوجيهات المؤسسات المالية المانحة، وبهذا الخصوص يمكن أن نسجل المحطات التالية:
- الميثاق الوطني 2000: تقرير البنك الدولي (1995)
- البرنامج الاستعجالي 2009: تقرير البنك الدولي (2008)
- الرؤية الاستراتيجية 2015: مذكرة البنك الدولي (2013)
- خارطة الطريق: تقرير البنك الدولي المغرب في أفق 2040 (2017)
كيف تنظر المؤسسات المالية الدولية لمدرستنا العمومية؟
لعله أصبح من المسلمات أن الخدمات الاجتماعية كمكسب للطبقات الشعبية أصبحت مطمعا للرأسمال الأجنبي كسوق واعدة وغير مكلفة للاستثمار والربح. ويزداد الأمر ضراوة حين يتعلق بالتعليم، فالمدرسة بهذا المفهوم تؤدي دورا مزدوجا من حيث هي سوق مفتوحة لجني الأرباح وفي نفس الوقت ماكينة للإعادة انتاج الرأسمال البشري المؤهل لبيع قوة عمله.
من هذا المنطلق ينتقد تقرير مجموعة البنك الدولي لسنة 2017 ”المغرب في أفق سنة 2040 ” النظام التربوي المغربي كونه عاجزا حتى الآن عن مسايرة احتياجات السوق من اليد العاملة، ويشكل عائقا لاندماج الاقتصاد المغربي في المنظومة الاقتصادية العالمية.
“للرفع من وثيرة النمو يجب الرفع من الانتاجية وبالتالي الرفع من المستوى التعليمي للساكنة.”
في هذا الصدد يقدم التقرير مجموعة من التوصيات كموجهات للإصلاح:
- تحديث البيئة التربوية: المناهج -طرق التدريس -منظومة القيم- الدعم والتوجيه- التكوين المهني.
- توظيف وتدريب أفضل للمدرسين.
- اعتماد حكامة جديدة للنظام المدرسي:
- مراجعة الاختصاصات والمسؤوليات.
- إجراء التقييم المستمر على عمليات التعلم.
- مسائلة الفاعلين.
- تثمين الجودة.
- مراجعة وضع المدرسين وتقييمهم وتعويضهم.
- إشراك جمعيات الآباء بشكل أكبر.
- تطوير عرض تربوي بديل: تعزيز التنافسية التربوية (تشجيع القطاع الخاص).
- تعزيز مهارات القرن 21: قيم التواصل- التعاون -المهارات الاجتماعية والثقافية وإدماج التكنولوجيا الرقمية.
في نفس السياق ينتقد التقرير نظام الوظيفة العمومية المعتمد بالمغرب باعتباره عائقا يحول دون إحداث التحول المطلوب باعتماده على معايير بيروقراطية حسب خبراء البنك، حيث يرتكز على مفاهيم المنصب والترقية المبنية على الأقدمية، في حين يجب أن يرتكز على الأداء والمهام والنتيجة إضافة إلى أنه غير صارم في تطبيق العقوبات التأديبية، إضافة لطابعه المركزي واعتماده على نظام أجور غير متوازن مما يشكل عبئا على مالية الدولة.
لذلك يوصي التقرير بما يلي:
“…نقل المسؤوليات إلى المستوى اللامركزي في مجال ادارة الموارد البشرية، وإلى تمكين المديرين، وتعزيز مرونة سياسات التوظيف وتطوير المسار المهني، وتشجيع الأداء الفردي والجماعي، وبشكل عام إلى نزع البيروقراطية في الإدارة. وفي نفس السياق فإن العديد من الدول الناشئة (نيوزيلاندا، المكسيك، كوريا الشمالية، سنغافورة…) ذهبت الى أبعد من ذلك عبر إصلاح إطار الوظيفة العمومية، من خلال إزالة صفة الوظيفة العمومية عن معظم موظفي الدولة.”
النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية 2023:
ارتكزت الأنظمة الأساسية الخاصة السابقة (1967,1985,2003) بشكل كلي على ظهير سنة 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي استند بدوره إلى المدرسة الفرنسية المعتمدة على نظام السلك الوظيفي، حيث يحظى الموظف بامتيازات الترسيم والاستقرار والترقي الوظيفي والحماية القانونية المستمدة من السلطة العامة للدولة.
إلا أنه مع أفول أنظمة الديمقراطية الاجتماعية وإعادة النظر في أدوار الدولة، وبالتالي مراجعة مفهوم المرفق العام لإرضاء جشع الرأسمال وإخضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمنطق السوق ليحل الربح محل الرفاه، أصبح نظام الوظيفة العمومية هذا عبئا على كاهل الدولة يجب التخلص التدريجي منه، وقد بدأت بوادر هذا التوجه مع سياسات التقويم الهيكلي في الثمانينات مرورا بموجة الخوصصة وتفويض الخدمات في التسعينات وصولا إلى وضع تعميم الهشاشة الحالي، وفي هذا السياق يأتي تجديد الترسانة القانونية المؤطرة لمجموعة من موظفي القطاع العام مع الحكومة الحالية، ومن ضمنها النظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم، حيث أن المتصفح لفصوله لن يبذل جهدا في اكتشاف أنه يشكل تنزيلا حرفيا للإملاءات المذكورة أعلاه، وذلك من خلال المرتكزات التالية:
- تنويع الوضعيات الإدارية والنظامية.
- إدماج مفهوم المورد البشري.
- إدماج مفهوم أداء المهمة مقابل الأجر (العمل بالقطعة).
- ترسيم المرونة في أداء المهام للتكيف مع متطلبات السوق: تجميع الهيئات والمهام -مد الجسور والتقاطعات-التكوين المستمر.
- ربط الترقية وتدبير المسار المهني بالأداء الفردي والملف التراكمي والمردودية الجماعية.
- تقوية الآليات الزجرية وربطها بالحياة المهنية والشخصية والحريات الأساسية.
- إدماج مفهوم التحفيز الانتقائي.
- تقييد الحركية والتحكم أكثر في توزيع الموظفين وإعادة انتشارهم.
- تقوية دور المدبر على حساب باقي أدوار الفاعلين في المنظومة.
- تكريس المرونة التشريعية عبر الإحالة على مجموعة من المراسيم والقرارات التنظيمية والاتفاق على منهجية المراجعة الدورية.
الحوز في : 13/11/2023