غضب الشغيلة التعليمية.. طوفان في الشارع وزلزال يهز النقابات

– ملفات تادلة 24 –

خلف إقرار النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التعليم، ما يعتبره مراقبون زلزالا في الجسم النقابي التعليمي، بعد أن بادر تنسيق يضم نقابة وتنسيقيات فئوية إلى تنظيم إضرابات وطنية ومسيرة غير مسبوقة بالرباط في إطار برنامج تصعيدي يهدد سير السنة الدراسية الحالية في حال عدم وصول الحكومة إلى اتفاق مع الشغيلة التعليمية.

بوادر الغضب

وبدأت أولى بوادر “انفجار” الملف حين امتنعت الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي (ج و ت)، عن توقيع محضر 14 يناير 2024 الخاص باتفاق المبادئ المؤطرة، بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من جهة والنقابات الأكثر تمثيلية من جهة ثانية، بعد ما يناهز السنتين من حوار عرف 25 جلسة بين الأطراف.

ووقعت على الاتفاق أربع نقابات تعليمية تابعة لكل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (ك د ش)، والاتحاد المغربي للشغل (ا م ش)، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب (ا ع ش م)، والفيدرالية الديمقراطية للشغل (ف د ش)، وهي النقابات الأكثر تمثيلية إضافة إلى نقابة الى (ج و ت).

واعتبرت النقابات الأربع الموقعة على محضر الاتفاق أنها توافقت مع الوزارة على المبادئ الموجهة للنظام الأساسي الجديد، وليس على النظام الأساسي الذي كان ينتظر مراحل تجويد مشروع النظام الأساسي الذي عرض في الجلسات السابقة ومناقشته في جلسات أخرى ثم عرضه على اللجنة العليا (المشتركة بين النقابات والوزارة) قبل عرضه على المجلس الحكومي.

وظهرت الضبابية حول مصير النظام الأساسي مع مؤشرات انشقاق الصف التعليمي عقب التوقيع على محضر 14 يناير، حين اكتفى شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة باستدعاء النقابات الأربع الموقعة على محضر الاتفاق لحضور جلسات الحوار، بينما لم يوجه دعوة لنقابة التوجه الديمقراطي معللا ذلك بأنها رفضت الأساس الذي يمكن أن يجري الحوار بشأنه.

 

الحكومة تطعن النقابات في الظهر

وعلى مدى أسابيع عرف الجسم النقابي “حربا غير معلنة” بين زملاء المهنة، وبدأت الاصطفافات تظهر بناء على التوقيع على المحضر الذي خلف شرخا حقيقيا، فمن جهة ظهر اصطفاف النقابات الأربع الموقعة على محضر 14 أبريل، ومن جهة ثانية بدأ يتشكل تحالف من التنسيقيات الفئوية والتوجه الدسمقراطي (ج و ت) وأساتذة التعاقد.

وبينما كان التوتر يبلغ مداه، أعلنت الحكومة، يوم 27 شتنبر، في مؤتمر صحفي، على لسان الناطق باسمها، مصطفى بايتاس، عن مصادقتها على مشروع  مرسوم بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية. هذه المصادقة جاءت دون عرض المشروع على اللجنة العليا التي كان يفترض أن تجتمع وتتوافق بشأنه بعد أخذ مقترحات وملاحظات النقابات.

وفور الإعلان عن المصادقة على المشروع تعالت الدعوات إلى الاحتجاج، وتوالت الدعوات من التنسيقيات الفئوية ومن الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، وهنا بدأ يتشكل تحالف خارج النقابات التقليدية، دعا إلى مسيرة وطنية بالرباط بمناسبة اليوم العالمي للمدرس، وهي المسيرة التي واجهتها الحكومة بتدخل أمني عنيف.

الطوفان

غداة التدخل العنيف في حق الأساتذة في يومهم العالمي، أصدرت الحكومة، يوم 6 أكتوبر 2023، مرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بالجريدة الرسمية عدد 7237، وبذلك بدا أنها فتحت صندوق بندورا.

واتخذ رد الفعل بعدا ميدانيا وآخر “ديبلوماسيا”، حيث أعلن تحالف يتشكل من الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي وعدد من التنسيقيات الفئوية عن إضرابات ومسيرة وطنية في إطار “التنسيق الوطني لقطاع التعليم، فيما النقابات الأربع الموقعة على الاتفاق، الجامعة الحرة للتعليم (ا ع ش م)، والنقابة الوطنية للتعليم (كدش)، والجامعة الوطنية للتعليم (ا م ش) والنقابة الوطنية للتعليم (ف د ش)، اتهمت الوزارة بالخروج عن المنهجية التشاركية والانفراد بإحالة المشروع على مجلس الحكومة ورفض مضامين مرسوم النظام الأساسي.

وبينما دعا التنسيق الوطني لقطاع التعليم، الذي شكل لجنة تضم ممثلين عن كل جهة، إلى إضراب وطني أيام 24 و25 و26 أكتوبر الماضي، مصحوبا باعتصامات ووقفات احتجاجية، ضمن برنامج تصعيدي، يؤشر على أن شهر نونبر سيكون شهرا “مشتعلا”، سارع رئيس الحكومة إلى عقد لقاء مع النقابات الأربع تم الاتفاق خلاله على “عقد اجتماعات لاحقة، بتتبع من طرف رئيس الحكومة، من أجل العمل على تجويد النظام الأساسي تماشيا مع  تطوير إصلاح القطاع”، وأوكل مهمة المتابعة إلى وزير الإدماج ‏الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات.

عملية شد الحبل بين الوزارة بين الشغيلة التعليمية والوزارة الوصية لم تتوقف، وبلغت مستوى غير مسبوق، حيث أعلن “التنسيق الوطني لقطاع التعليم” ، الذي يعتبر نفسه غير معني باجتماع رئيس الحكومة مع النقابات الأربع، عن استمرار الاحتجاج بإضراب وطني أيام 31 أكتوبر و1 و2 نونبر، وهو ما لم يكن في البرنامج الذي أعلنه سابقا.

وبينما رفعت الوزارة سيف الاقتطاع من الراتب، عبر نشر رسالة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى مدير نفقات الموظفين بالخزينة العامة يشير فيها إلى تفعيل الاقتطاع من الأجرة بسبب التغيب عن العمل، رد التنسيق بتأكيد دعوته إلى مسيرة وطنية بالرباط يوم 7 نونبر الجاري، وإضرابا عن العمل أيام 7 و8 وأضاف يوم 9 نونبر، الخطوات التي عرفت مشاركة واسعة، بينما تمكن التنسيق من تعبئة أعداد غير مسبوقة للمسيرة الوطنية التي شكلت إنذارا استنفر كل المعنيين.

وأظهرت مسيرة 7 نونبر قدرة التنسيق الوطني للتعليم على الحشد وتعبئة الشغيلة التعليمية، في الوقت الذي تركت النقابات الأربع الخيار لمكاتبها المحلية لاتخاذ قرار المشاركة في الخطوات التصعيدية التي دعا لها التنسيق، الذي طالب الحكومة بفتح “تفاوض جدي ومسؤول لرفع الاحتقان الذي يعرفه قطاع التعليم وذلك بالاستجابة للمطالب العامة والفئوية لنساء ورجال التعليم بدل سياسة التهديد”، حسب بيان له صدر يوم 11 نونبر الجاري.

ومن أجل مزيد من الضغط على الحكومة، سطر التنسيق الوطني للتعليم برنامجا تصعيديا آخر، على مدى أسبوع يمتد من الاثنين 13 نونبر إلى الجمعة 17 نونبر، يتضمن توقفا عن العمل ساعة واحدة يومي الاثنين والجمعة وإضرابا أيام 14 و15 و16 نونبر الجاري، محذرا الحكومة “من مغبة الاقتطاع من أجور المضربين والمضربات ويحملها مسؤولية الاحتقان الذي سينتج عنه”، داعيا “مناضليه ومناضلاته في المؤسسات والأقاليم الى فتح باب التواصل مع جمعيات آباء وأمهات التلاميذ لشرح لهم دواعي المعركة” حسب البيان.

 

زلزال في أرض النقابات

في هذا السياق التصعيدي للتنسيق الناشئ الذي بدا أنه يسحب البساط من تحت أرجل النقابات، دعت الجامعة الحرة للتعليم مناضلاتها ومناضليها إلى “رفع كل الأشكال النضالية والعودة لاستئناف العمل كبادرة حسن نية” وذلك “نظرا للتدخل المباشر للسيد رئيس الحكومة والتزامه بإيجاد حلول ترضي الجميع من خلال الحوار المباشر مع النقابات التعليمية”، حسب بلاغ وقعه يوسف علاكوش الكاتب العام للنقابة التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذراع النقابي لحزب الاستقلال وهو أحد مكونات الأغلبية الحكومية.

وعلى نفس المنوال دعت الجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، مناضليها ومناضلاتها إلى “تعليق الأشكال النضالية للمساهمة الإيجابية في عملية التفاوض التي نسعى أن تكون في مستوى انتظارات الشغيلة التعليمية”، وذلك “نظرا لضبابية وعدم وضوح السياق المتحكم في هذا الواقع التعليمي المتأزم الذي يفرض تضافر كل الجهود وتحمل المسؤولية من كل الأطراف المعنية، بعيدا عن كل المزايدات السياسوية والانتهازية”، حسب بلاغ وقعه المكتب التنفيذي للجامعة.

وبدل أن تساهم بلاغات النقابتين السلفتي الذكر في كبح جماح الاحتجاجات، يبدو أنها صبت الزيت على النار، حيث توالت بلاغات فروع واتحادات محلية تابعة لهما تعلن التمرد على قرارات قياداتها الوطنية والانخراط في البرنامج التصعيدي الذي أعلنه التنسيق.

وتمردا على دعوة الجمعة التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أعلن المكتب الإقليمي بسلا، والمجلس الإقليمي بجرسيف، والفروع المحلية بك من واد أمليل وتازة وتايناست، والمجلس الإقليمي بالعيون، والمجلس الإقليمي بمديونة، جميعها الانخراط في الخطوات التصعيدية، بينما أعلن المكتب المحلي بمريرت انسحابا جماعيا من الجامعة بسبب ما اعتبره بيانا “تراجعيا” في إشارة إلى بيان علاكوش.

ولم يمر بلاغ المكتب التنفيذي للجامعة التابعة للاتحاد المغربي للشغل دون أن يخلف هزات داخل النقابة العريقة، حيث عبر كل من المكتب الإقليمي لطنجة – أصيلة، والمكتب الإقليمي بمولاي يعقوب، والمكتب الإقليمي ببولمان عن تمردهم علة دعوة المكتب التنفيذي ودعوا إلى الانخراط في الخطوات التصعيدية، بينما كتب بلاغ المكتب الإقليمي للمضيق بلهجة قاسية حيث اعتبر موقف المكتب التنفيذي تراجعيا، مؤكدا أن بلاغه “لايمثل إلا من كتبه وحاشيته”.

وعلى خلاف ما سلف، دعا المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى إضراب عام وطني يومي الأربعاء والخميس 15 و16 نونبر 2023، مصحوبا بوقفات احتجاجية أمام الأكاديميــات الجهوية للتربية والتكوين يوم الخميس 16 نونبر، في تقاطع تام مع البرنامج الذي أعلنه التنسيق الوطني للتعليم.

ومن جهته، طالب المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل، الحكومة إلى التجاوب مع كافة اقتراحات الفيدرالية، مؤكدا على تنفيذ قرارات المجلس الوطني للنقابة في حال عدم تجاوب الحكومة، بينما دعت عدد من مكاتبه الجهوية عن إضراب وطني أيام 14 و15 و16 نونبر الجاري، في توافق مع دعوة التنسيق الوطني للتعليم.

خالد أبورقية




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...