-أجرى الجوار: محمد لغريب
1-تعرف الساحة التعليمية تطورات عدة وخاصة بعد الإضرابات المتتالية التي تلت المصادقة على النظام الأساسي الجديد من طرف المجلس الحكومي. ما هو تقييمكم للوضعية الراهنة التي تعيشها المدرسة العمومية؟
المدرسة العمومية اليوم، أصبحت تعيش على إيقاع الإضرابات المتتالية للسنة الخامسة على التوالي، ولكن هذه السنة كانت استثنائية بالأساس بسبب إضرابات جميع الأساتذة بفعل النظام الأساسي الجديد الذي جاءت به وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والذي تعتبره أحد التدابير الأساسية في خارطة الطريق التي تظل أهدافها هي: التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية.
فمنذ ما يقارب سنتين والجميع ينتظر أن يحل النظام الأساسي مشاكل قطاع التعليم، من خلال اعتماد دراسة واضحة وجيدة لكافة الإشكالات التي يعرفها قطاع التربية والتكوين، وعلى رأسها مشاكل الأطر العاملة في القطاع، لأن الموارد البشرية هي المدخل الأساسي لأي إصلاح حقيقي، فبدونها لا يمكن مباشرة هذا الإصلاح.
فوزارة التربية الوطنية اليوم تقر بهذه المشاكل، وعلى رأسها ضعف التعلمات لدى المتعلمين خصوصا التعلمات في الكفايات الأساسية التي يعتمد عليها التلميذ ابتداء من المستوى الابتدائي.
فالمسؤولون عن هذا الوضع، هم المدبرون لشؤون قطاع التعليم في المغرب، لأن المسألة تحتاج إلى تتبع يومي متواصل، فلا يمكن تصور مدى ما وصل إليه مستوى التلاميذ المغاربة، وهذا باعتراف وزير التربية الوطنية الذي أشار إلى أن التلميذ حينما يصل إلى المستوى السادس أساسي لا يعرف قراءة كلمة أو جملة، وهذه مسؤولية الذين يدبرون قطاع التربية والتكوين، ومسؤولية هيئة التفتيش، وفي المحصلة هي مسؤولية الجميع. فلماذا يتم ترك هذه المشاكل تتفاقم وتزيد عن حدها؟ لأنه ليس هناك رقابة ولا تتبع، وبتعبير أدق هناك ” السيبة” داخل المدرسة العمومية.
فما يهمنا عند الحديث عن النظام الأساسي هو الموارد البشرية التي هي أساس الإصلاح إلى جانب المنهاج الدراسي، لكن اليوم الأطر العاملة في قطاع التعليم لها مشاكل كثيرة مع وزارة التربية الوطنية، فكيف يمكننا كأسر أن نثق في المدرسة العمومية في هذه الحالة.
ففي بداية الأمر، كنا قد فقدنا الثقة في المدرسة العمومية، وقلنا إن الإصلاحات التي أتت بها وزارة التربية الوطنية يمكنها أن تعيد الثقة للأسر المغربية في المدرسة العمومية باعتبارها هي الأساس، لأن هناك نسبة كبيرة من الأسر لا تتوفر على الإمكانيات المادية من أجل توفير الساعات الإضافية لأبنائها، ولذلك فهي تعتمد فقط على الساعات التي تقدمها المدرسة العمومية.
1-في نظركم بعد كل ما حدث. هل يمكن للحوار بهذه الصيغة أن يحد من الاحتقان داخل قطاع التعليم؟
من المشاكل كذلك التي أضرت بشكل كبير بالمدرسة العمومية هي أشواط الحوارات الكثيرة، بين النقابات والوزارة الوصية، دون نتائج تعالج هذه المشاكل. فما ينبغي القيام به هو حسم القرارات في جولة أو جولتين في ما تريده الوزارة أو الحكومة والنقابات بدل انتظار ما تسفر عنه جلسات الحوار الطويلة، فلا يعقل أن نستمر في الحوارات، وأن يبقى التلاميذ بدون تعليم، وحتى إذا عاد الأستاذ إلى الأقسام، فإنه لن يكون مستقرا ذهنيا، ولا يعطي ما هو مطلوب منه، وبالتالي لن يساهم في الإصلاح، ويتم هدر المال العام دون تحقيق الأهداف.
فما يحدث اليوم، هو ما بمثابة زلزال يضرب المدرسة العمومية، وضرب قطاع التعليم هو ضرب لمجموعة من المكتسبات التي حققها المغرب، لذلك يجب أن يكون هناك اجتماع طارئ وحاسم في هذا الباب، وحل المشكل نهائيا مع الأطر العاملة في القطاع، لأن هذا الوضع يذهب في اتجاه المزيد من الاحتقان، وبالتالي لا يحتاج إلى التأجيل، فلا يمكن أن يبقى التلاميذ بدون دراسة، فمنذ أن عادوا من العطلة الصيفية وهم بدون دراسة، مما يطرح مسألة تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربة مرة أخرى.
1-حذرتم من هدر الزمن المدرسي بفعل الإضرابات المتكررة لرجال ونساء التعليم، لمن تحملون مسؤولية هذا الوضع؟
صحيح هناك هدر لزمن التعلمات لدى التلاميذ، ولكن هناك مشكل آخر أصعب، ويتعلق الأمر بانقطاع الاستمرارية البيداغوجية عند التلاميذ، حيث أنه مع هذا الانقطاع يأتي التسرب والهدر المدرسي، لأن الاستمرارية البيداغوجية أساسية في التعلمات، فعندما يعود التلميذ من عطلته إلى المدرسة، فإنه يبقى في 15 يوما الأولى بالمدرسة حتى يتعود على إيقاع المدرسة، أما عندما يتم قطع الاستمرارية البيداغوجية عنه يصبح من الصعب عليه المتابعة.
أما فيما يتعلق بالزمن المدرسي، فلا يمكن استدراكه، فهو مقرر دراسي يجب على التلميذ أن يدرسه وينهيه، وأن يواكبه الدعم في الفقرات والمحاور التي لم يستوعبها التلاميذ، فلا يمكن أن نقوم بالدعم في مقررات لم يدرسها التلميذ. هناك فرق ما بين استدراك زمن التعلم، والدعم التربوي، وهذه أمور يجب أن تراعيها وزارة التربية الوطنية، كما يجب على الجميع مراعاتها.
وأنا هنا أحمل المسؤولية للمسؤولين عن القطاع، ويجب على الحكومة أن تعي جيدا أن الموارد البشرية في القطاع تعاني من مشاكل كثيرة، لذلك يجب أن تعمل على تحسين وضعية العاملين بالقطاع، وأن تعمل على تتبع المسألة في إطار الحقوق والواجبات حتى لا نبقى نتحدث عن الخلل في قطاع التربية والتعليم، لأن الخلل تحديدا في غياب المراقبة والتتبع، وبالتالي يجب على الحكومة أن تعمل على تحسين وضعية الأستاذ، وتحقيق مطالب الأطر العاملة في القطاع، ومن ثمة التتبع في ما تقوم به هذه الأطر لصالح التلميذ.
3- ما هي الخطوات التي قمتم بها داخل الفيدرالية الوطنية لجمعيات أباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب من أجل حماية الزمن المدرسي من الهدر وحق المتعلمين في تعليم جيد؟
أولى الخطوات التي قامت بها الفيدرالية، في ظل ما يعرفه قطاع التعليم من إضرابات، هي إصدارها لعدد من البلاغات المسترسلة سواء عبر وسائل الإعلام أو كتابة، والتي تم توجيهها لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أو لرئاسة الحكومة من أجل فتح حوار عاجل مع النقابات الأكثر تمثيلية حول هذه القضية.
وخرجاتنا الإعلامية كرئاسة الفيدرالية نعطي من خلالها إشارات على أن التلاميذ لا يدرسون وهناك مشكل قائم، لأن المدرسة العمومية هي الملجأ الوحيد للعديد من الأسر المغربية لتدريس أبنائها، وهذه مجموعة من التدابير التي قمنا بها، بالإضافة إلى أننا استمعنا لوزير التربية الوطنية ولجميع المسؤولين، وقمنا باجتماع مع جمعيات أولياء التلاميذ ومع كتاب بعض النقابات لمعرفة ما يجري، وراسلنا جميع المسؤولين سواء بالحكومة أو وزارة التربية الوطنية من أجل إيجاد حل عاجل لهذا المشكل القائم حاليا بين الوزارة والأطر التي تشتغل معها، وهذه مسؤوليتها، وبالتالي البحث عن حل لهذه الأسر.
فالمشكل اليوم أصبح مشكلا ماديا فيه ميزانية يجب على الحكومة أن تتدخل عاجلا وتبت فيه بدل انتظار أشواط الحوار، فما يحدث بقطاع التعليم أشبه بزلزال الحوز ويستدعي التدخل عاجلا، لأنه يستهدف عقول الأبناء وهو ما سيكون له تأثير في المستقبل مما سيتركه من مشاكل للتنمية وللمغرب بشكل عام.
4- قلتم في العديد من المناسبات إن التنسيقيات التي التأمت اليوم في التنسيق الوطني للتعليم، والتي اختارت الاحتجاج والإضراب، قد عقدت من إمكانية الوصول إلى حلول تضمن الحفاظ على الزمن المدرسي كيف تفسرون هذا المعطى الجديد بعد السخط الكبير على النقابات الأربع الموقعة على الاتفاق المبدئي للنظام الأساسي الجديد؟
نعم في العديد من الحوارات التي أجريتها مع وسائل الإعلام وجهت ندائي للإخوان في التنسيقيات من أجل أن نعيد الثقة بين الجميع، بين الأسر والأساتذة، وبين الأساتذة والنقابات، وكذا الثقة بين النقابات والوزارة والحكومة، فهذه الثقة وهذه العلاقة والتواصل ما نفتقده اليوم.
الحكومة تقول إنها لا تباشر الحوار إلا مع النقابات الأكثر تمثيلية، وليس مع التنسيقيات التي وصل عددها إلى 18 تنسيقية، لكن نجد أن الحوار مفتوحا مع النقابات بينما التنسيقيات تستمر في الإضرابات، فمن تمثل هذه النقابات التي تجلس مع الوزارة والحكومة على طاولة الحوار.
لكن المعطى الأساسي اليوم هو تواجد التنسيقيات التي تناضل من أجل مطالبها من خلال ملفات خاصة بها، وهذا من حقها، بينما الوزارة في واد، والحكومة في واد، والنقابات في واد آخر، وبالتالي من سيناقش مع هؤلاء.
لذلك قلت إن تواجد التنسيقيات عقد هذه الأمور، بسبب غياب الثقة والتواصل بين الأساتذة في هذه التنسيقيات وهذه النقابات، ويجب استعادة هذه الثقة، وكذا الثقة في الحوار بين النقابات والوزارة والحكومة.
هؤلاء تلاميذ يجب أن يدرسوا، ونحن اليوم على وشك نهاية فترة زمنية من التعليم والتلاميذ لا يدرسون، بل منهم من لا زال لم يتعرف على أساتذته، وهناك من في التعليم الثانوي، ولم يكتب كلمة واحدة في كتابه، فضلا عن المشاكل الأخرى كالاكتظاظ، فاليوم أصبحنا نركز فقط على الإضرابات وعلى أقل مطلب وهو أن يواصل التلاميذ دراستهم، بينما لم نعد نعرف إن كانوا يتابعون دروسهم في إطار الجودة أم لا.
لذلك نحن ننتظر القرار الحاسم والعاجل من طرف رئيس الحكومة لحل هذا المشكل القائم بين الأساتذة ووزارة التربية الوطنية من أجل عودة الأساتذة إلى أقسامهم، وفي هذه الحالة نقول إننا نضمن زمن التعلم.
وأنا أكرر أن زمن التعلم من الصعب استدراكه، لأن المقرر الدراسي يبدأ في فترة وينتهي في فترة، والوزارة لحد الآن لم تفعّل التعليم عن بعد حتى يتمكن التلاميذ من متابعة دروسهم من منازل أسرهم في انتظار حل هذا المشكل.
إذن نحن أمام هذا الوضع حيث التعليم عن بعد غير مفعّل والتعليم الحضوري غير قائم، وبالتالي فإن شواهدنا مثل شواهد الباكالوريا سيقال فيها ما يقال، ولن تعود مقبولة دوليا في حالة أن التلاميذ لم يدرسوا مواد محددة في المقرر أو لم يتموه.
5- ما هو النداء الذي توجهونه للجهات المسؤولة للتدخل من أجل حماية حقوق المتعلمين وكذا الزمن المدرسي من الهدر؟
نحتاج اليوم إلى مسائل عملية عوض أشواط في الحوار الطويلة، وإذا كان النظام الأساسي الجديد يطرح مشاكل اليوم، فإنه يتعين على الحكومة حلها وتحسين وضعية الأساتذة، وأنذاك سنعرف من يخدم المصلحة الفضلى للتلميذ وللوطن.