نادية عطية: نظام إصلاح التعليم بعيد كل البعد عن أي إصلاح

-نادية عطية-

كلمة لابد منها

منذ طفولتي وأنا أكره السلطوية والتسلط في أدق التفاصيل و لم أفكر يوما في وظيفة إدارية رغم أن صحتي لم تعد تسعفني في القسم بكل جلاله و صعوباته..و حتى عندما قرأت ميشيل فوكو و فهمت أن السلطة تمارس أيضا معرفيا ظللت فخورة بوظيفتي لأني أومن أن المعلم يمكن أن  يصنع الفارق…

ليس لدي مشكل مع أطر الهيئة الإدارية كأشخاص فهم أولا وأخيرا زملاء..بل إني لم أصادف طوال مسيرتي المهنية إداريا بالمعنى البيروقراطي الصرف، كان دائما الإنساني يتدخل ..

وأتذكر ما قاله لي أول مفتش تربوي يزورني و قد لاحظ حماسي الزائد ..تذكري أستاذة أنك لن تعملي سنة أو سنتين بل ربما ثلاثين سنة فما أوصيك به هو أن تحافظي على صحتك و أن تصلي إلى أهدافك باقل جهد ..

وكانت وصية ثمينة ربما لم أعرف كيف أطبقها…لماذا كل هذا الكلام لأنه في نظري أخطر ما جاء به النظام الأساسي هو هذا الفصل بين هيئة التدريس/الهيئة التربوية والهيئة الإدارية من مديرين وحراس عامين ومفتشين وأنا أستعمل كلمة مفتش عمدا رغم أني كنت أفضل كلمة مؤطر ورغم اني اعترف أني استفدت كثيرا من المؤطرين الذين صادفتهم…

بكل اختصار ..النظام الأساسي هو نظام بعقلية أمنية من وزير أمني ..نظام منح تعويضات مادية لأطر الإدارة والتفتيش لمراقبة ومعاقبة وزجر و(تحفيز) الأطر التربوية التي استثنيت من أي زيادة ..

نظام يدعي إصلاح التعليم حسب العقلية التي تدين الاستاذ وتحمله مسؤولية انهيار التعليم…وهو بهذا نظام بعيد كل البعد عن أي إصلاح ….المهم لا حاجة للتذكير بأن إصلاح التعليم معركة سياسية أولا و أخيرا لكنني ابتهجت جدا بهذا الحماس وهذا الزخم و عودة الاحتجاج كفكرة تم وأدها ..

لا حاجة للتذكير، بأني ضد النضالات الفئوية والمطالب الخبزية المقزمة لكنني أشارك مع زملائي في نضالاتهم ..ولاني تعلمت أن انتبه للتفاصيل فسأقول شيئا …لاحظت منذ مدة أن قاعة الأساتذة أصبحت فارغة ..حتى التحية بالكاد يتبادلها الزملاء ..نوع من فقدان الحميمية والألفة التي تعودت عليها في بدايات مساري المهني ..

توتر كبير بين الأطر الإدارية والتربوية ..ميل نحو الزجر والاهتمام بشكليات العملية التعليمية ..وطبعا أنا لا أفسر الأمور بأعطاب شخصية بل هو مناخ عام ..مناخ النظام الأساسي الذي بدأ تطبيقه منذ مدة أو على الأقل التهييء لتطبيقه ..

النظام الأساسي الذي لا يخرج عن نطاق منظومة la médiocratie سلطة الرداءة كما تطرقت لها مرارا فانت حين تخندق حتى الأنشطة الموازية ضمن المهام الوظيفية للأستاذ التي يمكن أن يعاقب عليها فانت لا ترهق فقط الأستاذ ودون تعويض بل أنت تقتل جوهر هذه الأنشطة وجدواها ….

وفي النهاية وما أريد قوله ..النضالات وحتى و إن لم تحقق شيئا فيكفي أن أعادت الحياة لجدران المؤسسات و عاد الحوار و الابتسامة و اللقاءات التواصلية و هذا اهم ما في الموضوع و الاشياء الكبرى تبدأ من التفاصيل كما ان المخططات الكبرى تتسلل الى التفاصيل …




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...