عبد الحق غريب: كيف أجهز الوزير ميراوي على حقٍّ من حقوق الطلبة دام 66 سنة أمام صمت الجميع ؟

-عبد الحق غريب-

منذ أن تأسست جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1957 وإلى حدود نهاية سنة 2022-2023، مرورا بإصلاح 1975 و2003، كان الشرط الوحيد للولوج إلى كلية العلوم، وكلية الآداب، وكلية الحقوق ثم الكلية متعددة التخصصات هو شهادة الباكالوريا فقط.. هذا الحق في متابعة الدراسات العليا دون قيد أو شرط لأبناء وبنات الشعب المغربي، والذي ناضلت من أجله الأحزاب الوطنية وضحى في سبيله شرفاء هذا الوطن دام 66 سنة، إلى أن جاء الوزير عبد اللطيف ميراوي وأجهز عليه بجرّة قلم، أمام صمت رهيب للأحزاب التقدمية والنقابات والقوى الحية والفصائل الطلابية.

جدير بالذكر أن نظام “إجازة-ماستر-دكتوراه” (LMD) انطلق ابتداء من شتنبر 2003، وأن شروط التسجيل في الفصل الأول من السنة الأولى (S1) بالكليات ذات الولوج المفتوح (كلية العلوم، كلية الآداب، كلية الحقوق والكلية متعددة التخصصات) ينص عليها دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة.  هذا الدفتر الذي عرف عدة تعديلات آخرها نسخة 2014 دون المساس بشروط الولوج، هو وثيقة بمثابة قانون (يصدر في الجريدة الرسمية)، ويتضمن مجموعة من الضوابط (المواد) التي تقنّن وتنظم كل ما يتعلق بنظام التعليم بسلك الإجازة (تعريف وتنظيم المسلك والوحدة، الغلاف الزمني، شروط التسجيل وإعادة التسجيل، التقييمات/الامتحانات، معايير النجاح، المداولات…).

كيف أجهز الوزير عبد اللطيف ميراوي على حق أبناء وبنات الشعب في التسجيل بالمؤسسات ذات الولوج المفتوح والذي دام 66 سنة، أمام صمت رهيب للأحزاب التقدمية والنقابات والقوى الحية والفصائل الطلابية؟

دعونا أولا نلقي نظرة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة  2014، بمثابة قانون، سيما الضابطة 3 (ن د 3) منه، والتي تنص على ما يلي :

“تفتح تكوينات الإجازة في الدراسات الأساسية على مستوى الفصل الأول في وجه حاملي الباكالوريا أو دبلوم معترف بمعادلته لها.

وتفتح تكوينات الإجازة المهنية على مستوى الفصل الأول في وجه حاملي الباكالوريا أو دبلوم معترف بمعادلته لها والمستوفين لشروط الولوج المحددة في الملف الوصفي للمسلك المعتمد”.

ما يجب الانتباه إليه في ما جاء في هاتين الفقرتين من الضابطة 3 هو ما يلي :

الفقرة الأولى لا تتضمّن أي شرط للتسجيل في الأسدس الأول (S1) من السنة الأولى ولا أيّة إحالة (مجلس الجامعة…)، بل تبيّن بشكل واضح وصريح أن حامل الباكالوريا له الحق في متابعة تكوينات الإجازة في الدراسات الأساسية دون أي قيد أو شرط (مسلك الحقوق، مسلك الاقتصاد، مسلك الانجليزية، مسلك الفرنسية، مسلك العربية، مسلك الرياضيات الخ…)

أما في الفقرة الثانية، فإن التسجيل في الإجازة المهنية مفتوح لحاملي الباكالوريا، ولكن شريطة أن يستوفوا شروط الولوج المحددة في الملف الوصفي للمسلك المعتمد. وهنا يُلاحظ أن دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة ينص بصريح العبارة على شروط التسجيل بالنسبة للإجازة المهنية (يجب عدم الخلط بين الإجازة الأساسية والإجازة المهنية).

بالنسبة لدفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة الجديد (إصلاح ميراوي)، والذي انطلق العمل به ابتداء من شتنبر 2023، تنص الضابطة 4 منه (ن د 4)، المتعلقة بشروط الولوج على ما يلي :

“تفتح تكوينات الإجازة على مستوى الفصل الأول في وجه الحاصلين على شهادة  الباكالوريا أو دبلوم معترف بمعادلته لها. ويكون التوجيه بناء على اختيارات حاملي البكالوريا، ونوع شهادة الباكالوريا، والنقط المحصل عليها في الباكالوريا والمتعلقة بالمواد المميزة للمسلك، وذلك وفق الشروط والإجراءات المحددة في الملف الوصفي للمسلك المراد التسجيل به…”

هنا يتضح بشكل جليّ أن اختيار حامل الباكالوريا للمسلك الذي يرغب أن يتابع فيه دراسته العليا بالكليات ذات الولوج المفتوح أصبح مشروطا بشروط وإجراءات، ضمنها النقط المحصل عليها في الباكالوريا، وأن هذه الشروط والإجراءات باتت محددة في الملف الوصفي للمسلك.. وهنا مربط الفرس.

ولعل الضجة التي أعقبت إعلان كلية الآداب بالقنيطرة عن نقطة 15/20 فما فوق كشرط للتسجيل بمسلك الانجليزية، على سبيل المثال لا الحصر،  لخير دليل على أن عهد الولوج دون قيد أو شرط إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح قد ولّى، وأن الحصول على شهادة الباكالوريا بمعدل 10/20 أو ما يقارب هذا المعدل لن يسمح للطالب بمتابعة دراسته العليا في المسلك الذي يرغب فيه بالمؤسسات ذات الولوج المفتوح.. وقد يكون مصيره الشارع.

وهنا أغتنم هذه الفرصة لأذكر بأن العديد من المؤسسات ذات الولوج المفتوح دأبت منذ سنوات على حرمان الطلبة من حقهم في التسجيل في بعض المسالك دون أي سند قانوني أو مسوّغ. ورغم الاحتجاجات والاضرابات التى كان يخوضها الطلبة دفاعا عن حقهم في التسجيل مع بداية كل دخول جامعي، ورغم أن القضاء قال كلمته أكثر من مرة وأنصف العديد من الطلبة بإصدار أحكام لصالحهم في هذا الشأن، فإن العمداء كانوا ينهجون سياسة صمّ الأذان واستمروا في شططهم في استعمال السلطة، وحرموا الآلاف من أبناء وبنات الشعب من حقهم في متابعة دراستهم العليا، تارة عبر المقابلة التي كانت تُعتمد لانتقاء الطلبة (مسلك الانجليزية)، أو من خلال العتبة التي كانت تفرضها بعض المؤسسات (مسلك الاقتصاد)، أو بحجة الاكتظاظ، أو بمبرر الباكالوريا قديمة، وهي كلها قرارات وحجج لا تستند ولا ترتكز على أي نص قانوني.

ليطرح السؤال الجوهري : إذا كان العديد من أبناء وبنات الشعب يُحرمون من حقهم في التسجيل بالمؤسسات ذات الولوج المفتوح ظلما وعدوانا وضدّا على القانون، فماذا ينتظرهم والمنع من التسجيل بات له سند قانوني ؟

وما رأي الأحزاب التقدمية والنقابات والقوى الحية بخصوص جرة قلم الوزير عبد اللطيف ميراوي التي أجهزت عل حقٍّ دام 66 سنة؟




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...