-محمد لغريب-
مع بداية الموسم الدراسي، تضع الأسر المغربية أياديها على قلوبها بسبب التكاليف المرتفعة للكتب واللوازم المدرسية التي شهدت ارتفاع ملحوظا خلال هذا الموسم، بالنظر إلى الوضعية الاجتماعية الصعبة لفئات واسعة من الشعب المغربي، بسبب موجة الغلاء التي مست كل مناحي الحياة اليومية، خاصة مع غياب فرص الشغل وغياب برامج حقيقية للحماية الاجتماعية.
فأغلب الأسر المغربية تجد نفسها محاصرة بين تلبية حاجيات أطفالها من المستلزمات الأساسية للدراسة، وبالأساس تلك التي تتوفر على أكثر من طفل أو طفلين، وبين توفير باقي حاجيات العيش من ملبس ومأكل وباقي المصاريف التي تتطلبها الحياة اليومية لهذه الأسر، وخاصة أن ثقل التضخم الذي تشهده البلاد يلقي بظلاله على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة.
وبحسب آخر دراسة أجرتها المندوبية السامية للتخطيط، حول إجمالي إنفاق الأسر المغربية على تعليم أبنائها، فإن ما يزيد قليلا عن 6 أسر مغربية من أصل 10 (61,5 في المائة) لديها أطفال في المدارس، وكل واحدة من هذه الأسر أنفقت على تعليم أبنائها، على جميع المستويات الدراسية، ما مجموعه 4356 درهما في المتوسط، وهو ما يمثل 4,8 في المائة من حجم ميزانيتها السنوية.
وتشير الدراسة، المستندة إلى البحث الوطني حول مصادر الدخل الذي أجري بين سنتي 2019 و2020، إلى أن هذه النفقات تتزايد من سنة إلى أخرى وتعتبر أكثر تكلفة في التعليم الخصوصي.
ووفقا لمذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر برسم الفصل الثاني من سنة 2023، فإن الأسر تواجه هذه السنة ارتفاعا في الميزانيات المخصصة للأدوات المدرسية، وخاصة المنتجات الورقية، وذلك نظرا لما يمليه السياق الاقتصادي العالمي، وأخذا بعين الاعتبار أن أزيد من 60,6 في المائة مقابل 3,3 في المائة من الأسر، صرحت بأن وضعيتها المالية قد تدهورت خلال 12 شهرا الأخيرة.
من جهة أخرى، تشتكي الأسر من الارتفاع الذي تشهده الكتب المدرسية على الرغم من تدخل الدول عبر دعم الكتاب المدرسي، وكذا المستلزمات المدرسية الأخرى، كالمحافظ والأقلام والدفاتر والوزرات، والتي يجمع أغلب من استجوبتهم ملفات تادلة، من أسر وباعة موسمين للكتب المدرسية، أنها عرفت زيادة ملحوظة قياسا مع السنة الفارطة.
في هذا الصدد يقول بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، في تصريح لملفات تادلة، إن “أسعار الكتب المدرسية مقننة، ولم تعرف أي ارتفاع مند سنة 2008، أما اللوازم المدرسية فأسعارها حرة وتحدد من طرف قانون العرض والطلب، ولا يمكن لأي أحد التدخل طالما يظل السوق حرا”.
وحول ارتفاع رسوم التدريس في المؤسسات الخصوصية، أشار الخراطي إلى أن رسوم التدريس بالمؤسسات الخصوصية غير مقننة، وبالتالي فإنها حرة هي الأخرى، ويحددها العرض والطلب، وما هو إلزامي هو إشهارها، وعلى المستهلك من آباء وأولياء التلاميذ الاختيار بين المؤسسات، مشيرا إلى أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تطالب بمجانية التعليم الابتدائي كيفما كان، وبربط العلاقة بين مؤسسات التعليم الخصوصي وآباء وأولياء التلاميذ بعقد يحدد واجبات والتزامات كل طرف، وهو ما ظلت الجامعة تلح عليه”.
وفي مواجهة هذا الواقع، تلجأ العديد من الأسر المغربية إلى بعض الحلول للتعاطي مع التكاليف التي يتطلبها الدخول المدرسي، منها التقليص من باقي النفقات الأخرى أو الإدخار على طول السنة أو القروض الصغرى أو الاقتراض من الأصدقاء أو التعامل مع المكتبات على أساس التسديد على مراحل.
وفي هذا الصدد، يقول سعيد البالغ من العمر 38 سنة، وهو أب لطفلتين تتابعان دراستهما في المستويين الأول والرابع ابتدائي ” الوضع أصبح صعبا على الأسر المغربية التي لا تتوفر على دخل قار، كيف لها أن تعيش في هذا الوضع المزري”.
بدوره يقول حسن الذي يشتغل كمياوم ” لم يعد بمقدورنا مسايرة هذا الغلاء الفاحش، الأسر الفقيرة تعاني كثيرا مع بداية الدخول المدرسي، وليس أمامها من خيار سوى توفير الكتب والمستلزمات الدراسية، وفوق هذا تثقل كاهلها مصاريف الأكل والكراء والأدوية… وغيرها”.
أمين، شاب حاصل الإجازة في علم الاجتماع، يمتهن بيع الكتب والمستلزمات المدرسية مع بداية كل موسم دراسي، أكد لملفات تادلة، أن الأسر تقتني كل ما يحتاجه الأطفال، رغم الظروف الصعبة التي يعرفها الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن الأسعار عرفت ارتفاعا كبيرا خاصة المحافظ والوزرات والدفاتر وبعض المستلزمات الأخرى.
وأضاف أمين، أن المستفيد الأول من الدخول المدرسي هم التجار بالجملة الذين يبيعون سلعهم ويجدون من يروجها لهم، أما الباعة الموسميون فيبقى بالنسبة إليهم هامش الربح هزيلا جدا، بل بدأ يضيق مع ارتفاع الأسعار واتباع الأسر سياسة التقشف.
أما عمر، وهو حمال على عربة (كارو)، أب لطفلين يتابعان دراستها بالمستوى الخامس والثالث ابتدائي بنفس المؤسسة، في لقائه بملفات تادلة، فمن جهته أشار إلى أنه اضطر إلى شراء ما هو ضروري فقط، على أساس استكمال باقي الحاجيات خلال الأسبوع القادم، مؤكدا أن طفليه سيستعملان المحافظ وأغلفة الدفاتر القديمة.
وأكد عمر، أن الدخول المدرسي يمر ككابوس على الأسر الفقيرة التي تجد نفسها تكدح من أجل لا شيء، على حد تعبيره، لأن الغلاء أصبح يطوق أعناق الفقراء، “لقد أصبح الجميع يعاني من مخلفات ارتفاع الأسعار، في غياب أي تدخل للدولة لمساعدتهم “. يصرح عمر.
أما عبد المولى، تاجر كتب مستعملة منذ سنوات، فأكد في تصريح لملفات تادلة، أن ارتفاع أسعار الكتب والمستلزمات الدراسية ملحوظ هذه السنة، والغلاء على لسان كل الأسر التي اقتنت منه الكتب والمستلزمات المدرسية، مشيرا إلى أن المستفيد في هذه الفترة هم دور النشر والتجار بالجملة.
وختم عبد المولى بالقول “الأرباح التي كنا نحصل عليها في السابق أجهز عليها الغلاء الفاحش كما أجهز على أحلام الفقراء في عيش كريم”.
ارتفاع أسعار الكتب والمستلزمات المدرسية وصلت أصداؤه إلى قبة البرلمان المغربي، فاطمة الـتامني النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، قالت إن الأسـر المغربية صارت تواجه أزمة حقيقية عند كل دخول مدرسي جديد.
وأشارت التامني، في سؤال وجهته إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى إلى أن الأدوات والمستلزمات المدرسية وما تتطلبه من مصاريف أصبحت تثقل كاهل هاته الأسر في ظل تزايد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
وأبرزت، أن تكاليف التعليم الخصوصي صارت أكثر حدة، لافتة الانتباه إلى أن ذلك أصبح يرهق الأسر المغربية أكثر، خاصة “مـع رسوم التسجيل وارتفاع أسعار الواجب الشهري، بالإضافة إلى غلاء الكتب المدرسية المطلوبة”.