أجرى الحوار: خالد أبورقية
“الأمور تسير في اتجاه نظام أساسي لا يدمج الأساتذة والأطر المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية”
1- رفضتم في الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي- التوقيع على محضر 14 يناير2023، هل يمكنكم توضيح أسباب هذا الرفض ؟
بداية ، أتقدم بالشكر الجزيل لجريدة ملفات تادلة على دعوتها للمشاركة في عددها المقبل ضمن ملف التعليم .
فالجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي بعد مشاركتها في جلسات الحوار القطاعي منذ بداية 2022 إلى نهايتها، بقرار من الأجهزة التقريرية، سعيا لطرح جميع ملفات نساء ورجال التعليم دون تمييز أو انحياز، والدفاع الصادق والشفاف عن ضرورة حلها وفق انتظارات المعنيين والمعنيات، لكن للأسف أصرت الوزارة على عدم التفاعل الجدي مع المطالب، وتقديم عروض في النظام الأساسي والملفات العالقة، محكومة بخلفية تقشفية، وبرؤية البنك الدولي وامتدادته الداعية إلى ملائمته مع النظام التربوي المؤطر بفلسفة السوق ومطالبها، وأمام هذا الوضع وجدنا أنفسنا مجبرين على عرض الموضوع على المجلس الوطني يوم 14 يناير 2023، والذي اتخذ قرار عدم التوقيع على اتفاق 14يناير التراجعي.
2- ألم يكن من الأفضل الاكتفاء بتسجيل تحفظكم على المحضر والمطالبة بتأجيل التوقيع إلى حين تدارس المحضر بدل الانسحاب من الاتفاق ؟
في الواقع، عشنا اجتماعات ماراطونية خلال نقاش مشروع النظام الأساسي والملفات الفئوية العالقة، وللعلم فإن الوزارة رفضت مد النقابات بنسخة من مشروع النظام الأساسي حتى يتأتى لنا الاطلاع على تصورها متكاملا وإعطاء مواقفنا وملاحظاتنا منه، بل كانت تبرر موقفها بأنها لا تملك مشروعا، بل هي تود صياغته بشراكة مع النقابات. وكنا دائما نؤكد أن رؤيتنا للقطاع ومصالحه محكومة بمصالح التعليم العمومي والعاملين به باستقلالية عن الدولة والوزارة و المؤسسات المالية الدولية، وسجلنا تحفظاتنا على المنهجية ، وكان حضورنا حضورا نقديا لكل ما يؤسس للتراجعات، وعبرنا خلال جميع الجلسات عن مواقفنا المعبرعنها في بياناتنا وتصريحاتنا، بدون تحامل او مزايدة على أي أحد ولا محاباة لآخرين. وكنا جزءا من التنسيق الخماسي الذي اتفق على مطالب شكلت الحد الادنى في التفاوض مع الوزارة، لكن الوزارة لم تقدم أجوبة شافية عن هذه المطالب، وهو ما اعتبرناه جميعا مؤشرا سلبيا على إرادة الوزارة.
وكنا كجامعة نطالب من داخل التنسيق بضرورة الرد النضالي على تعنت الوزارة في الاستجابة لمطالب الشغيلة التعليمية، لكن للأسف لم يتم التجاوب معها من لدن الأطراف الأخرى، فاستمر ميزان القوى مختلا لصالح الوزارة، وانقطعت اللقاءات مع بنموسى لأكثر من شهر، إلى أن تفاجأنا بالدعوة ليلة الجمعة 13يناير 2023 على الساعة العاشرة والنصف من أجل الحضور لتوقيع محضر الاتفاق 14 يناير بمقر رئاسة الحكومة، وهو اعتبرناه كمكتب وطني آنذاك تجليا من تجليات فرض اتفاق تراجعي يجهز على مكتسبات النظام الأساسي لـ 2003 ويكرس نظام التعاقد والهشاشة بالقطاع، ويقدم حلولا غير منصفة وعادلة لبعض الملفات الفئوية ذات المظلومية الكبيرة، ويقصي العديد من الملفات من أي حل، بالإضافة إلى غياب أي إرادة للوزير والحكومة في نقاش مطلب الزيادة العامة في الأجور لفائدة نساء ورجال التعليم. نعتقد أن هذه المعطيات كافية لاتخاذ قرارعدم التوقيع على اتفاق لا يقدم حلولا، بل يراد منه تصفية ما تبقى من ضوء في النظام الأساسي، وعبره تحقيق مكتسبات سياسوية لفائدة المدافعين عنه.
3- لماذا لم تنسقوا مع النقابات الأخرى من أجل الخروج بموقف واحد، وتوحيد التعاطي مع جلسات الحوار مع الوزارة ؟
الجامعة الوطنية للتعليم منذ انطلاق الحوار مع بنموسى، كانت سباقة إلى دعوة النقابات إلى التنسيق في مواجهة الوزارة وقراراتها المعادية لمصالح القطاع وشغيلته، لكنها ووجهت بالتجاهل، واستمرت الجلسات دون تنسيق للجهود والمواقف بين النقابات، مما عزز المنحى الانحداري في حل المشاكل المطروحة على الحوار على مستوى اللجنة التقنية.
وبعد الانتهاء من جلسات اللجان التقنية، ودعوة الوزير للنقابات لاجتماع لجنة الرئاسة، وقبل الاجتماع يوم 29 شتنبر 2022، فتح نقاش بين النقابات الخمس، توجه بتوجيه مراسلة مشتركة للوزير تتضمن مطالب حد أدنى للتفاوض، وأصدرت بيانا مشتركا للرأي العام التعليمي يتضمن نفس مضمون الرسالة، تم اللقاء مع الوزير لم يسفر عن نتائج ايجابية، استمرت النقابات في التنسيق واتخاذ قرارات قبل الاجتماعات مع الوزير خلال شهور أكتوبر ونونبر وبداية دجنبر 2022، لكن للأسف لم يتم الالتزام بها في اللقاءات مع الوزير، ورغم ذلك كنا إيجابيين، ليستمر التنسيق على أمل خوض برنامج نضالي مشترك يفك الحصار عن الملف المطلبي غير المتجاوب معه. لكن معطيات خارجية عن التنسيق كانت وراء الإسراع للتوقيع على الاتفاق، وتفكيك التنسيق الخماسي، والعمل على عزل الجامعة عقابا لها على مواقفها.
4-من تداعيات عدم توقيعكم على المحضر، عدم دعوتكم لجلسة الحوار التي جمعت بقية النقابات مع الوزارة، هل تعتبرون من جانبكم أنكم غير معنيين بالحضور من أجل الدفاع عن مواقفكم ؟
الوزارة تعاطت مع عدم توقيع الجامعة بشكل غير ديمقراطي، حيث قررت عدم دعوتها للحضور في اللقاءات ما بعد 14 يناير 2023، عقابا لها على اتخاذها موقف عدم التوقيع، رغم أن FNE نقابة من النقابات الأكثر تمثيلية، لها الحق في الحضور وواجب على الوزارة دعوتها. فقرار الوزارة اتجاه حقوق الجامعة في التعبير والحضور، نعتبره اقصاء وتنكيلا بالموقف المعارض، وتضييقا على النقابة المستقلة في قراراتها وحقها في التعبير عن مواقفها وفضحا للشعارات البراقة التي تدعيها الوزارة في خطاباتها.
تبقى الردود غير المرضية للوزارة على ملفات ومشاكل نساء ورجال التعليم، مؤشرا دالا على غياب الارادة السياسية لدى المسؤولين لتقديم حلول تقطع مع مظلومية القطاع وفئاته، وسدادة مواقف الجامعة الوطنية للتعليم في المرحلة، ومدخلا لصياغة معارك وحدوية كفيلة بفرض حوار اجتماعي قطاعي تتحقق فيه المطالب الجوهرية للشغيلة التعليمية .
5- قلتم في تصريحات سابقة أن النظام الأساسي موضوع النقاش سيخلق ضحايا جددا، ماهي المعطيات التي تؤكدون بها هذا الأمر، خاصة أن المشروع موضوع الجدل لم يعلن عن بنوذه بعد؟
قبل اتفاق 14 يناير، كنا نؤكد على رفضنا للمرتكزات المؤطرة للنظام الأساسي المقبل، على اعتبار أنها مستمدة من مرجعيات (الدستور، النموذج التنموي، البرنامج الحكومي، قانون الإطار 17-51) تعادي المدرسة العمومية في جوهرها وتداهنها في شكلها، وقد شاءت الوزارة في إطار النقاش أن تركز بشكل ممنهج على نقدها الحاد للنظام الأساسي 2003، واعتباره متجاوزا وأنه سبب المآسي التي يعيشها نساء ورجال التعليم، واستقدامها لإحصائيات تؤكد ضعف التعلمات الأساس للتلاميذ بالمدرسة العمومية، بالإضافة لارتفاع نسبة الهدر المدرسي سنويا.
ومن أجل تمرير الإصلاح التخريبي وإقناع النقابات، أقدمت على الاستئناس بتجارب أنظمة تعليمية ناجحة، جردتها من السياقات السياسية والاقتصادية التي نشأت فيها، ومركزة على جوانب الواجبات فيها دون إثارة للحقوق التي يتمتع بها المدرسون بها. فمن خلال محاور النقاش الذي قدم من طرف مستشار الوزير الذي هو بالمناسبة مستشار البنك الدولي والمدافع الشرس عن الإصلاح بعمق ليبيرالي يلغي دور الدولة، كنا متأكدين أن الأمور تسير في اتجاه نظام أساسي لا يدمج الأساتذة والأطر المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية بشكل واضح، والمتعارف في وضعيات مشابهة، ولا يعير أي اهتمام لشغيلة التعليم الأولي رغم أن الوزارة تحمل كلمتي التعليم الأولي في اسمها، بالإضافة إلى نزوعه نحو تصفية مكتسبات تتعلق بالتوظيف، التكوين، التقويم، الترقية، الرخص، التأديب، الحريات النقابية، وإصراره على تكبيل الشغيلة بمهام إضافية كانت في دائرة التطوع، في ظل أجور زهيدة تصنف في مؤخرة رواتب قطاع الوظيفة العمومية.
بالطبع بعد اتفاق 14 يناير، سادت السرية والكولسة والغموض في ما يناقش، وهو ما أجج غضب الشغيلة ويأسها من النقابات، وانتشار العمل الفئوي، إلى أن تفاجأ الرأي العام التعليمي بترويج مسودة مشروع النظام الأساسي والتي شكلت مادة دسمة للنقاش العمومي، بين رافض لها ولمضمونها من طرف أغلبية نساء ورجال التعليم ومدافع “بأدب” عنها من طرف المشاركين في الحوار. واستمر الجدال حول مضامين النظام الأساسي حتى بعد العروض المقدمة من طرف المحاورين، ليخلص الجميع أن جميع الملفات (المقصيون من خارج السلم، الزنزانة 10، الدكاترة، المبرزون، مستشارو التوجيه والتخطيط التربوي، المساعدون التقنيون والمساعدون الإداريون، ضحايا النظامين المتقاعدين قبل 2012 وبعدها، أطر الدعم التربوي والاجتماعي والإداري)، لم تقدم فيها الوزارة حلولا مرضية، رغم الوعود والتطمينات.
أما مشروع النظام الاساسي في الإطار القانوني فيلتف على الوظيفة العمومية بذكاء، لأنه محكوم بمرجعيات البنك الدولي وإملاءاته، ويسعى إلى تسقيف سن التوظيف، ويحرم جيشا من الشباب والشابات من حق الولوج للقطاع، وينص المشروع على الاستمرار في تكوين أساس ضعيف وشكلي مفصول عن التوظيف تكريسا للمرسوم المشؤوم، باعتماد سنة واحدة داخل مراكز تكوين فقدت كل مقوماتها التكوينية والتأطيرية نتيجة للإعادة الهيكلة. وكذلك هناك توجه لمأسسة معايير تقويم مستمدة من التفكير المقاولاتي، وتعاقب المشاركين في الإضراب بتنقيطهم سلبا وخصم نقط على خلفيته مما يحرمهم من الحق في الترقية بالنظام السريع، والمشروع تناول محور التأديب باعتماد لغة تهديدية وتخويفية، باعتماد عقوبات زجرية تلغي المجالس التأديبية ودورها، وهناك العديد من النقط المظلمة في المشروع، لا يسع المجال لذكرها كاملة .
6-يتزامن الجدل حول النظام الأساسي مع الدخول المدرسي، إلى أي مدى وبأي شكل قد يؤثر هذا الأمر على انطلاق الموسم الدراسي وعلى العملية التعليمية بشكل عام؟
تزامن الدخول المدرسي لهذا الموسم مع نهاية النقاش حول النظام الأساسي لموظفي التعليم بشكل كاريكاتوري، تجلى في تأجيلات متكررة للحسم في مخرجاته، بدعوى الحوار مع وزارة الميزانية حول سبل إضافة اعتمادات جديدة، لكن العديد من تصريحات مسؤولي القطاع تؤكد على أن هناك تعنتا ورفضا من طرف المالية التفاعل مع مطالبهم، مما يستنتج منه أن المقاربة المحاسباتية لازالت حاضرة رغم العديد من الشعارات التي تدعي أن التعليم أولوية الأوليات.
وقد كان لهذه المؤشرات تداعيات سلبية على مزاج نساء ورجال التعليم واستعداداتهم النفسية للدخول المدرسي، وانطلاق العديد من الاحتجاجات النقابية الفئوية الرافضة للحلول المقترحة لملفاتهم. فتتمة لغياب العديد من مقومات الدخول المدرسي الناجح (خصاص كبير في أطر التدريس والادارة والتفتيش والتخطيط والتوجيه والدعم ..، اكتظاظ يتجاوز 40 تلميذا في القسم، دعم اجتماعي لا يلبي انتظارات أبناء وبنات الفقراء، تنزيل ما يسمى بالمدرسة الرائدة في غياب شروطها الواردة في الوثائق المؤطرة لها ،….) القطاع الآن يعيش على ايقاع استياء ورفض عام لسياسات الوزارة اتجاه الشغيلة.
7-ماهي البدائل التي ترونها، والتي يمكن أن تحقق مطالب الشغيلة التعليمية بكافة فئاتها، وتضمن الرفع من جودة التعليم (إن صح القول )؟
الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي تقر بأن الوضع الحالي الذي تعيشه الشغيلة هو نتيجة مباشرة لأزمة العمل النقابي، الذي يتسم بالتشتت والتكلس والبيروقراطية في صياغة القرارات وتنفيذها، وانسحاب النقابات من العمل النقابي المكافح، المتواجد يوميا في ساحة النضال جنبا الى جنب الموظفين في مقرات عملهم، واستبدلته بعمل نقابي خدماتي يمارس السخرة والتوافق الطبقي مع العدو، مما عزز من قوة الدولة وجعلها تبادر إلى الهجوم على المكتسبات.
لذلك فالجامعة تعتبر أن العمل النقابي عمل جماهيري ضروري أن تمارسه الشغيلة للدفاع عن مصالحها المادية والمعنوية، وهذا يقتضي تفعيل واحترام مبادئ العمل النقابي، وتنسيق الجهود بين مختلف النقابات التعليمية والتنسيقيات لبناء جسور الثقة في العمل النقابي من لدن الموظفين والموظفات، وخوض معارك وحدوية وموحدة على قاعدة المطالب المشتركة. فبدون قوة نقابية مستقلة عن الدولة والباطرونا والاحزاب البورجوازية، تبقى دار لقمان على حالها، ويستمر التعسف والاستغلال.
8-ماهي الخطوات التي ستقدمون عليها مستقبلا؟
بسبب استمرار المشاكل المهنية والمطلبية بقطاع التعليم، وعدم استجابة الوزارة لها في ظل الحوارات المغشوشة، وإحساس غالبية العاملين بالقطاع بالظلم والحيف والتمييز، بادرت الجامعة إلى تنظيم لقاء تشاوري مع التنسيقيات الفئوية والجمعيات المهنية، يوم الأحد 10شتنبر 2023 بمقرها المركزي بالرباط، سعيا للتواصل والتفكير الجماعي في السبل النضالية والاشعاعية للذوذ عن الملف المطلبي العام للشغيلة، وفي مقدمته الزيادة العامة في الأجور وإلغاء منظومة التعاقد من المنظومة التعليمية، وإرساء نظام تعويضات نظامية في مستوى أهمية مهنة التدريس، وتجويد خدمات مختلف مؤسسات الأعمال الاجتماعية الخاصة بموظفي/ات التعليم .
ونحن عازمون على خوض نضالات وحدوية ضد غطرسة وزارة التربية الوطنية وفضح اختياراتها الطبقية، حتى فرض تفاوض حقيقي يضع حدا لكل الاختلالات والمشاكل، ويفرض إصلاحات تعليمية حقيقية مستقلة عن المؤسسات المالية الدولية وسياساتها الاجرامية.