مناقشة أطروحة دكتوراه للطالب الباحث عبد السلام لعزيز في موضوع: ” القبيلة في الأطلس الكبير الاوسط من الاتحادات حتى الوقت الراهن
– عبد الكريم جلال-
احتضنت مدرجات كلية الاداب والعلوم الانسانية يوم الخميس 27 يوليوز 2023 مناقشة أطروحة الدكتوراه في التاريخ والتراث للطالب الباحث عبد السلام العزيز تحت عنوان “القبيلة في الأطلس الكبير والأوسط من الاتحادات حتى الوقت الراهن، نموذج أيت سخمان: دراسة في المتغيرات والراهنية”.
وتشكلت اللجنة العلمية لمناقشة هذه الأطروحة من السادة الأساتذة، الاستاذ الزبير بوحجار: رئيسا والاستاذ عبد الله استيتو عضوا ومقررا والاستاذة سعاد بلحسين مشرفة والاستاذ لحسن بودرقة عضوا.
في البداية وبعد افتتاح هذه الجلسة العلمية من طرف الرئيس أعطى الكلمة للطالب الباحث عبد السلام العزيز ليقدم تقريرا حول أطروحته. وقد استهل ذلك بكلمة شُكْر في حق الأساتذة وعميد الكلية والمدير العام للأمن الوطني وعامل إقليم أزيلال عرفانا بفضلهم عليه، قبل أن يعرج عن الحديث عن القبيلة باعتبارها أساس بناء التجمعات العمرانية، وكيانا اجتماعيا يعكس حياة الإنسان في علاقته بالمجال، وتكيف هذا الكائن مع قساوة الظروف الطبيعية، وبالتالي إثبات القوة بهزم الصعاب وتطويع الظروف لصالحه، وهوما وضّح وعي الإنسان بارتباطه بالأرض، والبحث عن وسائل العيش.
واستطرد الطالب الباحث قائلا إن المسألة القبلية تتجاوز حياة الإنسان البسيطة؛ لأنه لا يعدو أن يكون مجرد فاعل داخل كيان قبلي متحرك، ونسق تنظيمي مركب استدعى البحث من أجل تفكيكه، وفهم التفاعل بين مكوناته،والكشف عن المدخلات الاجتماعية والاقتصاديةوالسياسية والثقافية والدينية، وبين المخرجات العلائقية واللُّقَى التي تفتح الأبواب على عوالم معرفية أخرى.
وأضاف أنه ونظرا إلى تشابك الخيوط المعرفية المتعلقة بالقبيلة، فقد قاده الفضول العلمي إلى تكثيف البحث حول هذا الموضوع، من أجل تسليط الضوء على القبيلة ومحاولة فك بعض الشفرات التي ظلت لصيقة بالأذهان.
كما أن البحث حول القبيلة بالأطلس الكبير الأوسط،فرضته مجموعة من الأسباب والدواعي المنطقية كون القبيلة تظهر على أنها المحرك الرئيس الذي تنطلق منه كل الشرارات التي تساير سيرورة الحياة، وتضمن الاستمرارية. هذا بالإضافة إلى كون الأطلس الكبير الأوسط يتضمن مجموعة من القبائل يصعب تتبعهاوجردها كما هو الحال لقبائل: أيت بوكماز، أيت بوولي، زاوية أحنصال وأيت امحمد، أيت سخمان، أيت عطا،أيت سري وأيت اعتاب… مع العلم أن القبائل السخمانيةكان لها دور كبير في الأحداث، والمتغيرات التي عرفتها التجمعات البشرية بالأطلس الكبير الأوسط، سواء قبل الحماية أو بعد مرافقة الجيوش الفرنسية للقائد الكلاوي،ومحاولتهما السيطرة على المجال الجبلي.
إن العلاقات القائمة بين القبائل، وعلاقتها بالمخزن والزاوية من جهة، وتكيفها مع الأحداث والوقائع المحليةوالإقليمية لضمان استمرارية كينونتها، يقتضيبالضرورة الخروج من الدائرة الضيقة للتخصصوالانفتاح على مجموعة من التخصصات، التي استأثرت باهتمام القبيلة كالسوسيولوجيا والجغرافيا والأنثروبولوجيا والقانون والأدب…
وفي ذات السياق، فقد أشار الباحث إلى أن القبيلة قد أثارت فضول واهتمام الباحثين الكولونياليين كجورج سبيلمان، روبير اسبينيون، جاك بيرك، روبير مونتاني،مكالي مرسي، الجينرال كيوم، إميل لاوست وسعيد كنون... وقد قدمت دراساتهم المتنوعة زاداً معرفيا غنيا،حول واقع القبائل بالمغرب بصفة عامة، والأطلس الكبير الأوسط على وجه الخصوص. هذا بالإضافة إلى أن عددامن الكتاب والباحثين المغاربة ساهموا في مقاربة موضوع القبيلة، من قبيل أحمد التوفيق، ورحمة بورقية، وعبد الله حمودي ونجيب بوطالب وحسن رشيق وألبير عياش وعبد الله العروي ومحمد بوسلام...
ومن هذا المنطلق راهن الباحث على القيمة العلمية التي سيضيفها موضوع الأطروحة لإبراز السمات والخصائص التاريخية والاجتماعية والاقتصاديةوالطبيعية والثقافية لجهة بني ملال –خنيفرة، ومدى تعزيزه للثراء المادي واللامادي الذي تزخر به الجهة.
وفي معرض حديثه، أشار إلى المنهجية المتبعة في هذا البحث والتي هي منهجية تاريخية بمقاربة سوسيولوجية وأنتروبولوجية، لاستجلاء الحقائق، وتفسير الأحداث والوقائع، بشكل يضمن التفسير والتحليل والتوصل إلى حقائق تدعم الاطروحة وتحاول الإجابة عن أسئلة الإشكالية، لأن المنهجية البحثية لها نصيب الأسد في تقعيد المتون العلمية وإخراجها في حلتها المطلوبة.
كما أشار إلى أنه وإلى جانب لائحة البيبلوغرافيا، فإنه حصل على وثائق من الأرشيف الديبلوماسي لنانت بفرنسا تهم الأطلس الكبير الأوسط، وهي مجموعة كبيرة من تقارير ضباط الشؤون الأهلية والدراسات المونوغرافية، التي همت انتشار القبائل وبعض مناحي حياتها الاجتماعية والاقتصادية، حيث تمكن من قراءتها وتبييضها واستنطاقها واستغلالها. وأخرى من الخزانة الملكية بالرباط، عالجت المسألة القبلية في علاقتها بالمخزن، من خلال مجموعة من الرسائل والظهائر السلطانية. بالإضافة إلى الانتقال إلى مقر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حيث تم الاطلاع على بعض الوثائق، التي تهم قبائل أيت سخمان دون السماح له بطباعتها أو الحصول على نسخ منها. وكذلك المحكمة الابتدائية بأزيلال ومركز القاضي المقيم بواوزغت… وزيارة زاوية أحنصال وزاوية كرول وزاوية أسكار والزاوية البصيرية، والعديد من المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية، والخرجات العلمية والرواية الشفوية…
ويهدف هذا البحث إلى إغناء الدراسات التاريخية بالمغرب، وتوفير وعاء معرفي متنوع ومتجدد ومتعدد المشارب، خاصة الكتابات التي تهم الحياة الاجتماعيةوالاقتصادية لقبائل المجال الجبلي. وأهداف أخرى فرعية تتمثل في المساهمة في كتابة تاريخ جهة بني ملال خنيفرة، وتنزيل فلسفة تكوين الدكتوراه في التاريخ والتراث الجهوي.
وفي ختام تقريره، لم يدّع الباحث أنه بلغ فيه تحقيق الكمال؛ وإنما لابد من الاعتراف بالقصور عن المضي أعمق بما هو موجود، راغب من أهل الأياديالبيضاء والمعارف المتسعة الفضاء، أن يُقوِّموا ما فيه من هفوات وسهو وأخطاء؛ فمادته بين أياديهم مجزاة والاعتراف من اللوم مَنجَاة، والحُسنى منهم مُرتَجَاة.
وبعد ذلك أدلى الأساتذة أعضاء اللجنة العلمية، بملاحظاتهم وتصويباتهم بغية تقويم العمل وتجويده وبالتالي إخراجه في حلة تليق بمقام البحث الأكاديمي الرزين والمتين.
وفي الختام اختلت اللجنة بنفسها، حيث منحت الطالب الباحث درجة دكتوراه بميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.