دراسةٌ في رواية “الزّمنِ المُوحش” لِحيدر حيدر(14)

-ملفات تادلة 24-

شعريّـة الشخصيات

 “الشخصية” ذاك العالم المعقّد الشّديدُ التركيب، المتباين المتنوع، تتعدّد بتعدّد الأهواء والمذاهب والأيديولوجيات والثقافات والحضارات والهواجس والطبائع البشرية، التي ليس لتنوعها ولا لاختلافها من حدود[1].

 لقد اجتهد الروائيون التقليديون في الإفادة من التاريخ، فاستندوا إلى بعض عناصره ومكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لفهم الشّخصية. بيد أن الرؤية إلى الشخصية، تغيرت، فلم يعد ممكنا دراسة الشخصية في نفسها، على أساس أنها شخص أو فرد، فبدأت الأفكار تتجه إليها لدراستها وتحليلها، فاغتدت مجرد عنصر شكلي وتقنيّ للغة الروائية، مثلها في ذلك مثل الوصف والسرد والحوار.[2]

تتحدد  شعرياتُ الشخصيات في كونها غير محددة قطعا، وغير دالة على شخص بعينه، يمثل نمطا أو علما بعينه، بحيث يتميز بصفات جسمانية وعقلية معينة، وكذلك تتحدد شعريتها في ذاتها، أي ترسم أبعادا لنمط الشّاعر المفكر الذي يؤوّل الأشياء، تأويلا متعدد الدلالة، ويرى العالم برؤية شعرية على نحو ما.

فأنماطٌ مثل شخصيات ” الزمن الموحش” ينطبق عليها ذلك  القول:

– شبلي عبد الله: الموظف المتأرجح بين الواقع والممكن الذي يحلم بزمن عربي يتحرر فيه الوعي والذات، والثوري المتربص الذي يبقى في مواقع الخطر حفاظا على حيوية التغيير، فلأجل ذلك يخرق المألوف والتاريخي بلا خوف، ولابد من عبور النار الداخلية في محاولة تطهيرية، فبذلك تتألق النفس وتظل في مركز الوهج، وعلى وهذا النحو يمكن أن تتخلص من العكر القديم.

– رانـــي: الثوري الذي يرفضُ التنازلات التي تؤدي إلى الإصلاح تحت غشاء من الواقعية، يحد تعويضَه في العزف والكتابة والشغف بالنساء، اعتاد الفقدان واختار الغضب النفسيّ.

– مُنـــى: مدينة السلام المبنية في الذهن، المشتهاة دوما، والموزعة بين الرحيل أو البقاء في دمشق، “مُنى” الحُلم ومنى المبددة، هي الضمير الراقد تحت طبقات الثلج، خلال الأعوام الممضّة من النسيان، وممارسة الألعاب الشخصية.

– سامر البـدوي: الشاعر العُذري، عاشق الشعر والصداقات والنساء والخمر.

– أيوب السرحان: الذئب الجريح في القفص الضيق، بعد أن كانت المزارع والخدم والأسفار والأحصنة في ركابه، هو اليوم يعيش منعزلا عاجزا.

– أمينــة: الثأر الخاص لشبلي، امرأة مهجورة وعطشى،  طفلة سقطت خطأ في بيت متعصب يوما، في وطن متعصب، ترتمي في حضن “شبلي” ناشدة التعويض والوهج.

 كل هؤلاء شخصيات تمثل نمطا، قد لا يصدق على شخص بذاته، بقدر ما يصدق على شخوص عدّة في حياتنا جميعا.

 وهذا المنحنى لبناء الشخصية هو من تقنيات الكتابة الشعرية التي لم تكن تهتم بطرح سمات الشخصية إلا من الجانب الذي يكرس لشعرية النص، ومن جهة أخرى، فثمّة بناء شعريٌّ يكشف بعض الشخصيات، إما من جهة الفعل، وإما من جهة  التكوين، وإلى المجموعة الأولى ينتمي (عبد الله شبلي) ذو الوعي الشقي، والذي يبحث عن الخلاص داخل متاهة الزمن العربيّ الموحش والقاسي.

إن شعرية الشخصيات هنا، تنبع من بحثها عن ذاتها غير المتحقق دوما، والكشف عن رغباتها الرومانسية بمعناها الشعري على نحو ما.

[1] – عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، عالم المعرفة دجنبر 1998/ ص 83.

[2] – ” ميشال زيرافا في: المرجع السابق ص85.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...