– اغزالة أكورزي* –
“اقتنيت ثلاثة براميل من سعة 100 لتر، وبدأت في تخزين الماء ابتداء من اليوم، على الرغم من أنه لازالت تفصلنا أيام عن عيد الأضحى، كانت نصيحتي لنساء الجيران أن يفعلن مثلي لكي لا تتكرر تلك اللحظات الصعبة التي عشناها السنة الماضية”، هكذا تحدثت إلينا فاطمة.
يلخص حديث فاطمة، ربة بيت تقطن بمدينة أولاد عياد، حالة القلق والترقب، التي تعيشها النساء خصوصا، مع اقتراب عيد الاضحى، مخافة عودة أزمة تشبه ما حدث السنة الماضية حينما انقطع الماء يوم العيد وتخبطت الساكنة في تدبير متطلبات هذا اليوم من الماء.
البراميل تتصدر قائمة المشتريات قبل عيد الأضحى
شكلت عودة الانقطاع المتكرر للماء في الفترة الأخيرة، دافعا لساكنة أولاد عياد لإضافة البراميل البلاستيكية، لتخزين الماء، إلى قائمة مشترياتهم لهذا العيد، فالساكنة لم تنس ورطة العيد الماضي، ورغم ارتفاع أسعار جميع المواد، وخصوصا ارتفاع أسعار الأضاحي، وجد الناس أنفسهم مضطرين لتدبير ميزانيتهم بما يسع جميع المتطلبات.
ومع اقتراب عيد الاضحى، انتعشت تجارة البراميل بشكل غير مسبوق، بسبب أزمة المياه التي تشهدها مدينة أولاد عياد، إقليم الفقيه بن صالح، فالانقطاع المتكرر للماء وانخفاض صبيبه في الصنابير، جعل الناس يقبلون على شراء البراميل لتخزين أكبر قدر من المياه، حتى ولو كلفهم الأمر اقتناء الصهاريج الكبيرة التي تصل سعتها لـ 1000 أو 2000 لتر.
يقول المعطي، وهو تاجر للمواد البلاستيكية، “إلى سنوات قليلة مضت كنت أزور السوق الأسبوعي لأولاد عياد، لم يكن هناك إقبال على اقتناء البراميل إلا بنسبة قليلة. لكن منذ شهر يوليوز الماضي أصبح للبراميل زبناء كثر”.
ويضيف المعطي، في حديثه لملفات تادلة 24، “ارتفع الاقبال على اقتناء البراميل مع اقتراب عيد الأضحى. الناس حريصون على الحصول على البراميل من سعة 100 لتر، ومنهم من يشتري برميلين أو أكتر بسعة 50 أو 30 لترا ومنهم من أصبح يطلب الصهاريج الكبيرة”.
“أصبحنا مهووسين بملء كل الأواني”
تسترجع خديجة، ربة بيت تقطن بنفس المدينة، معاناتها مع أزمة الماء التي شهدتها المنطقة منذ مطلع الصيف الماضي، وتقول في حديث لملفات تادلة 24 “عشنا معاناة طويلة لكن بعد ذلك جاء الفرج، فبعد أن كنا ننتظر بفارغ الصبر أن تجود علينا الصنابير ببعض القطرات، عادت الأمور نسبيا الى حالتها لمدة شهرين تقريبا”.
وتضيف خديجة “لكن سرعان ما جفت الصنابير ثانية مع بداية فصل الصيف، فأصبحت الانقطاعات تدوم يوما أو يومين إلى حين أن يعود الماء من التاسعة الى 11 صباحا، يزورنا الماء لمدة ساعتين أو أقل مع صبيب ضعيف لتبدأ الرحلة في تخزين ما يمكن تجميعه”.
“لقد أصبحنا مهووسين بملء كل الأواني لكي نستطيع تغطية حاجاتنا من الماء خلال مدة انقطاعه” هكذا عبرت لنا خديجة عن معاناتها مع أزمة العطش التي عاشتها المدينة العام الماضي، لذلك هذا العام اتخذت إجراء استباقيا، “ازدادت حدة خوفنا مع اقتراب العيد، لذلك اشترينا برميلا إضافيا بسعة 50 لترا لتعزيز كمية الماء التي نحتاجها ليوم العيد”، تضيف المتحدثة.
ومع استفحال أزمة العطش، واجهت الساكنة الوضعية بحلول فردية للتزود بالماء، من بين الحلول حينها، لجأ السكان إلى حفر الآبار حتى أصبحت شوارع المدينة تغفو وتستيقظ على أصوات آلات الحفر.
نور الدين السعدي، فاعل جمعوي بالمدينة، قال في حديث لملفات تادلة 24، “إن أزمة العطش السنة الماضية، لم تشهدها مدينة أولاد عياد فقط، بل لحقت بمدينة سوق السبت والفقيه بن صالح، وكذلك لحقت بالمجال الفلاحي والوحدات الصناعية بالمنطقة”.
وأشار السعدي الى أن “الساكنة في بداية الأزمة بحثت عن حلول فردية، حيث لجأت إلى الآبار القديمة، لكن بعد جفاف بعض الآبار، سارع معظم الساكنة الى حفر آبار جديدة، وهذا أيضا في إطار الحلول الفردية التي لجأت إليها ساكنة أولاد عياد”.
وأوضح المتحدث أن “حفر الآبار يكلف ميزانية كبيرة تتراوح بين 30 ألف و60 ألف درهم لحفر ثقب واحد بعمق يتراوح بين 50 و 100 متر تقريبا، حل مكلّف لكنه يبقى حلا مناسبا لمواجهه أزمة انقطاع الماء التي تزامنت مع ارتفاع درجة الحرارة”.
تدابير لإدارة الأزمة
أوضح مسؤول لدى الجماعة الترابية بأولاد عياد أن الأزمة التي شهدتها المنطقة، لم تكن في الحسبان، لذلك عُقدت اجتماعات مكثفة، خلال الصيف الماضي، بين السلطات المحلية، والمجلس الجماعي، وعمالة الفقيه بن صالح، والوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وتقرر حينها جلب الماء من محطة أفورار لتعويض النقص الذي شهدته مدينة أولاد عياد. وكإجراء مسبق لتدبير أزمة العطش بأولاد عياد تم وضع صهاريج مائية بشوارع المدينة لتقريب الماء من المواطنين، حيث يتم ملؤها ليلا لتستغل نهارا وقت انقطاع الماء.
وصرح مسؤول محلي عن الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة، في حديث لملفات تادلة 24، إلى أن أسباب أزمة الماء بالمدينة تعزى لتراجع الفرشة المائية بالمنطقة، وقال إن “الوكالة قامت بحفر ثقب بعمق 250 مترا، لكنها لم تبلغ الماء الكافي لتزويد الساكنة بالماء”، وأوضح المتحدث أن من ضمن القرارات التي اتخذت لتدبير الوضعية المائية الراهنة بالمنطقة، جلب الماء من محطة أفورار بنسبة تزويد تقدر ب 50%.
عود على بدء
مع عودة انقطاع الماء خلال شهر يونيو الجاري، أوضحت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة، أن الاضطراب المسجل بشبكة توزيع الماء الصالح للشرب بمدينة أولاد عياد وأيضا مدينة سوق السبت، يعزى إلى انخفاض مستوى الماء في الآبار التي تزود هذه المناطق بالماء.
وقالت الوكالة في بلاغ اطلعت ملفات تادلة 24 على نسخة منه، إنه في انتظار استكمال أشغال بناء محطة ضخ المياه وكذا خزان نصف أرضي سعته 300 متر مكعب، ستعمل الوكالة على رفع الصبيب المجلوب من محطة أفورار مع حفر ثقبين مائيين جديدين.
صالح حنين، رئيس المجلس الجماعي لأولاد عياد، قال في اتصال مع ملفات تادلة 24، “إن اجتماعا عقد يوم الثلاثاء 27 يونيو 2023، بين الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب -قطاع الماء – بخصوص تزويد مركز اولاد عياد بالمياه الصالحة للشرب”.
وحسب حنين فقد خلص الاجتماع الى الرفع من الصبيب المخصص لمركز أولاد عياد من محطة أفورار، حيث تم بالفعل مساء نفس اليوم تمكين المدينة من صبيب إضافي قدره 10 لترات في الثانية ليبلغ التدفق الإجمالي 30 لترا في الثانية.
معيقات تواجه التدابير وإجراءات تفتقدها الساكنة
بالرغم من تضافر الجهود لمواجة أزمة العطش الا أن هنالك اكراهات تحول دون تدبير جيد فترة الجفاف التي تعرفها المنطقة والبلاد عامة، منها إكراهات طبيعية جغرافية وأخرى بشرية.
وأوضح مسؤول محلي لدى الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة، أن هناك عراقيل وتحديات تواجه الوكالة، تحول دون تزويد الساكنة بشكل شامل، ومن ضمنها المشاكل الطبيعية، وتتمثل في تراجع الفرشة المائية وجفاف الآبار التي كانت تزود الساكنة بالماء، بالإضافة الى الوضع الجغرافي للمدينة الذي يتميز بالارتفاع.
وأشار المسؤول في حديثه لملفات تادلة 24، إلى مشكلة أخرى تواجهها الوكالة، حيث أن حالة الهلع تدفع بعض الناس إلى ممارسات تحرم المواطنين من الاستفادة العادلة من كمية المياه المتوفرة، وأهم هذه الممارسات “تلاعب بعض المواطنين بالصمامات (القواطع) المخصصة للماء داخل الأحياء السكنية، وذلك ما يفقد التوازن الذي تحدده الوكالة في عملية تزويد الساكنة بالماء” يقول المتحدث.
حين تجولنا في أحياء المدينة، كان لافتا تجمع الناس حول السقايات العمومية، نساء وأطفال يحملون البراميل والقوارير لملئها، وإن كانت هذه السقايات، رغم التعب الذي تخلفه العملية، تساعد في حصول الناس على الماء، إلا أن بعض السكان يفتقدون إجراءات أقدم عليها المجلس الجماعي السنة الماضية.
تقول سيدة قابلناها عند إحدى السقايات “مع بداية انقطاع الماء في الصيف الماضي قام المجلس الجماعي بوضع صهاريج ثابتة في بعض الأحياء إضافة إلى صهاريج متنقلة، لتزويد الساكنة بالماء خلال فترة الانقطاعات، لقد كان من بين الحلول التي خففت علينا مهمة جلب الماء بشكل خاص”.
لذلك طالبت السيدة بإعادة وضع الصهاريج، مع تسيير صهاريج متنقلة في الأحياء، لتخفيف عبء الازدحام عند السقايات، ومساعدة المرضى والمسنين بشكل خاص، ممن ليس لديهم من يستطيع الوقوف تحت حر الشمس من أجل ملء برميل أو بضع قارورات.
* صحافية متدربة