دراسةٌ في رواية “الزّمنِ المُوحش” لِحيدر حيدر(11)

-ملفات تادلة 24-

 1 علاقة السّرد بالوصف

يتميز الوصف في “الزمن الموحش” بعدة مظاهر يمكن حصر أهم سماتها في النزوع أحيانا إلى التقاط التفاصيل، تفاصيل المشاهد المستقلة الّتي تُعطي الانطباع بأننا أمام لوحة تشكيلية تجتذبُ اهتمامَ القارئ، وتثير جماع حواسه، نحو الجزئيات الدقيقة أحيانا، حيث يكمن الخصوصيّ والمتفرّد:

“الغرفة رومانسية، في جدارها مكتبة مُحاطة بأرائك وطنافس، وعلى الجُدران لوحات كلاسيكية، وفوق النوافذ ستائر من طَيْلسان برتقاليّ”.( ص17)

– “كان النادي محتشدا، وفي عبّ الأشجار المنتشرة على حوافيه، عُلقت مصابيح كهربائية صغيرة، بألوان مختلفة راحت الريح تهزها، وفوق السماء انقسمت سماء مضاءة”. ص  (28) (وكذلك في الصفحات 21-200-202)

يتكاثفُ الوصفُ في الرواية، ويكفّ عنْ أنْ يكون مجرد وصف موضوعيّ، ليُفسح المجالُ لِذاتية السّارد، أو الشخوص، فتستطلعُ رغائب النفس الدّفينة ومكامنها العصية على البوح والقول، على نحو ما نجدُ في هذا المقطع:

-” واحد اثنان، ثلاثة، عُدّ حتى تسقطَ إعياء، فلن يتبدلّ شيءٌ، تلَفٌ يوميٌّ، تفسّخٌ زمنيٌّ، يسحقُ البشرَ ولا جدوى. اِسترقاقٌ يشدُّ آلافَ المواطنين الاستهلاكييّن، يُوثقهم على الكراسي والمناضد، كأنّما هم محكومون يُساقون منذُ الصباح بآلية الأيام، نحو غُرف الغاز ذات الروائح النفاذة، روائحهم” (ص 194).

إنَّ الوصف في الرواية، لا يؤجّلُ السّرد أوْ يكمّل ثغراته، فقط بلْ ” يضطلعُ بِتبئير الشّخوص والأحداث وإضاءة خلفياتِ وسياقاتِ السلوكات والمواقف، والعلائق، وإضفاء غُلالات عجائبية، وإيروسية، ورمزية تكرّسُ جماليةَ وتخييليةَ الخطاب الروائي”2.

2 رواية الزمن الموحش رواية الزّمن

الزمنُ ذاكَ الشبح الوهمي المخوف الذي يقتفي آثارنا حيثما وضعنا الخطى, بل حيثما استقرت بنا النّوى، فالزمن كأنه وجودنا نفسُه، هو إثبات لهذا الوجود أولا، فهو الزمن الذي يخامرنا ليلا ونهارا، وصبًا وشيخوخة، دون أنْ يُغادرنا لحظة من اللحظات، أو يسهو عنّا ثانية من الثواني2.

تُعتبر تبعا لذلك مشكلاتُ الزمن والإحساسُ بها إبداعيا قديمةً الوجود في تجليات الأدب، فالإنسان بطبعه مفطورٌ على حاستي الذاكرة والتوقع، إذ ينظّم حياتَه، داخل شبكةٍ نسيجُها الماضي والحاضر والمستقبل. يتضح هذا في كل الممارسات اليومية والطقوسية، بل ويتضح في بناء لُغته التي تتضمنُّ صيغا زمنية، تُمثِّلُ محورية هذه اللغة3.

يُشخِّصُ الزّمنُ في رواية “الزمن الموحش” حالةَ تساؤلٍ فلسفيٍّ حول مفهومه، وحمولته الفك،ريين، على غرار نصوص عربية حديثة4، إنّ انعدام المؤشرات الزمنيةِ التي تساعدنا على ضبط زمن القصة ” واللعب الزمني” الشديد التعقيد، يعطي للزمن، كتِيمة مركزية تتضافر وتيماتٍ أخرى، وكتقنية لسردية تحتفظ لرواية بالزمن، فهي تفكير في الزمن، وتشكيل زمني على مستوى الخطاب.5…

ذ. عبد الحكيم برنوص

**********************

1- يوسف شكير،  شعرية السرد الروائي عند ادوارد الخراط ص 261

2- عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية ص 225

3- محمود الضبع، تشكلات الشعرية الروائية ص 224

4- بشير القمري شعرية النص الروائي ص 40

5- سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي ص 158.

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...