هل يُعتبر قطاع التعليم العالي ضيعة في مِلك الوزير ميراوي ؟

-عبد الحق غريب-

مباشرة بعد تعيين عبد اللطيف ميراوي وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تطرقت جل المنابر الإعلامية (الورقية والالكترونية)، ومجموعة من الأقلام الحرّة إلى تجربته السيئة والفاشلة على رأس جامعة القاضي عياض لولايتين متتاليتين، وإلى تعامله السلبي مع الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بمراكش ومع نقابة الموظفين المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وأنه ليس رجل حوار.

لست بصدد تقييم تجربة السيد عبد اللطيف ميراوي على رأس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ولست بحاجة إلى ذلك لأن الواقع يقول كل شيء، بيد أنني أريد أن أشير إلى بعض الأمثلة لقرارات اتخذها بشكل مزاجي، تؤكد أنه يَعتبر قطاع التعليم العالي ضيعة في ملكه يقرر فيها ما يشاء وقتما يشاء، وتبيّن أنه يفتقد إلى الحكمة والتبصّر التي يجب أن يتحلى بهما بصفته مسؤولا حكوميا، وأنه يُغَلّب مصلحة حزبه على مصلحة المغاربة :

المثال الأول، يتعلق بقرار خلق مؤسستين جامعيتين (المدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة) إرضاء لحزبه ولعلاقاته، الأولى بتارودانت مسقط رأس الأمين العام لحزبه، والثانية ببركان مسقط رأس صديقه فوزي لقجع الوزير المكلف بالميزانية… هذا في الوقت الذي قرر فيه السيد ميراوي إلغاء عدد من الأنوية والمراكز الجامعية على الصعيد الوطني (أكثر من 30 مؤسسة جامعية ضمنها الكليات متعددة التخصصات، المدارس الوطنية للتجارة والتسيير، المدارس الوطنية للمهندسين، مدرسة للرياضة، حي جامعي…)، ضاربا عرض الحائط حلم وانتظارات سكان ومنتخبي العديد من المناطق بالمغرب، وحاجة أبناء وبنات هذه المناطق إلى متابعة دراستهم العليا بالقرب من أسرهم.

جدير بالذكر أن هذه الأنوية والمراكز التي ألغاها الوزير ميراوي كان قد تم إقرار إنشائها في عهد الوزير السابق سعيد أمزازي، وكانت موضوع اتفاقيات مبرمة بين الحكومة والمجالس المنتخبة، بل منها من وفّرت بعض الجماعات العقار اللازم والاعتمادات المالية لإنجازها، ومنها من قطع جميع المراحل الإدارية والمالية والتقنية لبنائها.

المثال الثاني، بالإضافة إلى 200 أو 600 مليون درهم (؟) التي تم تخصيصها في ميزانية 2022 لبناء الأنوية والمراكز الجامعية المشار إليها أعلاه والتي ذهبت هباء منثورا، فإن قرار إلغاء أكثر من 30 مؤسسة جامعية على الصعيد الوطني، أدى إلى هدر أموال طائلة من المال العام، في عز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر هدر مبلغ 4.319.537,02 درهم (أي حوالي نصف مليار سم) تم صرفه من ميزانية جامعة شعيب الدكالي من أجل الدراسات لبناء مشروع الكلية متعددة التخصصات بسيدي بنور، قبل أن يتفاجأ سكان ومنتخبي الإقليم بإلغاء إحداث هذه الكلية بجرة قلم من الوزير ميراوي.

المثال الثالث، يبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن الوزير ميراوي يفتقد إلى الحكمة والتبصّر التي يجب أن يتحلى بهما لتسيير وتدبير قطاع حيوي واستراتيجي، ألا وهو قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.

كيف لا وهو مُصمّم ومُصرّ على تنزيل إصلاح بيداغوجي “كوت كوكوت”، أجمع الأساتذة الباحثون ذوي الاختصاص، عبر تقارير أنجزتها الشّعب وشبكاتها الوطنية وبيانات أصدرتها الجموعات الجهوية والمحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، على أن هذا الإصلاح البيداغوجي به عيوب ونواقص واختلالات يجب تصحيحها ومعالجتها، وأنه لا يستجيب ولا يتلائم والدور الأكاديمي والعلمي والمعرفي للجامعة العمومية، وأن مصيره الفشل، مثله في ذلك مثل نظام الباشلور… بل أكثر من ذلك، شبكة شعب التاريخ بالجامعات المغربية، وبعد أن أنجزت تقريرا حول الإصلاح البيداغوجي ونشرته سابقا، ها هي توجه رسالة إلى الوزير، بتاريخ 16 ماي الحالي، في موضوع تصور الشبكة واقتراحاتها حول الإصلاح البيداغوجي وتطلب منه عقد اجتماع بخصوص هذا الموضوع.

وهنا لا بُدّ أن نتكلم بصراحة، ونقول للوزير ميراوي بصوت عالٍ أن التعنّت وصمّ الآذان لن يخدم مصلحة البلاد في شيء ولن يزيد الطين إلا بلّة، وأن كل الأساليب والمناورات التي نهجها رؤساء الجامعات ورؤساء المؤسسات بأمر منه وإرضاءً له، من أجل استقبال طلبات اعتماد وتجديد اعتماد مسالك سِلكيْ الإجازة والدكتوراه هذه الأيام، بغية تفعيل الإصلاح البيداغوجي ابتداء من السنة الجامعية 2023-2024، هي أساليب ومناورات بائدة ومفضوحة تسيء إلى الوزير وإلى رؤساء الجامعات ورؤساء المؤسسات، ولا تخدم البتّة المصلحة العامة للبلاد، على اعتبار أن الجامعة هي قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأي إصلاح يجب أن يندرج في هذا الإطار، وأن يكون إصلاحا شاملا وسليما يعتمد المنهجية التشاركية والانصات إلى المعنيين بالأمر وذوي الاختصاص.

في الختام، أغتنم هذه الفرصة لأثير انتباه الأجهزة الوطنية والجهوية والمحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى أن مصداقية النقابة على المحك، حيث لا يستقيم أن تصدر الفروع الجهوية والمكاتب المحلية وتكتلاتها بيانات تعبر من خلالها عن موقفها من الإصلاح البيداغوجي ورأيها حول هندسته، بالإضافة إلى تقارير الشّعب وشبكاتها الوطنية، وأن يتجاهل الوزير ميراوي كل ذلك، أمام صمت رهيب وغير مقبول للمكتب الوطني.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...