-ملفات تادلة 24-
ومع تنامي الحوار بين الراوي و”مُنى” حول المرأة والحرية والإنسان العربي المهزوم، تتداخلُ صيغ السّرد بين المعروض غير المباشر: “وسألتها عن رأيها بشخصي، فقالت بأنني حالة مرضية خاصة، مزيج من الفوضى والحرية وردود الفعل والغضب” (285).
وبين صيغ السرد الأخرى مثل صيغة المسرود الذّاتي الذي نتعرف فيه حالةَ الضياع وانقسام الراوي بين الوظيفة والخمارة والشوارع: “ومن الوظيفة إلى البيت، ومن البيت إلى الخمارة والشوارع، وزمن العربي ليس ملكه” (ص 286).
يراوح السّرد مكانه الأول، فيتنامى الحوار بين الراوي و”مُنى”، حول رد فعل “العربيّ” إزاء المحن والانحراف وطريق الخلاص. على إثر ذلك يدخل السارد في حوار داخلي، تتخاطر فيه الأفكار وتتوارد، فتتخذُ الصيغة شكل مسرود ذاتيّ، يسترجع فيه الراوي علاقته بأبيه، و”بأيوب السرحان” فاقد الأرض والوجهة:
” وأنا مُستلقٍ على السّرير، هوّمَ على شاشة الذاكرة حلمُ الرجلِ الذي قطع أصابعه الخمس، مخاطبا أبي: ملعونون، ملعونون أنتم، ملعونون حتى قيام الساعة”. (ص286)
إذا كان هذا المشهد لا يشغل سوى ثلاث صفحات (285/286/287) ولا يُقدم من الأخبار إلا كمية محدودة، فإن كمية الأفكار المحمولة ضمنه والمتصلة بالذوات الثلاثة (الراوي – منى – راني)، كثيرة، حيث تم التعرف على وجهات نظرهم، حول الزمن العربي والثورة والمرأة والشِّعر.
إنّ الانتقال إلى المقطع الموالي حافلٌ بتداخلٍ سرديٍّ متشابك، يتم التحول فيه إلى مشهد آخر، يُفتتح بالمسرود الذاتي الذي يحدد المكان (غرفة الراوي) والزمن (وقت الضحى):
“أنهضُ نشيطا، جوّ الغرفة حامضيٌّ وكئيب، أفتح النافذة، فأُفاجأ بجارتي لأول مرة على الشرفة بثوب النّوم، تَستحمّ في شمس دمشق الدافئة “(ص288).
” لست ذاكرا لماذا كان لقاؤُنا جافا في ذلك الضحى”(ص290)
ينساب المسرود الذاتي، مُبئّرا حالة الغثيان والتشويش الذهني عند الراوي وأفكاره المتواردة، حول “منى” و”أمينة” ودمشق والعالم:
“كان ذهني مشوشا، وشعرتُ بأنّ لا شيء يعمل، فانبطحت على السرير، فكّرتُ بِمنى، وأمينة وسامر، بدمشق والعالم، بحياتي المؤرجحة بين الممكن والمستحيل ” (ص288)
يتم إيقاف تنامي الخطاب المسرود، برنين جرس الباب، واقتحام “سامر البدوي” عالم الراوي الّذي يدخلُ معه في حوار حول الشّعر والمُثقّف المُلتزم، حيث يتم تحميل هذه الأفكار في صيغة الخطاب المنقول المباشر:
” ماذا تعني بسامرية؟
إبحارٌ داخليّ في متاهاتكَ الشخصية. إطراء أم تهمةٌ؟
كلاهما معا.”(ص288/289).
نخلصُ إلى أنّ التبدلات الصّيغية في رواية الزمن الموحش، تتمُّ بشكل غير منظم، وغير ثابت، وعندها تكون المقاطع الصيغية متوازية أيضا من حيث الكم, وقصيرة دائما نسبيا، ما يؤكدُ التداخل الكبير بين صيغ السرد، دون هيمنة أحدها على الآخر، ولولا هيمنة صيغ الخطاب المسرود الذاتي، لأمكن تسجيل كثافة صيغ الخطاب المعروض أكثر من صيغ الخطاب المسرود في الرواية، ولأمكننَا أيضا القولُ إنّ الرواية المدروسة روايةُ أقوالٍ بامتياز.
ذ. برنوص عبد الحكيم