-الحسن أكرويد-
يحكي فيلم أطان ATTAN/ (يقصد به في اللغة الامازيغية المعاناة القاسية في الذات والنفس)
بطلة هذا الفيلم تدعى ” تهيا” أرغمتها التقاليد والسلطة الذكورية على مغادرة المدرسة تحت الإكراه لتتزوج وهي قاصر، فتصبح مشروع أم حامل وربة بيت، تقوم بحطب أعواد الأشجار المتناثرة، لتلتقي بفتيات من دوارها وهن في طريق المدرسة يتبادلن أطراف الحديث وهن مسرورات.
عكس “تيهيا” اليائسة والمتعبة، تقف قرب شجرة أركان لتأخذ قسطا من الراحة، لتسترجع ذاكراتها أيام الدراسة؛ حينما كانت تلميذة مجدة ومتفوقة في التحصيل الدراسي لكن نظرات “تيهيا” لا تفارق محيطها الذي عاشت فيه، مما يجعلها تعتصر ألما وبكاء شديدين، نتيجة اجهاض حلمها واقباره في زواج غير مرغوب فيه، فهي تائهة أمام واقعها المفروض عليها.
وتتعمق ذاكرة البطلة، وتسترجع تلك الصدمة الموجعة حينما تم الطعن في مستقبلها من طرف سلطة أبيها واستسلام أمها لتعليمات الزوج المتسم بالشدة والقسوة، والذي أجبرها بشكل تعسفي على معانقة الزواج بدل معانقة الكتاب والمعرفة.
وتستمر البطلة في تجرع ألمها في صمت حاد، وترمي بين الحين والآخر بنظاراتها الحزينة في السماء، وتتأسف على وضعها، مستمرة في حمل كومة حطبها فوق ظهرها وجنينها في بطنها دون الاكتراث لخطواتها المبعثرة بين الأحجار والاشواك.
فرغم الألم (أطان ) تستمر البطلة في الحياة رغم استسلامها لسلطة عمياء، وهي وتقول في قرارة نفسها وتخاطب جنينها سواء كان ذكرا أو أنثى وتترجى أن لا يكون مصير كل القادمين والقادمات إلى الحياة على منوالها، وتتمنى لكل حفيدات “تهيا” الحرية والانعتاق من كل براثن الجهل والأمية.
هذا الفيلم القصير المتكون من 8 دقائق و45 ثانية، هو رسالة كافية لكل الضمائر الحية في هذا البلد العظيم، بأن المكان الطبيعي للفتيات هو المدرسة والتحصيل العلمي والمعرفي خدمة لتنمية مواطنة حقيقية لكل بناته وأبنائه.
أبدع في هذا الفيلم تلاميذ وأطر نادي الفلسفة بالثانوية الإعدادية سيدي احساين ببلدية لخصاص إقليم سيدي افني، وبإمكانيتهم البسيطة وبتشجيع من المؤسسة.
ونشير بأن زواج القاصر بالمغرب لازال يشكل معضلة تنخر جسم المجتمع المغربي، وتحرم أعدادا كبيرة من الفتيات من الاستمرار في حقهن في تحصيل تعليم جيد ومجاني، حيث أن الاحصائيات الرسمية التي نشرتها رئاسة النيابة العامة بأنن زواج القاصر بلغ سنة 2022 من 13652 اذن بالزواج. مقارنة بسنة 2020 التي تم تسجيل فيها 20738 اذن زواج.
وقبل ذلك بسنتين نشر فريق برئاسة النيابة العامة دراسة تشخيصية حول زواج القاصر بالمغرب، اعتبرت هذه الدراسة أن قيودا ثقافية واعرافا في عدة مناطق بالمغرب تبيح زواج القاصرات رغم مجهودات الدولة للتصدي للظاهرة.
إن المسألة تستدعي تغير العقليات السائدة أولا قبل تعديل القوانين، مع العلم أن ترك المواد التي تبيح زواج القاصر في مدونة الأسرة (المادة 20 على خصوص)، يشكل تخلفا حقيقا وتناقضا صارخا مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والبروتكولات التي تبناها المغرب، مما يحتم فعلا تعديل هذه القوانين، وتوظيف الإعلام العمومي للتحسيس بعواقب زواج القاصرات والهدر المدرسي في مجتمعنا.
وفي نفس الموضوع وفي ارتباط زواج القاصر بارتفاع الهدر المدرسي في صفوف الفتيان والفتيات، نشرت بدورها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إحصائيات رسمية سنة 2020 خلال الازمة الفيروسية، أن نزيف الهدر المدرسي ما بين 2019-2020 بلغ أزيد من 300 ألف تلميذ وتلميذة سنويا، وتشكل نسبة الفتيات المنقطعات عن الدراسة نسبة كبيرة قدرت ب 42 بالمئة.
وفي فاتح مارس 2021، وقعت رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية اتفاقية شراكة وتعاون في مجال إلزامية التعليم الأساسي من أجل الحد من الهدر المدرسي، تنفيذا لإعلان مراكش 2020، وخلالها صرحت رئاسة النيابة العامة بأنه تم إرجاع 20 ألف فتاة إلى أقسام الدراسة بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية.
لذلك استمرت رئاسة النيابة العامة في تفعيل الاتفاقية رفقة الشركاء، وتحققت بعض النتائج بإرجاع ما يمكن ارجاعه الى المدارس (في كل من الحوز، وبني ملال، وتارودانت).
إن الأرقام التي تقدمها سنويا وزارة التربية الوطنية، وتقارير المندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كلها تعتبر أن نزيف الهدر المدرسي في ارتفاع مستمر سنة بعد سنة، مما يطرح على الحكومة اتخاذ إجراءات حقيقة للحد من هذا النزيف المتواصل من أجل إنقاذ مستقبل فتيات هذا البلد.