عبد الحق غريب: هل الدين والعلم يتعارضان؟

-عبد الحق غريب-

هذا سؤال قد يُحرّف النقاش، لأن مشكل علاقة الدين بالعلم يكمن في تفسير الدين والإلمام بالعلم.
ولكي أكون دقيقا أطرح السؤال على النحو التالي : هل من الصواب أن يدحض فقيه أو شيخ فرضية علمية وهو لم يتلقى تكوينا علميا؟

في الحقيقة، لا يمكن دحض فرضية علمية إلا بالعلم… ومن يقول أن هذه الفرضية أو تلك غير صحيحة، عليه أن يفنّدها استنادا إلى العلم.. الند بالند… والحجة بالحجة… والاستناد إلى العلم لا ينقص من الدين، بل يرفع من شأنه ويدفع الانسان إلى سبر أغوار الكون للتمعّن في حكمة الخالق، والبحث والاجتهاد من أجل فهم وتفسير الظواهر الطبيعية ونشأة الأرض والحياة.

من الفرضيات العلمية المثيرة للجدل نجد فرضية تطور الكائنات الحية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالانسان. وهي فرضية غير مقبولة في العالم الإسلامي، رغم أنها مبنية على اكتشافات ميدانية ودراسات علمية (علم المستحاثات، علم الجينات وعلوم أخرى).

وإذا كانت ظاهرة تطور الكائنات الحية مرفوضة في العالم الاسلامي، فإن الحقيقة العلمية التي لا يمكن رفضها أو إنكارها هي :

أولا، أنواع الكائنات الحية لم تظهر على سطح الكرة الأرضية دفعة واحدة… أي لم تظهر في نفس الزمن ونفس الوقت، بل ظهرت تدريجياً عبر ملايين السنين.

ثانيا، أنواع الكائنات الحية يتغير شكلها مع مرور الزمن (عبر ملايين السنين)… يظهر النوع ثم يعيش مدة معينة فينقرض، ليظهر نوع آخر ثم يعيش فينقرض، وهكذا دواليك (باستثناء بعض الحالات النادرة التي لم تتغير عبر الأزمنة).

ثالثا، تتكون مكونات خلايا الكائنات الحية من نفس الذرات الموجودة في التراب (الكاربون، الهيدروجين، الأوكسيجين، الأليمنيوم، الآزوت…).

وهذه الحقيقة العلمية تعتمد طبعا على اكتشافات ميدانية (المستحاثات…) ودراسات علمية… أي تعتمد على وجود دلائل وحجج واستخدام العقل.

يمكن تلخيص كرونولوجيا ظهور أنواع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية بشكل مقتضب وجد جد بسيط، كما يلي :

1- نشأت الأرض قبل حوالي 4,6 مليار سنة… وكانت عبارة عن كتلة من الغبار، لم تكن بها لا بحار ولا أراضي ولا جبال ولا حياة.

2- ظهرت الحياة لأول مرة فوق الأرض منذ حوالي 3,8 مليار سنة، وكانت عبارة عن خلية بسيطة بدون نواة (cellule procaryote).

3- ظهرت اول خلية ذات نواة (cellule eucaryote) منذ حوالي 1,6 مليار سنة… وتعتبر هذه الخلية مفتاح التطور، لاحتوائها على نواة تتوفر على مواد وراثية.

4- بعد ظهور الخلية ذات نواة، ثم الكائنات متعددة الخلايا، ظهر أول كائن حي فقري (vertébré) قبل حوالي 530 مليون سنة.

وللمزيد من التوضيح، نذكر أن الفقريات (vertébrés) تتكون من خمسة “مجموعات” وهي : الأسماك (poissons) والبرمائيات (batraciens) والزواحف (reptiles) والثدييات (mammifères) والطيور (oiseaux)… وهذه “المجموعات” الفقرية الخمس لم تظهر دفعة واحدة، بل ظهرت تدريجياً عبر مراحل، على النحو التالي : ظهور الأسماك (530 مليون سنة)، ثم البرمائيات (360 مليون سنة)، ثم الزواحف (240 مليون سنة)، ثم الثدييات (200 مليون سنة)، ثم الطيور (150 مليون سنة).

الإنسان، وهو كائن حي ينتمي إلى مجموعة الثدييات، لم يظهر على وجه الأرض إلا منذ ما يقرب من 2 أو 3 ملايين من السنين فقط… أي أنه حديث العهد، مقارنة مع عمر الكرة الأرضية وتاريخ الكائنات الحية.

علميا وإلى حدود اليوم، ليس هناك أي دليل يدل على أن الإنسان البدائي ظهر وعاش فوق الأرض قبل 2 أو 3 مليون سنة، وأن الإنسان العاقل ظهر وعاش فوق الأرض قبل 300 ألف سنة… والدليل دائما هو اكتشافات بقايا الهيكل العظمي للانسان (جمجمة، عظام…)، آخرها الجمجمة التي تم اكتشافها بجبل أيغود بالمغرب (منطقة اليوسفية) سنة 2017، والتي يعود عمرها إلى 300 ألف سنة (أقدم إنسان عاقل).

هكذا إذا وحسب الاكتشافات العلمية، يتبيّن أن الحياة ظهرت على كوكب الأرض منذ ما يقرب من 3,8 مليار سنة، وكانت عبارة عن خلية بسيطة، وأن جميع أنواع الكائنات الحية (النباتات والحيوانات) مكونة من نفس الذرات الموجودة في التراب، وأنها لم تظهر دفعة واحدة، بل ظهرت متعاقبة عبر الزمن.

وهنا نطرح سؤالا بسيطا : ألا يمكن الاعتماد على نظرية انحدار كائن حي من كائن حي آخر (نظرية التطور)، لتفسير ظهور الكائنات الفقرية بشكل تدريجي، خاصة وأن هذه الكائنات الفقرية تتشابه في تركيبة وبنية بعض أعضاء أجسامها، كالأطراف الأمامية على سبيل المثال ؟

(ملحوظة : قد تكون بعض التواريخ غير محيّنة… معذرة.)




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...