أنا و “الوليمة”

-ملفات تادلة 24-

في الغالب لا يكاد يلفظ اسم “حيدر حيدر” إلا وينصرف الذهن إلى الرواية الشهيرة ” وليمــة لأعشاب البحــر ” التي ضجت بها وسائل الإعلام ورحاب الجامعات حينا من الزمن، بين متهم غاضب وفرح مرحّب.

 فإذا كانت قراءة الأعمال الأدبية لا تفضي بالضرورة إلى التفكير مثل مؤلفها، مادامت الذات الثانية نفسها متعددة، بل إن ذلك يدعو إلى التفكير معها ومن خلالها عبر صوت نقدي يحوز قوة تُضارع قوة الكاتب نفسها،  فإن كتابات “حيدر حيدر” هي من النوع الذي يثيرنا ويدفعنا إلى التوافق معها حينا، والاختلاف معها أحيانا أخرى، مما يجعل علاقتنا بها علاقات اختلافية،” إذ لا وجود لنص حاضر حصرا، بل ثمة نصيات منقوشة ضمن النص الواحد”1.

في شتاء العام الأول من الألفية الثالثة، انطلقت رحاب الأزهر الشريف، هاتفة غاضبة، ضد إعادة نشر “الوليمة الشهيرة” فطفا على سطح الوعي اسم “حيدر حيدر” وفي رواق المعرض الدولي للكتاب في طبعته التاسعة، كان اللقاء بهذه الوليمة “وبحيدرها الشهير” بعد أن غُيبت زمنا ليس باليسير، أفليس المُغيب مرغوبا ومحببا!؟.

وبغض النظر عن زوايا الاختلاف والاتفاق، كان اكتشاف أسلوب جديد في الكتابة منفلت ومختلف، فجمحت النفس وتوثبت تغترفُ من هذه الكتابة المخملية الندية، فكان أن التقطت “الزمن الوحش” من على رفوف إحدى المكتبات لعلي أنشد أملي ومبتغاي.

قرأتُها وحاورتها مرات ومرات، لا أكاد أمسك بخيط من الألف خيط وخيط التي تنظمها حتى ينفلت، لتبدأ المخاتلة والتربّص من جديد، في كل مرة فهم جديد, وفي كل فهم جديد معنى آخر يضاعفه أو يقوضه.

“الوليمةُ” (إلى جانب رواية “الزمن الموحش”) صرخةُ إدانة ضد الواقع العربي المهترئ، هي ناقوس خطر حول مصير تاريخيّ تُسمع خطاه وبشائر قدومه العاصف، الذي سيجرف معه عصور الاضطهاد، وإذلال البشر الكادحين، ويفتح أفقا جديدا لعصر أكثر إنسانية وأكثر رحابة، وحيدر حيدر واحد من الفئات الواسعة من الأدباء والفنانين الذين يطرحون السؤال أين المفر؟ أو بلغة أخرى كان هناك دائما أدباء وفنانون، يحسون حتى النخاع، بأن حياتنا لا تطاق، ولهذا كانت أعمالهم صرخات إدانة وغضب ضد مجمل التركيبة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية السائدة، فكان جوهر الحلول التي يطرحونها، كرد على أسئلة الواقع الملحة، هو مواجهة الذات، واللجوء إلى عوالم يشيدونها، بموازاة العالم الخارجي المحسوس وهذا ما نراه لدى روائي كبير مثل حيدر 2.

إذا كان الآمر كذلك، فإننا ملزمون بالبحث فيها عن  هوية هذا النوع من الكتابة، والبحث عن انتماءاتها: هل إلى الشعرية على فرض أنها شعر؟ أم إلى النثرية، على فرض أنها نثر؟ أم تراها تشيد لنفسها نوعا آخر يستدعي إيجاد تصنيف لها؟  ثم لماذا البحث في الزمن الموحش عن شعرية السرد بالذات؟.

1 – أحمد فرشوخ، حياة التص، دراسات في السرد، دار الثقافة المغربية ص 21.

2 – محمود عبد الواحد,حيدر حيدر بين ما العمل و أين المفر؟ مجلة الطريق العدد5 أكتوبر1979, ص164.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...