– خالد أبورقية –
سجين يضرب عن الطعام:
يخوض السجين حميد الخالفي، رقم الاعتقال 40694، منذ يوم 17 غشت الجاري، إضرابا عن الطعام داخل السجن المحلي ببني ملال، للمطالبة بإنصافه متشبثا ببراءته من تهمة الاتجار في الممنوعات، إثر متابعته بناء على مسطرة مرجعية.
ويدعي الخالفي أن هناك جهة، لم يسمّها، حرّضت أحد الموقوفين في قضية سكر علني، بأولاد عياد، للتصريح بأن هذا الأخير اشترى لترا من مسكر ماء الحياة من الخالفي الذي صرح أن هناك عداوة بينه وبين هذا الشخص، وذكر أن من حرضه لم يرقه أن يقلع عن الاتجار في الممنوعات.
واعتقل الخالفي، الذي لديه سوابق قضائية في بيع الممنوعات وأدين بالسجن النافذ بسبب هذه السوابق، من طرف الدرك الملكي بأولاد عياد وجرى تقديمه أمام النيابة العامة التي أمرت بإيداعه السجن، بناء على تصريحات متهم آخر ادعى أنه شريكه في تجارة المسكرات.
ونفى الخالفي تهمة الاتجار في الممنوعات، في تصريحات توصلنا بها عن طريق عائلته، وأكد المتهم أنه أقلع عن هذا النشاط بعد قضائه آخر عقوبة حبسية، مشددا أن التهمة الموجهة إليه من طرف متهم آخر هي كيدية، نظرا للعداوة التي تجمعه بذلك المتهم، والسابقة عن تصريحات هذا الأخير.
وحسب التفاصيل التي توصلنا إليها، تعود العداوة بين الخالفي والشخص الذي صرح أنه شريكه في الاتجار في الممنوعات إلى أبريل الماضي، وقال الخالفي إن “هذا الشخص سبق أن اعتدى عليّ رفقة أشخاص آخرين يشكلون عصابة معروفة بأولاد عياد، وسلبني مبلغا ماليا قدره 2730 درهما، وهاتفين أحدهما هاتف ذكي ودراجة نارية”.
وإثر هذا الاعتداء، يقول الخالفي “تلقيت العلاجات وتسلمت شهادة طبية تثبت عجزي لمدة 25 يوما، وتقدمت بشكاية ضده لدى مركز درك أولاد عياد يوم 10 أبريل 2022، ولم يتم اعتقاله ولم يتم البت في شكايتي”.
وواصل الخالفي “يوم 7 يونيو هجم هذا الشخص وشركاؤه عليّ في بيتي مستخدمين الماء القاطع والحجارة وكسروا الأبواب والنوافذ وتقدمت بشكاية أخرى ضدهم ولم يتغير شيء”.
وتمت متابعة الخالفي بناء على مسطرة مرجعية، وجرى الحكم عليه بثلاث سنوات سجنا نافذا، كما حكم بنفس العقوبة على الشخص الذي ادعى أنه شريكه.
مسطرة مرجعية أساس الاحتجاج:
وأوضح الأستاذ أمين الشعبي، محامي المتهم حميد الخالفي، أن موكله بالفعل “كان معروفا بتجارة المشروبات الكحولية وصدرت في حقه أحكام قضائية وقضى مدة الحكم، وحين غادر السجن آخر مرة توقف عن هذا النشاط، حسب تصريحه والمعطيات التي توصلت إليها”.
وقال الشعبي، المحامي بهيئة بني ملال، في اتصال هاتفي، إن موكله “جرى اعتقاله بعد تصريح أحد الموقوفين، الذي بينه وبينه عداوة، بأن الخالفي باعه كمية من مسكر ماء الحياة، وبناء عليه تمت متابعته على أساس مسطرة مرجعية”، مؤكدا أنه لا توجد بالملف أية محجوزات.
وأوضح المحامي أنه لا يمكنه التعليق على قرارات القضاء مادام الملف لايزال معروضا على القضاء، حيث أن مراحل التقاضي لم تنته بعد، “ولكنني في المقابل أطعن في الإجراءات المسطرية وفي قرارات النيابة العامة التي لديها سلطة المتابعة والملاءمة، كما أطعن في الثغرة القانونية للمساطر المرجعية التي أصبحت كسكين على عنق الأشخاص” يقول المتحدث.
وقال نفس المصدر “المساطر المرجعية هي فراغ قانوني، حيث أن أي شخص جرى اعتقاله في حالة سكر أو بحيازة المخدرات يمكنه اتهام شخص آخر بأنه باعه الممنوعات، ويتم اعتبار ذلك قرينة قانونية بناء على سوابق المتهم الثاني، وهذا ما حدث مع الخالفي”.
من جانبها أكدت النيابة العامة أن المتابعة اعتمدت على قرائن أخرى من بينها الشهود، وقال نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسوق السبت، في مقابلة معه، إن النيابة العامة أجرت بحثها في الموضوع وتقدمت بنتائج البحث إلى المحكمة التي أصدرت حكمها.
وقال نفس المتحدث، في تعليق على العداوة بين المتهم والمصرحين أو الشهود، “إننا تقدمنا بما توصلنا إليه إلى المحكمة التي بنت قناعتها”، وأضاف أن الملف الآن في مرحلة الاستئناف وإن ثبت أن المتهم بريء ستنطق المحكمة ببراءته ويخول له القانون حق المطالبة بالتعويض.
“مسطرة لقيطة”
وشكلت المساطر المرجعية موضوع جدل قانوني، في السنوات الماضية، ولا تزال، ووصفها المحامي والقاضي المعزول محمد الهيني في حوار صحفي سابق له بأنها “مسطرة لقيطة دون حسب ولا نسب قانوني، غير مؤسسة على أي فصل من القانون، ولا على أي اجتهاد قضائي لمحكمة النقض، فلا هي تحمي الحقوق، ولا هي تصون الحريات، ولا هي ترعى أمنا قانونيا ولا أمنا قضائيا، ولا هي داخلة في التطبيق العادل للقانون، بل هي عنوان ظلم الممارسة القضائية، وصنو التطبيق الهمجي للقانون”.
واعتبر الهيني أن المساطر المرجعية تجعل من “المتهم المرجعي طرفا وخصما وحكما، فإليه يرجع توجيه الاتهام، فهو من يحدد صكوك الاتهام والإدانة والبراءة، أي سوبرمان قانوني وقضائي هذا؟ يملك سلطة أكبر من المشرع والقاضي والحكومة” حسب تعبيره.
الأستاذ أمين الشعبي، سبق له من جهته أن أكد على أن المساطر المرجعية المتعلقة بالاتجار في الممنوعات هي مساطر مخالفة للقانون، كما سبق للمجلس الأعلى سابقا “محكمة النقض حاليا” أن اعتبر في قرار له أن ” شهادة متهم على متهم آخر لا تصح قانونا لأن ذلك المتهم الذي ألقي عليه القبض يحاول درء المسؤولية الجنائية عنه وإلصاقها بشخص آخر”، وهذا ما ينطبق على حالة الخالفي.
وبينما كان نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية في سوق السبت، أثناء لقائنا به، حث على تفادي استخدام مصطلح ومفهوم المسطرة المرجعية، نجد أن رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، وضعها موضوعا لدورية موجهة إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية.
وأثار عبد النباوي في الدورية المؤرخة في 16 أكتوبر 2018، تحت موضوع “حول تدبير المساطر المرجعية”، اختلاف توجهات النيابات العامة بخصوص المساطر المرجعية والنقاش القانوني والمجتمعي الذي تطرحه، “فضلا عن ما يثار حولها من إشاعات بشأن تعرض الأشخاص للضغط والابتزاز من طرف المصرحين، من أجل التراجع عن تصريحاتهم مقابل مبالغ مالية”.
وطلب رئيس النيابة العامة من الوكلاء العامين ووكلاء الملك إيلاء المساطر المرجعية المزيد من العناية والدقة أثناء البحث التمهيدي، واستنفاذ كافة الإجراءات القانونية في مرحلة البحث الجنائي، مع تفادي الإجراءات الماسة بالحرية إلا في أضيق الحدود، مع مراعاة ما قد يتعرض له الأشخاص من ضغط أوابتزاز من طرف مصرحي المساطر المرجعية.
المعالجة الأمنية أساس في خلق المساطر المرجعية:
يعرف فقهاء القانون المساطر المرجعية أو الاستنادية، بكونها المساطر الإجرائية التي يتم العمل بها من طرف الضابطة القضائية في حال وقوع جريمة والتي من شأنها تمكين الضابطة من الوصول لكافة الأطراف المرتكبة للفعل الجرمي .
يعرف فقهاء القانون المساطر المرجعية أو الاستنادية، بكونها المساطر الإجرائية التي يتم العمل بها من طرف الضابطة القضائية في حال وقوع جريمة والتي من شأنها تمكين الضابطة من الوصول لكافة الأطراف المرتكبة للفعل الجرمي .
وتعرف في الأوساط المهنية بالتصريحات التي يدلي بها المتهم خلال مرحلة البحث التمهيدي والتي تقود الضابطة القضائية الى أشخاص آخرين، لم يتم التوصل إليهم من قبل، ولهم دور في ارتكاب الفعل الجرمي سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين أو مساهمين، وهي باختصار تصريح أو شهادة متهم على متهم آخر لم تتوفر، إلى حين التصريح ضده، أية قرائن أو أدلة كافية لمتابعته.
وشكلت هذه المساطر موضوع بحث نهاية التكوين في المعهد العالي للقضاء، سنة 2015، من إعداد الملحقين القضائيين أناس يمني وعلي توفيق، تحت إشراف الأستاذ حكيم الوردي، نائب وكيل الملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تحت عنوان المساطر المرجعية في القضايا الزجرية بين النص والتطبيق.
ووقف الباحثان على أن قانون المسطرة الجنائية الحالي لا يتضمن أي تنصيص على مصطلح المسطرة المرجعية، وذكرا أنه “لا نجد له مرجعية في قانون المسطرة الجنائية وأيضا في القانون المقارن- وبالتحديد قانون الإجراءات الجنائية المصري- فإن ذلك يعد مثارا للتساؤل حول مجال نشأة وظهور هذا المفهوم”.
وذهب الباحثان إلى أن ” أن طبيعة قضايا الاتجار في المخدرات تفرز لنا في أغلب الأحيان هذا النوع من المساطر أو التصريحات المرجعية فإن المعالجة الأمنية لجرائم المخدرات تعتبر الأساس في خلقها أيضا”.
واعتبر الباحثان أن ” للسياسة الجنائية المتعلقة بقضايا المخدرات دور كبير في بروز ما يصطلح عليه بالمسطرة المرجعية ذلك أنها أي السياسة الجنائية – في هذا النوع من القضايا على الخصوص يطبعها التشدد – إذ أن النيابات العامة تصدر تعليماتها إلى الشرطة القضائية قصد البحث والإيقاف لأي مشتبه فيه، في هذه القضايا، حتى ولو تعلق الأمر بمجرد مسطرة مرجعية تتضمن تصريحات بكونه يتاجر في المخدرات مثلا”.
بدعة تمس قرينة البراءة واجتهادات قضائية تبطلها:
وينطلق الجدل حول المساطر المرجعية من مدى شرعيتها القانونية، حيث تجمع أغلب الآراء القانونية، إن لم يكن جميعها، أنها لا تمتلك أساسا قانونيا، وتعتبر بدعة أو تقليدا متعارفا عليه في أوساط النيابة العامة رغم ما يمكن أن تخلفه من ظلم.
هذا ما ذهب إليه الأستاذ محماد الفرسيوي، خريج ماستر العلوم الجنائية والتعاون الجنائي الدولي، في مقال نشر له تحت عنوان ” المساطر المرجعية بين الشرعية والممارسة”، نونبر 2019، في مجلة القانون والأعمال الدولية التي تصدر عن مختبر البحث قانون الأعمال بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بسطات.
ويقول الفرسيوي إنه “من خلال استقراء نصوص قانون المسطرة الجنائية وكذلك النصوص المسطرية الخاصة نقف على خلاصة مفادها، أن هذا التشريع بمختلف أنواعه لا يتضمن أي تنصيص صريح على ما يصطلح عليه بالمسطرة المرجعية أو بالمسطرة الاستنادية أو الجزئية، وبالتالي فهو مصطلح غير قانوني أو بالأحرى غير منصوص عليه قانونيا”.
نفس الموضوع تناوله الأستاذ سليم الناصري، الحاصل على الماستر في العلوم الجنائية والأمنية، في مقال له على نفس المجلة، شتنبر 2021، بعنوان ” تقدير القاضي الجنائي لمحاضر الشرطة القضائية المبنية على مسطرة مرجعية”.
ويرى الناصري، في تقديم المقال، أن ” هذا النوع من الإجراءات التي تقوم به الشرطة القضائية خلال بحثها عن الجرائم والتثبت منها، قد يشكل مساسا بالمبدأ الدستوري الذي تضمنته مختلف المواثيق والتشريعات الدولية والمتعلق بمبدأ قرينة البراءة”.
وشكلت المتابعات بناء على المساطر المرجعية موضوع اجتهادات قضائية عدة، وأصدر المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا عدة قرارات نقضت قرارات بشأن قضايا تم الاعتماد فيها على هذه المساطر.
وهكذا سبق لمحكمة النقض أن أصدرت قرارا لها بتاريخ 17 شتنبر 2014، قضت فيه برفض طلب النقض المرفوع من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، في مواجهة متهم حكم ببراءته ابتدائيا واستئنافيا في قضية تتعلق بترويج المخدرات.
وجاء في تعليل القرار ” أن المحكمة لما قضت بتأييد الحكم الابتدائي القاضي ببراءة المطلوب في النقض مما نسب إليه استنادا إلى إنكاره في سائر مراحل الدعوى نافيا أية علاقة له بالمخدرات، مؤكدا أنه لم يزود بها مصرح المسطرة المرجعية الذي له معه عداوة، بعد أن استبعدت شهادة الشاهد (..) لعدم اطمئنانها إليه لكونه يقضي عقوبة جنائية، تكون قد مارست سلطتها في تقدير الأدلة المعروضة عليها طبقا للقانون، فجاء قرارها معللا تعليلا كافيا والوسيلة على غير أساس”.
وفي ظل الجدل الذي تثيره المتابعات المستندة إلى المساطر المرجعية، تضمن مشروع قانون رقم 01.18 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية تعديلات تهم هذه النقطة، حيث جاء في المشروع المذكور أنه “لا يجوز للمحكمة أن تبني قناعتها بالإدانة على تصريحات متهم على آخر إلا إذا كانت معززة بقرائن قوية ومتماسكة” وهو جزء من التعديل المقترح للمادة 286.
وفيما يسعى التعديل المقترح إلى تأطير وضع التصريحات التي تأتي في إطار هذه المسطرة سيظل الجدل حول الجملة التي تلي ذلك، في نفس التعديل، وهي “تتلقى المحكمة هذه التصريحات دون أداء اليمين القانونية” حيث ينصب النقاش حول مشروعية التصريح وعدم ارتقائه إلى مرتبة الشهادة القانونية.