قراءة في مشروع محمد بازّي حول التأويلية العربية (9/9)

-ملفات تادلة 24-

الآليات الخارجية العاملة في خطاب الشرح

  • الاستدلال على مسألة نحوية

يحدث في أحايين كثيرة أن يكون الاستدلال أو الاستنجاد بالشاهد قطعا لمسألة خلافين في النحو، فيصبح الاستدلال ترجيحا لمعنى على آخر أو إضفاء المقبولية عليه. فكثير من الناس يقرأ البيت الشعري المعروف للمتنبي:

واحرّ قلباه ممّن قلبهُ شبـــــمُ     ومن بِجسمي وحالي عنده سقمُ

إن الهاء في “قلباه” بين الضم والكسر كانت مثار نقاش وخلاف بين الشارحين، لذا يلجأ أبو البقاء العُكبَري إلى النحو، إجلاءً للخلاف وحسما للاختلاف، يقول ” قال أبو الفتح: قلباه بكسر الهاء وضمها، وهو غير جائز عند الكوفيين، ولا يجوز إلا في الضرورة، والوجه قال أبو الفتح: الكسر لالتقاء الساكنين، الألف والهاء ومن ضمّها شبّهها بعصاهُ ورحاهُ، والكوفيون يُنشدون لبعض الأعراب:

وقد رابني قولها يا هنا           هُ ويحك ألحقت شرا بشـــــرّ[1]

  • المادة الخبرية :

إن المادة الخبرية المرافقة للنص عُنصر أساس في توضيح المعنى وإبرازه، لذلك يُضمّن خطاب الشرح ـ ضرورة ـ سيناريوهات مصاحبة، تشرح ظروف القول وأسبابه التي لا يمكن في كثير من الأحوال تجليتها اعتمادا على النص وحده،  ومن ذلك يمثل الدكتور محمد بازّي:

يقول المتنبي : كأنّي دحوت الأرض من خبرتي بها     كأنّي بنى الإسكندر السدّ على عزمي

قال: ” الإسكندر هو ذو القرنين قيل كان نبيا، وقال عليه السلام، لم يكن نبيا، بل رجلا صالحا، وقال ابن شهاب الزهري: بلغ قرني الشمس، أي مطلعها ومغربها، وقيل بلغ قُطري الأرض من المشرق إلى المغرب، وقيل عاش في قرنين من الناس..”[2] . هكذا يورد العكبري شرحا خبريا مُصاحبا عن الإسكندر واختلاف الروايات فيه ، كل ذلك من أجل كشف المعنى وتوضيح المُلتبس.

  • لاختلافات النحوية وميولات المُؤوِّل

عندما تَعرضُ للشارح مسألة خلافية، فإن الغالب أن يُرجّح الرأي الذي يسير وميولاته، فيقول بالقول الذي ارتضته فرقته وارتضاه منزعه، وفي مثال خطابنا الشارح، يحسم العُكبري الأمر منحازا إلى المدرسة الكوفية ـ فقد كان كوفي الهوى ـ وهذا مثال بين يورده الدكتور بازّي :

” أبا عُروٍ لا تبعد فكلُّ ابن حُرة    سيدعوه داعي مَيْتةٍ فيُجيبُ

والبصريون يُنكرون هذه الرواية، ويقولون أيا عرو على النداء، ذهب أصحابنا إلى جواز ترخيم المُضاف، وأوقعوا الترخيم في آخر الاسم المُضاف، وحجتهم أنّه قد جاء في أشعار العرب القدماء، كقول زهير بن أبي سلمى:

خُذوا حظّكم يا آل عكرم أحفظوا       أواضِرنا والرّحم بالغيب تُذكرُ[3]

خلاصة

مشروع الدكتور محمود بازّي مشروع موسّع ، حركةٌ، سعي بين قُطبين، ارتداد وامتداد، فاللفظ يسير والمعنى كثير[4]، ويمّ المعنى متضاربةٌ أهواؤه، متلاطمة أمواجه، ولكلٍ وجهة هو موليها. الوجهة هنا معنى أو شرح أو تفسير أو تأويل وأوْل ، قد يكون معتدلا أو مفرطا أو مفرّطا. هكذا هو دأب الناس مع اللغة  والكلمة والخطاب، اللغة سبيل البشر إلى معرفة الكون الذي يضمهم، فمن “سوء حسن” حظ الناس أن اللغة وسيلتهم وفي الوقت نفسه مانعتهم، وحجابهم الحاجز.

فقد سافر الدكتور بازّي عبر مدارج المعنى، و عرى طبقاته، وكشف عن أقنعته ،  وخرّج قوانين للحكم ، تُقيد الشرح  والتفسير، تقريبا للمعنى وأوْلا به إلى حاله الأولى إلى تشكله الأول والصور التي ربما عناه بها صاحبه ومنتجه.

1- محمد بازي، التأويلية العربية، نحو نموذج تساندي في فهم النصوص و الخطابات، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط 1 ، 2010 ، ص 211.[1]

2- محمد بازي م م ، ص 214.[2]

3- محمد بازي، م . م ص214. [3]

4- محمد بازي، م م ، ص57.[4]

ذ.عبد الحكيم برنوص




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...