لوك فيري: يجب تدريس الفلسفة في سنّ مبكّرة / ترجمة خالد جبور

” يُعرّف الدرس الفلسفي في السلك الثانوي على أنه تفكير وحِجاج وصقلٌ للحس النقدي، وما إلى ذلك من التعريفات الشائعة، أما القلب النابض لهذا الدرس فهو الفكرةُ القائلةُ بأن الفلسفةَ منهجٌ في التفكير الهدف منه  إعانة الشباب لبلوغ الاستقلالية الفكرية، وبتعبـيـر آخر، جعلهم يفكرون بأنفسهم. هذا في الحقيقة جزء من إرث ثورة 1789، مع ما نجم عنها من تثبيت لدعائم نظام الاقتراع العام. ففي هذه الفترة التي كان ميلاد الديمقراطية أبرز ملامحها اعتقد معظم أعلام التنوير أنه لابد أن يكون للفرد القدرة على المقارنة بين الآراء الشائعة في الفضاء العام وتمحيصها لكي يصبح مواطنا صالحا قادرا على التصويت بشكل واع. ولتحقيق هذا المُبتَغى أصبح لزاما تعلم التفكير والنقد والتعبير عن القناعات، وتدعيمها بالحجج والبراهين، وغيرها من الآليات التي وَجَبَ على النشأ ضبطها قبل سن البلوغ، أي قبل أن يصبح الشاب مواطنا؛ ومن هذا المنطلق تم إدراج الدرس الفلسفي ضمن برنامج السنة الأخيرة من التعليم الثانوي.

لا يُمكِنُ للمرء إلاّ أن يُقِرَّ بقيمة هذه النظرة إلى الأمور والاعتراف بفوائد الدرس الفلسفي، خصوصا إذا نظرنا إلى إسهاماته فـي مجال التربية على المواطنة؛ إلا أن كل هذا لا يمت بِصِلَة إلى الفلسفة كما هي وكما كانت.

مـن البديهـي أن كل فيلسوف جدير بهذه التسمية يفكرُ ويُحاجِجُ و يمارس حِسَّهُ النقدي. وهل تعتقدون أن العالِمَ ورجلَ السياسةِ والصحافي وحتـى ربة البيت لا يفكّرون ولا يُحاجِجون؟ كل الناس يفكرون، لكن ما كل الناس بفلاسفة! فالفلاسفةُ العظماء – كما سبق وأشـرت –  أجوبَةٌ كُبرى عن سؤال حياة الإنسان، عن سؤال الحياة الجيدة لهذا الكائن المحكوم عليه بالفناء، وهذا أمر بديهي عند أبيقور كما هو الشأن فـي فلسفة اسبينوزا أو نيتشه، وهذا ما يجب تدريسه؛ يجب تدريس هذه التصوّرات الكبرى عن العالم، وليس تلك المفاهيم التي تشوبها الشوائب بدرجات متفاوتة والتـي تُكوّن برنامج الدرس الفلسفي حاليا.

إن جعل المتعلّمين يكتشفون هذه التصورات ويستشفُّونها سيثير شغفهم وفُضولَهم ويُكسِبُهم قواعِد فكرية ومراجع تاريخية لا يمكن تعويضها بغيرها.”

 

ورد النص في العدد رقم 22 من المجلة الناطقة بالفرنسية Question de Philo لأشهر يوليوز-غشت-شتنبر

 

مراكش في 21 دجنبر 2021

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...