في رسالة نارية النقيب عبد الرحيم الجامعي..” لا حق لكم أن تجعلوا المحاكم ملحقات للولايات أو للباشويات تحاصرها سيارات الشرطة “

ملفات تادلة 24-

في رسَالة للرئيسِ المنتدَب ولرئِيس النيَابة العَامة النقيب عبد الرحيم الجامعي: حافظوا على استقلالكم وتجنبوا الزواج غير الشرعي مع السلطة التنفيذية أوقفوا الجائحة القضائية التي تضرب المحاكم والعدالة من جديد…

أنتم في السلطة القضائية لستم تابعين للسلطة التنفيذية، أو منفذين لتعليماتها أو لرغباتها، فلا حق لكم أن تجعلوا المحاكم ملحقات للولايات أو للباشويات تحاصرها سيارات الشرطة لتمنع المحامين من ولوجها، حافظوا على لباسكم المدني وقبعاتكم القضائية لكي تظلوا أمام المتقاضين قضاة وأمام الدستور سلطة قضائية مستقلة، فإن كنتم على استعداد للتنازل عن استقلالكم فإن المحاميات والمحامين سيواجهن وسيواجهون كل اتجار سياسي أو إداري بمبادئ الدستور وباستقلال القضاء، والمطلوب والمفروض أن تظلوا في كراسيكم قضاة فقط، فانحيازكم للسلطة التنفيذية ولقراراتها ولإجراءاتها يفقدكم مصداقيتكم ويشكك في مدى استقلاليتكم، ورسالكتم المشتركة لا قيمة قانونية لها لكنكم جعلتم منها ” قانونا للأقوياء” فرضتم بها ما شئتم من الإجراءات على نساء ورجال المحاماة، تدركون باليقين أنه لا حق لكم اتخاذها و تطبيقها وفرضها بالقوة….

أقول لكم رايي بغيرتي التي لا أساوم عليها، لأنه قبل أكثر من سنة، جر علينا قرار الرئيس المنتدب سابقا للمجلس الاعلى للسلطة القضائية الصادر بتاريخ 16 مارس 2020 انتكاسة مهنية وقضائية لا زالت آثارها قائمة أمامنا وأمام الفاعلين في مجال القضاء، مرتفقين و قضاة ومحامين وموظفين ومعهم باقي مساعدي القضاء، ذلك القرار الفردي الذي نزل عند بداية الكوفيد والذي اتخذه سريا دون سابق إشعار أو حوار أو إخبار أو تقدير أو تقييم ، فأمر بواسطته كل المسؤولين القضائيين بإغلاق الجلسات وتأخير الملفات والذين استجابوا لتعليماته ونفذوها بسرعة ودون نقاش، فتوقف سير المرفق بكامله وتم إخلاء المحاكم وضرب الحصار عليها كي لا يلج إلى قاعاتها ومصالحها لا محامي ولا مناقضي مع استثناءات ضعيفة، وهي تعليمات لم يكن من حقه اتخاذها لأنها غير دستورية و تمس استقلال القاضي وتدفعه لارتكاب انكار للعدالة، ….وظل الجميع أمام الشطط صامتا.

وتسبب آنذاك أول مسؤول على أعلى الهرم القضائي بالمغرب بقراره التحكمي في جائحة مُحرقة أتت على القضاء والمحاكم والمحامين والمتقاضين، فعرقلت سير المرفق القضائي وقتلت حيويته بأكثر الأضرار التي تسبب فيها الكوفيد…

و قبل أيام قليلة، تُكرر من جديد السلطة القضائية بواسطة “رسالة ” وقعها الرئيس المنتدب ورئيس النيابة العامة ووزير العدل نفس الخطأ لكن بأسلوب خطير و مهين، إذ بواسطتها اتفقوا فيما بينهم منع ولوج المحاكم لمن لا يتوفر على الجواز أو لمن لا يدلي به ببواباتها ابتداء من الاثنين العشرين من دجنبر “الحرام ” ، فحرموا على المحامين ممارسة مهامهم داخل المحكمة وسلبوا منهم حرية وحقوق الدفاع بجرة قلم حبر وبتوقيع متسرع وبعيون لم تقرأ النص ببصيرة.

اليوم صفحة تاريخية مثيرة للخوف تجتمع فيها السلطتان وتختلط وتتوحد ضد المحامين وضد السير العادي للمحاكم والجلسات.

اليوم يشهد التاريخ أن السلطتين معا القضائية والتنفيذية، تجتمعان لاختيار إجراء بأسلوب ينتهك مقومات الدستور وحقوق الانسان وحقوق المتقاضين دون رقيب ولا حسيب، ليعلنان حالة استثناء، لأسباب لا تستحق اتفاق الأركان العامة القضائية والتنفيذية.

اليوم تقود السلطة القضائية والسلطة التنفيذية حملة غير مسبوقة ملطخة بالشطط ضد هيئات الدفاع بكامل التراب الوطني، مستعملة من أجلها قوات الأمن والشرطة العلنية والسرية، وحواجز بشرية ببوابات المحاكم، بكل مظاهر التخويف وعلامات التهديد التي استنفرتها لمهمة غير دستورية.

أنتم بالسلطة القضائية أصحاب الولاية على سير مرفق القضاء منعتم المحامين من ولوج المحاكم إلا بالجواز، لكنكم تعلون وتعلم معكم السلطة التنفيذية بأن عشرات الآلاف من المواطنين يستعملون يوميا القطارات ويلجونها دون الالتفات للجواز، وتعلمون بأن القطارات أكثر وبكثير من المحاكم ازدحاما ومعرضة أكثر لمخاطر العدوى، فما هو موقفكم منها وما موقف زملاؤكم بالحكومة.

أنتم بالسلطة القضائية تمنعون المحامين من ولوج المحاكم إلا بالجواز، لكنكم تعلمون بأن أكبر المراكز التجارية وأكبر الأسواق وأكبر الحانات وأكبر محطات الوقود وأكبر المطاعم وأكبر مواقف السيارات وأكبر المراقص، وأكبر الفنادق و و و، يراودها عشرات الآلاف يوميا دون رخصة ولا جواز ولا مراقبة …فلماذا اتفقتم مع زملائكم بالحكومة على إجراءات ضد المحامين…

إن رسالتكم المشتركة إهانة توجه لنساء ولرجال الدفاع بكل الأسف، اخترتموه باسم الحذر و باسم الوقاية وباسم الاجراءات الصحية، وكلها إن كانت في مبدئها يمكن القبول بها دون معارضة، لكن كان عليكم اختيارها وتدبيرها بأساليب حكيمة، ومنهجية أكثر ذكاء، تقوم على ترك وتفويض الأمر للجهات المعنية محليا بداخل كل محكمة وهي هيئة المحامين والمسؤولين القضائيين، فهم من يُقدر واقع حال المحكمة وما يحتاجه تنظيم الوقاية من إجراءات بعيدا عن القوة والحواجز الحديدية والحصار.

إن اتفاقكم مع السلطة التنفيذية على إجراءات بعيدة عن اختصاصاتكم وغير مشروعة سيجر مستقبلا مخاطر عليكم وعلى حق المتقاضين في أن تظلوا مستقلين بكل معاني الاستقلال، إنكم لن تستطيعوا التخلص منها بسهولة، فاستقلالكم مسؤولية تفرض عليكم التصرف تحت قيودها، واستقلالكم حق للمتقاضين عليكم.

إن استقلالكم قيد دستوري على أعناقكم وعلى أيديكم لا يمنحكم صكا للتخلي عنه وتصريفه لفائدة سلطة أخرى مهما كان الأمر مما كان يفرض عليكما بالسلطة القضائية أن تتخذا نفس ما اتخذه زميليكم رئيس محكمة النقض الفرنسية والوكيل العام بها القاضيان Bernard Louvel et Jean Claude Marin في رسالتهما المشهور للوزير الأول الفرنسي بتاريخ دجنبر 2016.

النقيب عبد الرحيم الجامعي

الرباط بتاريخ : 20 دجنبر 2021

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...