أغراس.. أغراس – افتتاحية العدد 475 من جريدة ملفات تادلة

 – ملفات تادلة –

عرض رئيس الحكومة المغربية برنامج حكومته على البرلمان، وحدد فيه عشرة التزامات للحكومة خلال الخمس سنوات القادمة. ويأتي البرنامج الحكومي أو ’’التصريح الحكومي‘‘، وهذا هو دوره، لبسط رؤية الحكومة وتقديم مجالات تدخلها وترتيب الأولويات حسب القطاعات، ورسم معالم السياسات التي ستؤطر برامجها في مختلف الميادين.

وقد اعتمد تصريح حكومة أخنوش على لعبة الأرقام، التي مكانها هو قوانين المالية، حيث كرر الوعد الانتخابي بخلق مليون منصب شغل، ورمى برقم يرتبط بالرفع من نسبة نشاط النساء في ميدان الشغل، فضلا عن الرفع من تصنيف المغرب إلى الرتبة 60 بدل الرتبة المتدنية في جل المؤشرات العالمية وهو الأمر التي كانت الماكينة الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية تنكره على الدوام وتدعي أن هذا التصنيف يأتي من جهات معادية للمغرب ومصالحه.

وعلى نفس الصعيد انبرت الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية والنواب البرلمانيون لمناقشة برنامج الحكومة، غير أن مداخلات ’’المعارضة‘‘ اتخذت منحى تصفية حساب عدم إشراكها في الحكومة أو انتكاستها في الانتخابات أو القول فقط نحن هنا، وكان رئيس الحكومة  و ’’حزبه‘‘ هدفا مناسبا للسهام التي انطلقت، وقد يكون استحقها بجدارة.

وتقدم الحكومة الجديدة نفسها حكومة للتغيير، ولا تنفك الأغلبية الجديدة تصريحا أو تلميحا ’’تلعن‘‘ سابقاتها التي أوصلت سياساتها ’’الكارثية‘‘ المغرب إلى وضع مأزوم محيت فيه ’’الطبقة المتوسطة‘‘، هي إذن حكومة ’’أغراس‘‘ التي ستعالج ما أفسدته حكومة ’’الخواض‘‘ السابقة، وبالطبع كسابقاتها سيمكنها التحجج بالإرث الثقيل إن فشلت في إقناع المغاربة أن حالهم تغير بعد خمس سنوات.

لكن نظرة سريعة على لائحة أعضاء الحكومة الحالية تبين أن أكثر من نصف وزراء أخنوش هم وزراء سابقون بما في ذلك هو نفسه، فالرجل كان اسما ثابتا في ثلاث حكومات متعاقبة غادر رؤساؤها وبقي على كرسي الفلاحة الذي لم يغادره إلا ليتسلم مفاتيح مكتب رئاسة الحكومة.

إضافة إلى أخنوش احتفظ خمسة من زملائه بمناصبهم في نفس الوزارات، حيث لم يغادر عبد الوافي لفتيت، ناصر بوريطة، أحمد التوفيق ومحمد حجوي مكاتبهم فيما استعاد خالد آيت الطالب كرسيه بعد أن غادره لمدة تقل عن أسبوع بعد ’’طلب الإعفاء‘‘ المثير للجدل الذي تقدمت به خليفته وسلفه في نفس الوقت نبيلة الرميلي.

أعضاء آخرون من بقية فريق أخنوش بدورهم ليسوا غرباء عن المكاتب الوزارية، فنزار بركة هو وزير الاقتصاد والمالية الأسبق والرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أما شكيب بنموسى فهو وزير الداخلية الأسبق فضلا عن كونه سفيرا سابقا قبل أن ينبت ريش حمام ’’الأحرار‘‘ على كتفيه، كما أنه رئيس لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد.

إضافة إلى الوزراء الذين سلف ذكرهم فالوزراء المنتدبون أيضا بينهم من ليسوا غرباء تماما عن مكاتب الوزارات، كمحسن جازولي الذي شغل سابقا منصب الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية، ويونس سكوري الذي كان مستشارا لبنموسى حين كان وزيرا للداخلية، ورياض مزور الذي كان مدير ديوان وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي السابق، إضافة إلى مصطفى بايتاس الذي كان مستشارا سابقا في ديوان أخنوش حين كان وزيرا للفلاحة.

وتأتي بعد هؤلاء الوزراء الجدد/القدامى، أسماء جديدة كليلى بنعلي وعبد اللطيف ميراوي العضوان في لجنة إعداد النموذج التنموي التي ترأسها شكيب بنموسى، إضافة إلى فاطمة الزهراء عمور مديرة التسويق في هولدينغ ’’أكوا‘‘ الأمبراطورية الاقتصادية لرئيس الحكومة.

عادة لدى الحكومات السابقة أنها كانت ترمي بفشلها على أسلافها، وأكثر من ذلك فقد كانت ’’تٌغْني‘‘ المعجم السياسي بمصطلحات تعبر عن فشلها في التغيير الذي كانت تعد به، فحكومة اليوسفي مثلا ابتكرت مصطلح ’’جيوب التغيير‘‘ بينما حكومة بنكيران ابتكرت ’’التماسيح والعفاريت‘‘، بينما إن فشل أخنوش في القيام بالتغيير فسيكون قد استبق الأمر في حملته الانتخابية وسيدخل شعار ’’تستاهل ما أحسن‘‘ المعجم السياسي بجدارة.

تتميز الحكومة الحالية بكونها تتشكل من ثلاثة أحزاب فقط، إضافة إلى حزب ’’اللاحزب‘‘، كما أنها تتمتع بأغلبية جد مريحة جعلت رئيسها يرفض عروض أحزاب تشبثت بحبال سفينته إلى غاية لحظة الإبحار، كما تقدم نفسها ضمنيا كحكومة ’’مقاولة‘‘ يدبرها عقل تجاري يعرف مكامن الربح ويحسن اقتناص الصفقات ويعرف كي يربح حين يخسر الجميع وكيف يراكم الثروة حين يفقر الجميع في وقت الأزمات.

لقد تحدث أخنوش في عرضه أمام عن المحاور الاستراتيجية والمبادئ التوجيهية، وإن كان أكثر من نصف الحكومة قديما فالجديد الذي تعرضه وما وصل إلى الشارع هو رضى الملك والمشروع التنموي الذي وضعه الملك، وهي بذلك تقدم الملك نفسه ضمانة للمغاربة الذين ينتظرون أن تتحسن أحوالهم فعلا لا على الورق فقط، فالأرقام الوحيدة التي يصدقها المواطن في النهاية هي الفرق بين فواتيره وتكلفة المعيشة وما يتبقى في جيبه آخر كل شهر.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...