وادي زم: حينما تتشابك أحلام الفقراء مع جشع لوبيات العقار بدرب ” الدخان “

-محمد لغريب-

لا أملك سوى هذه البقعة، أنا عاطلة عن العمل وأرملة وأعاني من عدة أمراض، حلمي أن أبني بيتا أستقر فيه أنا وأبنائي بنبرة حزن تحدثت للجريدة فاطمة المعطاوي، إحدى السيدات التي طال بيتها الهدم فجر يوم الخميس 16 شتنبر الجاري بحي المسيرة بمدينة الشهداء.

كان الهجوم مفاجئا وغادرا، كنا نيام ولا نعلم ما يجري حولنا، استفقنا مذعورين على وقع ضجيج سيارات القوات المساعدة وجرافة الهدم وصياح النساء والأطفال، كان ذلك في حدود الساعة الرابعة صباحا تقول فاطمة.

ثم تضيف ” التمست منهم أن يتركوا بيتي الوحيد الذي أسكن فيه، حاولت أن أشرح لهم وضعي، لكن دون جدوى، أنا الآن أعيش تحت الصدمة جراء ما حدث فجر اليوم.

وضع فاطمة يتقاسمه العشرات من المواطنين والمواطنات ممن التقتهم الجريدة حينما زارت الحي بعد الغارة المفاجئة، منهم الأرامل والعجزة والمرضى الذين يعيشون تحت بيوت بلاستيكية ويحلمون ببت من الإسمنت يحميهم من قر الشتاء وحر فصل الصيف.

لم يكن أحد من ساكنة الدرب يتوقع أن يتم الهجوم فجرا وبتلك الأعداد الكبيرة من القوات العمومية، وأن تتحول أزقة الدرب إلى ما يشبه ساحة حرب، فقد ظلوا يتلقون التطمينات من المرشحين والوسطاء وسماسرة العقار، بعد أن غضت السلطة الطرف عما يجري بالدرب طيلة أيام الانتخابات وبعدها، لذلك لا زالت هواجس إعادة الكرة مرة أخرى، وتجدد المواجهات مسيطرة على النفوس هنا بالدرب.

تتشكل أغلب ساكنة ” درب الدخان ” بحي المسيرة من مهاجرين ينحدر أغلبهم من قبائل مجاورة كـ ” السيالغة ” و” أولاد فنان ” و” الحوازم ” ” طرش ” وغيرهم ممن قدفت بهم ظروف الجفاف وشظف العيش والبطالة إلى مدينة وادي زم، حيث تعيش عشرات الأسر ظروفا مزرية بسبب الحرمان والفقر الذي يطوق أعناق أغلب ساكنة الدرب.

كثافة سكانية كبيرة، ونقص حاد في البنيات التحتية، والأزقة ضيقة، والبيوت البلاستيكية منتشرة هنا وهناك، وجزء كبير من الحي يخيم عليه الظلام، وشباب عاطل عن العمل أمله الوحيد الهجرة إلى الديار الأوروبية والهروب من هذا الواقع القاسي جدا، وخلف هذا الركام الفوضوي من البيوت والاكواخ يعيش الناس ظروفا مأساوية لا تراها عيون الماسكين بزمام المسؤولية بالمدينة.

يشهد درب الدخان بوادي زم حركة دؤوبة للبناء العشوائي، ارتفعت وتيرتها مع بداية الحملة الانتخابية، وتواصلت إلى ما بعد اقتراع 8 شتنبر، فالحركة تنشط بالدرب ليلا ويتحول سكونه إلى ضجيج، بفعل آلات البناء وعربات نقل الرمال والآجور، ويتجند الشباب للعمل كمساعدين للبنائين في صراع مع الزمن قبل أن يحل الصباح، حيث تعود الحياة إلى طبيعتها.

هنا بدرب الدخان، نمت العشرات من المساكن وأساسات البقع الأرضية، وتم تجزيء مساحات كبيرة من الأراضي على أطراف الحي في انتظار أن تحين الفرصة لتحويلها إلى دور مبنية للسكن أو للبيع تعود بأرباح بالملايين من السنتيمات على لوبيات العقار الذين يغتنون على حساب الفقراء.

نحن نعيش تهميشا حقيقيا في هذا الحي لا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا مسالك معبدة، كل المسؤولين تخلو عنا، رغم الوعود التي تلقيناها على مدار سنوات، لا شيء تغير حتى اليوم، لا زلنا ننتظر التفاتة ممن وضعنا ثقتنا فيهم يسرد لنا سعيد حجراوي معاناته بعد أن غالبته الدموع.

ثم يضيف لا نريد أكثر من سكن يحفظ كرامتنا، نحن نعاني في هذا الدرب ” ” حنا بغينا غا نتسترو ونسترو وليداتنا ” ليس لنا من خيار سوى الاستقرار هنا، نحن نعاني صيفا وشتاء “، يقول سعيد وهو يشير إلى كوخه البلاستيكي.

فخلال فصل الشتاء تتحول أزقة الدرب إلى جحيم بسبب البرك المائية والأوحال، وتتضاعف معاناة الناس وتطفو ملامح البؤس على وجوه درب الفقراء، ويتحول الوضع من سيء إلى أسوأ، دون أن تتدخل أي جهة لرفع المعاناة عن الساكنة تقول تصريحات متطابقة للساكنة.

طلبت مرارا رخصة من أجل البناء لكن رفضت مصالح الجماعة منحي إياها، تم حرماننا من الماء الصالح للشرب والكهرباء، نحن نعاني كل أشكال التمييز في هذا الدرب بسبب أعوان السلطة. يصرخ بغضب محفوظي بوعزة وهو من ساكنة الدرب.

جولة بأطراف الحي تجعلك تقف مشدوها مما تراه العين من بقع معدة للبيع وللبناء، ما يحيل إلى تورط لوبيات العقار في عمليات التجزيء السري التي تجري أمام أنظار السلطات المختصة دون أن تحرك ساكنا.

إن المشاكل المتراكمة بهذا الدرب ترجع بالأساس إلى انتشار ظاهرة التجزيء السري وإلى وضعية الأراضي السلالية (تعود ملكيتها لقبيلة الحوازم) التي تشيد عليها هذه المنازل، على المسؤولين التدخل عاجلا لإيجاد حلول مناسبة لانتشال هذا الدرب من هذه الوضعية المزرية “ يقول ياسين زهري، الفاعل الجمعوي بمدينة وادي زم، في تصريح للجريدة.

تم يضيف منذ أزيد من عشرين سنة وساكنة الدرب تعاني هنا، فهذه الأوضاع التي تعيشها الساكنة هي نتاج فشل سياسة المجلس الجماعي السابق على مدار 15 سنة تحمل فيها المسؤولية.

أما حادة الزرايبي فصرحت بنبرة أسى وحزن لقد بعت بعض أغراضي كي أشتري الرمال والإسمنت من أجل بناء حجرة تقينا الحر والقر مثل باقي جيراننا، غير أنني فوجئت بقرار الهدم، وبتلك الأعداد الكبيرة من القوات العمومية التي هجمت علينا.

حادة المرأة ذات السبعين عاما، ناشدت السلطات بالاستجابة لمطالب ساكنة الدرب بمنحهم رخص البناء والسماح لهم بتشييد منازل تحفظ كرامتهم.

بدوره سعيد اليوسفي قال في تصريح للجريدة اقتنيت هذه البقعة الأرضية من أجل بناء بيت، فنحن نعيش ظروفا صعبة مع الكراء، وما يتطلبه من مصاريف لأن أغلبنا ليس لديه عمل ولا دخل قار.

ثم يضيف سعيد الذي وجدناه منهمكا في حفر أساس بقعته ليس أمامنا من خيار سوى السماح لنا ببناء بيوت نستقر فيها، نحن لسنا ضد القانون ولا نتهرب منه ولكن على المسؤولين النظر إلى أحوالنا القاسية بهذا الحي.

حادة وسعيد وفاطمة وبوعزة وآخرون يطالبون السلطات بالمدينة بإيجاد حل عاجل لمطالبهم، والأخذ بعين الاعتبار وضعية أغلب الأسر التي تفتقر إلى مدخول قار، وهي في أمس الحاجة إلى بيوت لضمان كرامتها، وصون حياة فلذات أكبادها من التشرد والانحراف.

هنا في درب الدخان، تتشابك أحلام الفقراء ويصارعون من أجل بناء بيت، مع جشع لوبيات العقار المستفيد الأول من هذه المعاناة، ويجري كل ذلك تحت أعين السلطات، فهل تتدخل من أجل لإيجاد حل لمشكل الدرب وتجاوز هذا الوضع الاستثنائي الذي يعيشه، كما تعيشه وادي زم المدينة المناضلة والمهمشة بدورها، والتي سجلت اسمها في التاريخ بعد أن واجه أهاليها المستعمر الفرنسي بصدور عارية خلال انتفاضة غشت 1955. وهل سيفتح تحقيقا في الموضوع؟




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...