– ملفات تادلة24- أ ف ب
فقدت السينما الفرنسية الاثنين أحد أبرز أعلامها مع وفاة الممثل جان-بول بلموندو عن 88 عاما، بعد مسيرة طويلة استمرت أكثر من نصف قرن أثرى خلالها المكتبة السينمائية بعشرات الأدوار المتنوعة في أفلام لا تزال محفورة في ذاكرة الملايين.
فقد توفي الممثل الذي شارك في ثمانين فيلما، الاثنين في منزله في باريس، على ما أعلنت عائلته في بيان أرسلته بواسطة محاميها لوكالة فرانس برس.
ولا تزال أعمال كثيرة قدمها محفورة في ذاكرة محبي السينما الفرنسية، بينها دوره كشاب وسيم في “أبو دو سوفل”، أو مشاهده في فيلم “لو غينيولو” التي ظهر فيها معلقا بطوافة كانت تحلق فوق أجواء مدينة البندقية الإيطالية.
وانطلق بلموندو صاحب الكاريزما العالية والابتسامة المشرقة، في مسيرته التمثيلية على خشبة المسرح، قبل أن تحمله عطاءاته على مر العقود إلى قمة شباك التذاكر الفرنسي، مع حصيلة تراكمية لأعماله بلغت 130 مليون مشاهد في صالات السينما.
وبعدما كان أحد أكثر النجوم شعبية من أبناء جيله، مع آلان دولون وبريجيت باردو، غاب جان-بول بلموندو بصورة شبه كاملة عن الشاشات إثر تعرضه لجلطة دماغية أثناء تصويره أحد الأعمال سنة 2001.
وتطوي وفاة جان-بول بلموندو صفحة أساسية في تاريخ السينما الفرنسية، لينضم إلى كوكبة من زملاء المهنة الذين جمعته بهم صداقة منذ أيام الدراسة في معهد الكونسرفاتوار، من أمثال جان روشفور وجان بيار مارييل وبرونو كريمير وكلود ريش.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر تويتر جان-بول بلموندو بأنه “كنز وطني”، قائلا إنه “سيبقى إلى الأبد +لو مانيفيك+ (“الرائع”، وهو اسم أحد أفلامه في السبعينات)”.
وشكل جان-بول بلموندو مثالا أعلى لممثلين كثر، بينهم جان دو جاردان الذي كان يعتبره “أحد آخر أبطال” السينما الفرنسية. وهو لفت أنظار الملايين بأدائه التمثيلي، حتى أن أداءه في فيلم “لوم دو ريو” ألهم المخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ في فيلمه “إنديانا جونز”.
ولا تزال أعمال بلموندو تستقطب أعدادا كبيرة من المشاهدين الفرنسيين، على الشاشة الكبيرة أو التلفزيون أو أخيرا عبر “نتفليكس”، خصوصا مشاركاته في أعمال بوليسية للمخرج جان لوك غودار.
وقد شك ل اللقاء مع هذا السينمائي البارز للموجة الجديدة نقطة فاصلة في مسيرة الممثل. فقد قال غودار لبلموندو بعد مصادفة جمعتهما في الشارع “تعال إلى غرفتي في الفندق، سنصو ر معا وسأعطيك 50 ألف فرنك”. وو لد عن اللقاء فيلم “أبو دو سوفل” سنة 1960 حين لم يكن بلموندو قد بلغ الثلاثين من العمر.
وتواصل التعاون بين الرجلين في أعمال لاحقة بينها “أون فام إيتون فام” سنة 1961 و”بييرو لو فو” عام 1965.
وراكم جان بلموندو بعدها النجاحات. ومن جان بيار ميلفيل (“ليون موران، بريتر”) إلى فرنسوا تروفو (“لا سيران دو ميسيسيبي”) مرورا بلوي مال (“لو فولور”)، تنافس السينمائيون على التعاون مع الممثل الذي شك ل طويلا المنافس الوحيد للنجم آلان دولون.
وقد علق بلموندو في تصريحات سابقة على هذه الثنائية مع دولون، قائلا “أنا وهو كالنهار والليل”، واصفا العلاقة بينهما بأنها “صداقة مخلصة” بعيدا من التنافس الذي كان سائدا بحسب آراء النقاد.
وإثر الإعلان عن وفاة بلموندو الاثنين، قال آلان دولون الذي شارك معه في أفلام عدة إنه “محطم بالكامل” بعد علمه بالنبأ.
وقال الممثل البالغ 85 عاما عبر قناة “سي نيوز” الإخبارية “أنا محطم بالكامل. سأحاول الصمود كي لا أحذو حذوه بعد خمس ساعات… قد يكون من الجيد لو نرحل كلينا معا. هو كان جزءا من حياتي، لقد انطلقنا سويا قبل 60 عاما”.
واتسمت أدوار بلموندو المعروف لدى الجمهور بلقب “بيبيل”، بصعوبتها على صعيد المتطلبات البدنية، فيما ساعده قوامه الرياضي الشبيه بأجسام الملاكمين في تحقيق نجاحات جماهيرية في أفلام مثل “لوم دو ريو” لفيليب دو بروكا (4,8 ملايين مشاهد في السينما سنة 1964)، و”لو بروفيسيونال” (1981) لجورج لوتنر و”لاس ديزاس” (1982) لجيرار أوري (أكثر من خمسة ملايين مشاهد في الصالات).
وتقاسم بلموندو الحائز جائزة “سيزار” عن دوره في فيلم “إيتينيرير دان انفان غاتيه”، الشاشة مع بعض من أبرز الممثلات بينهن كاترين دونوف وكلوديا كاردينالي، كما ارتبط بقصص حب مع البعض منهن، من أمثال أورسولا أندريس ولورا أنتونيلي.
وتسببت الجلطة الدماغية التي تعرض لها سنة 2001 بإعاقة كبيرة له، ما تجلى خصوصا بتراجع قدراته على النطق. لكن رغم اختفائه شبه الكامل عن الشاشة الكبيرة، أطل بلموندو في مناسبات عدة أقيمت تكريما له، بينها حصوله على جائزة “سيزار” شرفية سنة 2017.
وهو قال أمام أقربائه وشخصيات من عالم السينما اجتمعوا للمناسبة “عندما كنت أقصد المسرح في ريعان الشباب، كان الجميع يرى أن وجهي لا يسمح لي أن أكون ممثلا (…) قالت لي أمي إن علي التحلي بالشجاعة مثل والدي. ولم تكن الشجاعة تنقصني يوما، لذا أنا هنا اليوم”.
وقد عرف الرجل بحبه للحياة، وله أربعة أبناء (بينهم ابنة متوفاة تدعى باتريسيا) من زواجين.
وهو نقل حبه للسينما إلى ابنه بول الذي خاض غمار المسرح والتلفزيون بموازاة مسيرته كسائق محترف، كما أن حفيده فيكتور كانت له بدايات واعدة في السينما.
كذلك وجه المندوب العام لمهرجان كان السينمائي تييري فريمو عبر تويتر تحية إلى الممثل الراحل كاتبا “شكرا جان-بول”. وأشاد بـ”سخائه كإنسان وممثل”.