ملفات تادلة 24 – محمد الهلالي
الكاتب المغربي مصطفى الحسناوي سكن الكتابة ودروبها منذ أواخرالسبعينات. كاتب متجول بين المدن والأمكنة والحانات والأجساد، ومتجول أيضابين النصوص والعوالم والفلسفات. يقول في روايته الأخيرة ” دليل الحائرين” (الصادرة سنة 2019، عن مطابع الرباط نيت، الرباط، ص: 26) “عشت أغلبسنوات حياتي متنقلا عبر المدن، أقيم بضع سنوات في هذه، وأخرى في تلك(…) علمني الترحال الدائم درس الفقدان“.
يكتب مصطفى الحسناوي كمنقب عن معاني حياة تنفلت منه فلا ييأس منتتعبها وملاحقتها في أمكنة وأجساد وحالات ووضعيات تحتاج لمفاتيح سريةولدربة دائمة التجدد. لم يفارق نصوص سبينوزا منذ أن اقتطع لنفسه حيزاخاصا به في اللغة العربية وعالمها. حيز ملأه بنصوصه المتعددة والمتنوعةوالمختلفة (كتاب “خرائطية الكتابة“، الصادر عن منشورات كراس للفن والإبداعالمغاير ببيروت سنة 1998، كتاب “نسيج الصداقة” الصادر عن منشوراتاختلاف سنة 2001 بالرباط، كتاب “في الفكر والشعر” الصادر عن اتحادكتاب المغرب سنة 2001 بالرباط، كتاب “فوكو والسياسة” الصادر عن منشورااختلاف سنة 2003 بالرباط، كتاب “كتابات الأحياء” الصادر عن منشوراتالشاطئ الثالث سنة 2006، مجموعة قصص تحت عنوان “هذيان الأعضاء” صدرت عن منشورات الشاطئ الثالث سنة 2007، كتاب “نيتشه وجوهالفيلسوف“، الصادر عن دار التوحيدي سنة 2010، كتاب “الحياة والسلطة” الصادر عن دال لنشر بسوريا سنة 2012، رواية “مقبرة الفيلة” الصادرة عن“منشورات اتحاد المغرب” بالرباط سنة 2013، كتاب “سياسة فوكو” الصادرعن منشورات التوحيدي سنة 2015، رواية “في الطريق” الصادرة عن“مؤسسة الرحاب الحديثة بلبنان سنة 2017، رواية “عندما عبرنا النهر” الصادر عن مؤسسة الرحاب الحديثة” بلبنان سنة 2018، رواية “دليلالحائرين” الصادر عن “الرباط نيت” سنة 2019)، كما ملأه بشخصياتالفلاسفة والكتاب والروائيين والسينمائيين والموسيقيين.
يوجد سبينوزا في صدارة الفلاسفة الذين سكنوا نصوص وحياة مصطفىالحسناوي، بحيث تحول فضاؤه الفكري إلى مسكن قلق ومتمرد يتعايش فيهسبينوزا مع نيتشه وجيل دولوز وميشيل فوكو.
لكنه فضاء يسكنه خلسة وبعناد واضح كاتب متمرد هو شارل بوكوفسكي. فالكتابة الأدبية لمصطفى الحسناوي تذكرنا، من حيث مبدئها المتحكم فيها، بعالم شارل بوكوڤسكي. فالكتابة تمتزج بالحياة الواقعية الفعلية، والجرأةتتحدى الخيال والعوامل المفبركة، وتنتصر للواقع الحي الصارخ الذي يملأسكنات ونبضات المشاعر والكلمات.
في مجال الفلسفة، يواجه مصطفى الحسناوي إشكالات من قبيل الحقيقةواقتصادها والمثقفين والسياسة والأنوار والسلطة والحرية والسلم والحربوالصداقة… أما في مجال الرواية فيحول واقع الأمكنة والنساء اللواتي لا تملكنشيئا آخر غير أجسادهن لاستعمالها في العمل الاقتصادي أو العمل الجنسيوالحانات والمدن… إلى بوح وشكوى وتمرد واستسلام.
يحكي مصطفى الحسناوي عن واقعة مؤسسة لذاكرته، تعود لسنة 1965 حيثكاد أن يفقد الحياة في الدار البيضاء، في شريط وثائقي أعد حوله.
عنوان الشريط هو: “الهامش كَيْتكلّم“. ويمكن مشاهدته من خلال الرابطالتالي:
ولقد حكى هذا الحدث بالتفصيل في روايته التي تحمل العنوان التالي: “عندماعبرنا النهر” حيث يكتب في الصفحة 8 ما يلي: “كان بإمكان الطفل ذو الثمانسنوات أن يموت حينها، أن يسقط هو الآخر ضحية. مر بوليسي غاضب منأمامه حاملا مسدسا والشرر يتطاير من عينيهن استدار نحوه وصرخ فيوجهه: (اطلعْ لْداركمْ لْدِينْ مّكْ). لكن شغبه الطفولي أبقى عليه جالسا هناك، ليرى ما يقع. فاحت رائحة الدم والموت من المكان، أفغمت خياشيم الطفل. أجساد المعطوبين وجثث القتلى متناثرة فوق الإسفلت، كما لو أن الأمر يتعلقبساحة معركة بعد أن انتهى صخب الحرب ووطيسها. الجنود يحملون الجثثويلقون بها في الشاحنات، لا يفرقون بين الجرحى والمعطوبين والقتلى، يلقونبها مثل النفايات“.
يسافر مصطفى الحسناوي في نصوصه من سبينوزا (الذي يعتبره مرجعاحاسما في تصوره للفكر وللحقيقة وللسياسة) إلى بوكوفسكي (الذي يعتبرهنموذجا في الإخلاص لحقيقة الحياة).
سبق نشره
” في الحوار المتمدن “
بتاريخ 18- 08- 2019