نبيلة منيب في حوار مع ملفات تادلة: المؤسسة الملكية ظلتّ الفاعل الأساسي ولهذا يعرف المغرب أزمة مركبة

   – ملفات تادلة 24 – 

حوار

حاورها: خالد أبورقية

رافق تشكيل لجنة النموذج التنموي الجديد جدل واسع حول منهجية تشكيلها ومدى دستوريتها، هل تعتبرون أنكم تجاوزتم هذا الجدل أم أن التقرير الذي قدمته سيعيد فتحه من جديد؟

المشكل لا يكمن في عدم دستورية اللجنة إذا كان تقريرها سيطرح للنقاش العمومي تساهم فيه القوى الفاعلة من أجل إبداء الرأي فيه وبعدها يحدد النموذج وأولوياته والقطائع الأساسية والإصلاحات الضرورية وآليات تطبيقه. بل الإشكال في كون المغرب يتوفّر على مؤسسات دستورية ضمنها المندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي سبق وأن وضع نموذجا هاما لتنمية الأقاليم الجنوبية و يقدّم تقارير و دراسات هامة، حيث كان ممكنا القيام بعمل تنسيقي بين هذه المؤسسات و غيرها بالإضافة إلى المعاهد العلمية مثال معهد الدراسات الاستراتيجية ومن خلاصات مناظرات الإصلاح الضريبي وكذا مذكرات الفاعلين السياسيين الجادّين التي كان يجب أن تشكّل المنطلق.
هناك مشكل أخر متعلّق بمنهجية العمل التي اعتمدت الاستماع الواسع وهمشت المقاربة العلمية و الأكاديمية. ثمّ إن التقرير لم يقدّم، التشخيص الشامل حيث ابتعد التقرير عن السؤال السياسي ودور السياسيين وتداخل السلط وتأثير ربط السلطة السياسية بمجال المال والريع وتكلفة غياب الديمقراطية وعدم استقلال القضاء، ولم يقم بالتقييم العلمي الدقيق ليقف على الاختلالات التي طبعت الاختيارات والسياسات المتبعة في بلادنا ولم يقم بتحديد المسؤوليات لننتقل إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.

«تقرير اللجنة عندما يتنكّر للمدخل السياسي فهذا يوحي بأن المقصود ليس الإصلاح الجذري والقطائع اللازمة لإعادة الثقة وخلق شروط تعاقد مجتمعي جديد بين الدولة و المجتمع، و إنما محاولة إلهاء المغاربة عن الحراكات الشعبية العارمة وعن ضرب الحريات ورجوع السلطوية وربح الوقت»اعتبر البعض أن تعيين الملك للجنة النموذج التنموي الجديد دليل على إفلاس الطبقة السياسية، بمعنى أن الأحزاب لا تملك برامج واقعية وحقيقية قابلة للتنفيذ، وهذا ما يجعل المؤسسة الملكية هي اللاعب الوحيد في الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذهبت آراء البعض إلى أننا بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة تواكب خطوات المؤسسة الملكية، ما رأيكم في ذلك؟

 

إن تشكيل لجنة هو أولا تعبير عن فشل النظام والمقاربة التي اعتمدها على المستوى السياسي، منذ الاستقلال، من مركزة السلط وفساد اللعبة السياسية وجعل الأحزاب عند الطلب وتسييد التكنوقراط وإفشال إمكانية الانتقال لنظام ديمقراطي، بصيغة الملكية البرلمانية، ولمجتمع ديمقراطي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والمناطقية والكرامة والتوزيع العادل للثروة، وفشل اقتصادي حيث طور نظاما نيوباتريمنيالي مبني على الريع والامتيازات والاحتكار والفساد والرشوة واستغلال النفوذ والإفلات من العقاب، والانفتاح غير العقلاني على التبادل الحر و إغراق البلاد في المديونية و خوصصة عشوائية لازالت تستكمل أخر أشواطها لتستكمل الدولة التخلّي عن سيادتها كاملة، عوض الشروع في إصلاح ضريبي ومراجعة السياسة النقدية لإيجاد مداخل لتمويل المشاريع و ليس مزيدا من المديونية.
هذه الاختيارات أدت إلى فشل اجتماعي مع توسيع الشرخ الاجتماعي وارتفاع الفوارق، إثر عدم تطبيق الجهوية الحقيقية المتضامنة والمتكافئة وتوفير الدعم المادي واللوجستي لها، حيث تراجع دور الدولة الاجتماعي في الصحة العمومية والتعليم العمومي وتوفير السكن وفرص الشغل واتساع دائرة الفقر، أدّى إلى تدمير الثقة بين الدولة والمجتمع، وإفشال المنظومة التربوية العمومية والصحة العمومية والمجال الإبداعي والثقافي ومجال البيئة.
المؤسسة الملكية ظلتّ الفاعل الأساسي ولهذا يعرف المغرب أزمة مركبة، يجب إعطاء الأجوبة الكافية لها، انطلاقا من معالجة الاختلال البنيوي المرتبط بطبيعة النظام والفساد المرتبط به. وتقرير اللجنة عندما يتنكّر للمدخل السياسي فهذا يوحي بأن المقصود ليس الإصلاح الجذري والقطائع اللازمة لإعادة الثقة وخلق شروط تعاقد مجتمعي جديد بين الدولة و المجتمع، و إنما محاولة إلهاء المغاربة عن الحراكات الشعبية العارمة وعن ضرب الحريات ورجوع السلطوية، وربح الوقت الذي حدد في 15 سنة.
أما الأحزاب فطبعا هي مسؤولة بأشكال متفاوتة، هناك الأحزاب التي فقدت استقلاليتها وهي مسؤولة على تواطؤها واختيارها الريع السياسي عوض الدفاع عن مصالح المواطنات والمواطنين، وقبلت بالتكنقراط وهي التي تشارك في الحكومات المتتالية من موقع الحكومة أو المعارضة ولا فرق بينهما، وهناك الأحزاب الجادة التي بقيت صامدة، رغم سنوات الجمر والرصاص ورغم استقطاب النظام لبعض نخبها، وهي تعمل على تأهيل نفسها وتوحيد صفوفها ضمن التأهيل الضروري للحقل السياسي والحقل الحزبي و الوصول إلى تعددية حقيقية وأحزاب مستقلة بمشاريع مجتمعية. والتقدم لجعل محطة الانتخابات محطة ديمقراطية لاحترام الإرادة الشعبية وترجمتها إلى سيادة شعبية، وهذا ما سيضعنا على سكة الديمقراطية ومجتمع العدالة الاجتماعية والمناطقية وحسب النوع.

دعا بلاغ الديوان الملكي الحكومة ومختلف الفاعلين والمؤسسات، كل في مجال اختصاصه، للمشاركة والمساهمة الفعالة في تنفيذ التوصيات الوجيهة الواردة في هذا التقرير، هل يفهم من هذا أن توصيات اللجنة ستكون هي برنامج عمل الطبقة السياسية خلال 15 سنة المقبلة؟
عندما صدر تقرير الخمسينية، لم يطبق هذا التقرير ولكن الأحزاب اطلعت عليه، وأخذت منه ما يعزز برامجها والنموذج التنموي الجديد، سيتم الاطلاع عليه وربّما يفيد في تنقيح برامج الأحزاب المستقلة، أما الأحزاب التي هي عند الطلب فلن تناقشه وستسارع لاعتماده برنامجا لها كما فعل حزب الأصالة والمعاصرة مع تقرير الخمسينية، وهذا ما يزيد في فقان الفئات الواسعة الثقة في الأحزاب. المشكل يبقى إذا في غياب حكومة تحكم، قادرة على تطبيق برنامجها وهذا مرتبط بغياب فصل حقيقي للسلط وتواطؤ النخب السياسية والفساد السياسي. من ناحية أخرى فتاريخ المغرب حافل بتأسيس اللجن والهيئات وإنتاج التقارير والتوصيات التي لا تطبّق، كما هو الحال مع توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة، مما يجعلنا نستخلص أن الهدف منها يبقى هو امتصاص الغضب الشعبي وربح الوقت.

اعتبرت بعض القراءات التي تناولت التقرير إلى أن خلاصاته فضلا عن منهجية تعيين اللجنة واشتغالها، أن الأمر تكريس للملكية التنفيذية، ما موقفكم من ذلك؟ هل أنهى التقرير مطالب الوصول إلى الملكية البرلمانية؟
بالفعل إن وضع آلية التنفيذ في يد ملك البلاد هو تكريس للملكية التنفيذية، و تعبير على أن اللجنة لم تتجاوز السقف الزجاجي للخوف من تجاوز بعض الخطوط الحمراء التي توجد بالخصوص في الذهنية السائدة، التي لا تقدر على تحمّل المسؤولية إلى مداها خشية إزعاج الجهات العليا، في تناقض مع ما كان مطلوب منها. خاصة وأن الظروف المتأزمة والتغيّرات التي يعرفها العالم بإمكاننا تحويلها إلى فرصة للتغيير للحدّ من التبعية والخنوع، وهنا يكمن دور النخب التي يجب أن تكون شجاعة لترفع سقف التغيير ليتماشى مع حجم الانتظارات والمطالب الشعبية الجدّ متأزمة والتي أصبحت تهدد السلم المجتمعي.

حددت مذكرة فيدرالية اليسار 6 مداخل للمشروع التنموي هي مدخل الإصلاحات الدستورية والسياسية، مدخل الحقوق والحريات، المدخل الاقتصادي، المدخل الاجتماعي والخدمات الأساسية، المدخل البيئي ثم المدخل الثقافي، هل تجدون تقاطعا مع مقترحاتكم في التقرير؟ وإلى أي مدى تتفقون مع التشخيص والخلاصات التي وصل إليها تقرير اللجنة؟
مذكرة الفيدرالية طالبت بإيلاء الأولوية لانفراج سياسي لإعادة بناء الثقة يبدا بإطلاق سراح معتقلي الحراكات الشعبية، وعلى رأسهم كافة معتقلي الحراك الشعبي بالريف وكذا الصحفيين والمدوّنين، ويعمل على إحداث قطائع مع الاختيارات التي أوصلتنا إلى الأزمة المركبة التي تعرفها بلادنا، أزمة سياسية و تحديد الإصلاحات العميقة التي لم تعد قابلة للتأجيل، وعلى رأسها إصلاحات دستورية لإرساء نظام الملكية البرلمانية ومجتمع العدالة الاجتماعية والمناطقية والمواطنة المتنورة، و بلورة السياسات والمشاريع في انسجام بينها، وفي احترام التوازنات البيئية والاجتماعية، وتشجيع الصناعة المحلية والاستهلاك المحلي، وإصلاح نظام العدالة وضمان نزاهتها واستقلالها، والتخطيط لمرحلة جديدة بمشروع يطرح للنقاش العام الديمقراطي تساهم فيه القوى الفاعلة لتحدد الإطار العام وأولوياته وخطة تفعيله وألياته و طرق تمويله، بعيدا عن إغراق البلاد في المديونية ودون إغفال المدخل السياسي ومدخل الحرية وثقافة التخطيط والتتبع والتقييم والشفافية والإشراك المستمر.

وضعت فيدرالية اليسار الشق السياسي ومسألة الديمقراطية على رأس المذكرة التي تقدمت بها إلى اللجنة، بينما تجاهل التقرير هذا الشق ولم يثر مسألة الديمقراطية إلا من زاوية تقنية، كيف ستتعاملون مع هذه الخلاصات؟
يمكن القول بأن التقرير المطروح، لم يتجاوز الطرح القديم في ضرورة الانطلاق من الإصلاحات السوسيو-اقتصادية، التي يمكن أن تبدو مهمة أمام الأزمة الاجتماعية الخانقة من ارتفاع للبطالة واتساع دائرة الفقر واتساع الفوارق، إلاّ أنه لا تغيير في الاختيارات إلاّ بحصول التغيير الديمقراطي الذي يعتمد على تحويل الإرادة الشعبية إلى سيادة شعبية، تمارس داخل مؤسسات قوية ودولة ديمقراطية.

« وضع آلية التنفيذ في يد ملك البلاد هو تكريس للملكية التنفيذية، و تعبير على أن اللجنة لم تتجاوز السقف الزجاجي للخوف »

أبرز التقرير عبارة ’’لا شيء ينتظر من القادة السياسيين‘‘ ويبدو أن تشخيصه للوضع السياسي انبنى على نقد اشتغال الطبقة السياسية، حيث أن ضعف ثقة المواطنين عمليا يتجلى إزاء النخب السياسية والاقتصادية والإدارة، ما رأيكم في هذا التشخيص؟
لا يمكن أن نعمم القول «لا شيء ينتظر من القادة السياسيين» على كلّ الأحزاب، ولكنه للأسف ينطبق على الأحزاب التي تناوبت على المشاركة في الحكومات المتعاقبة وذلك لأنه تمّ إغراؤها بالريع السياسي الذي يعتبر أداة استقطاب النخب و تدجينها، وقبلت بالمساهمة في لعبة مغشوشة وتكيّفت مع الريع ولم تقاوم إفسادها شبه المقنّع، وهكذا تقاعست في الدفاع عن المصلحة العامة للبلاد، وخضعت للتوجيهات الداخلية والخارجية واستفادت من تسخير مؤسسات الدولة لمصالحها وراكمت ثروات. وهكذا أصبحت أدوات لاستمرار النظام الممركز للسلط، وساهمت في تدهور الأوضاع وتراكم الثروات في أياد قليلة، وصارت بذلك أداة لعرقلة التغيير عوض أن تكون أداة للتغيير، وهكذا فقدت المواطنات والمواطنون ثقتهم في الطبقة السياسية والاقتصادية والتي تخدم كلّ واحدة الأخرى، بل أصبحت طبقة ريعية واحدة تدافع عن مصالحها وابتعدت عن مهامها الأولى التي تتمثل في بلورة مشاريع مجتمعية والعمل على تطبيقها عند فوزها انتخابيا، وتأطير المواطنين والنضال من أجل اقتسام السلطة وخلق سلطة سياسية مضادة، كأساس للبناء الديمقراطي.
كما أن تغيير هذا الوضع الشاذّ، يتطلب الصرامة في ربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع أسس دولة الحق والقانون واستقلال ونزاهة القضاء، وخلق شروط التنافسية الحقيقية، والعدالة وثقافة الجزاء. وأيضا إصلاح الحقل السياسي والحزبي والتقدم باتجاه تعددية حزبية حقيقية للحد من ظاهرة العزوف، وإعادة تأهيل الحقل الحزبي وبناء الثقة المفقودة وإرجاع المواطنين للصناديق وللمشاركة والانخراط السياسي الواعي، من أجل أن يحدث التغيير الديمقراطي الشامل والتنمية التي أساسها وجود ممارسة ديمقراطية وتعددية سياسية وفكرية واحترام حرية التعبير والحقوق.

اقترح التقرير وضع ’’ميثاق وطني للتنمية‘‘ إضافة إلى إحداث آلية للتبع تحت إشراف الملك، من مهامها وضع تصور لأدوات التنفيذ، ضمان تجانس الاستراتيجيات والإصلاحات قبل اعتمادها من طرف السلطات وتتبع المشاريع التي تقودها السلطات، ألا تصادر هذه الآلية الدور الرقابي والتقريري للسلطة التشريعية ويجعل السلطة التنفيذية تابعة عمليا لهذه الآلية؟
الجواب في سؤال سابق مرتبط بضرورة فصل السلط و خلق سلطة مضادة و ربط المسؤولية بالمحاسبة بتحديث الملكية في المغرب بانتقالها إلى نظام الملكية البرلمانية.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...