أهل المنزل – الفقيه بنصالح: محنة الشتاء والصيف

 – إنجاز: عبد اللطيف المرتضى

خمسة.. وسادسهم الهلع

خمسة أشخاص في مسكن يتكون من غرفة واحدة ومطبخ، هذا هو مأوى حسن وأسرته، يعيشون جميعا في هذا المكان الذي ليس أسوأ ما فيه هو أنهم الزوج وزوجته لا تفصلهم عن باقي أفراد الأسرة سوى ستائر مهترئة، بل الأسوأ هو أنه بناء طيني يوشك أن يقع على رؤوسهم جميعا في أية لحظة.

يقطن حسن وأسرته بدوار أهل المنزل الواقع ضمن النفوذ الترابي لقيادة بني عمير، على بعد حوالي 20 كيلومترا من مدينة الفقيه بن صالح، عاصمة الإقليم، الدوار يقطن فيه أكثر من 2275 نسمة حسب الإحصاء الرسمي للسكان والسكنى لسنة 2004.

عند مدخل الدوار بنايات طينية تعد بالعشرات، بعضها مرممة من قبل أصحابها، فيما البقية تبدو كأنها مجرد أطلال وكأن أشباحا تسكنها. يعكس البناء بساطة السكان المحليين وفقرهم في هذه المنطقة شبه المنسية، على الرغم من أن هذه ’’البنايات‘‘ تشكل تهديدا لحياة قاطنيها بسبب التشققات وحتى انهيار بعض واجهاتها.

’’ نحن 5 أشخاص نعيش في غرفة واحدة ومطبخ مبنيان من التراب، ونفصل بين أفراد الأسرة بالستائر فقط و لا يمكن لنا أن نستقبل ولو ضيفا واحدا لعدم وجود مكان يسعه‘‘ يقول حسن في تصريحه لملفات تادلة.

محنة الشتاء والصيف..

يتابع أهل الدوار أخبار انهيار المنازل في العاصمة الاقتصادية للبلاد، فقد خلفت الأمطار الأخيرة خسائر في الأرواح والمباني، ويعتبرون أنفسهم محظوظين أن الأمطار كانت رحيمة بمساكنهم المتهالكة، لكن رغم ذلك لا ينقضي فصل الشتاء إلا بعد أن تكون أعصابهم قد انهارت، فهم يتوقعون سقوطها كلما لاحت الغيوم في السماء.

يوضح حسن وهو يتحدث إلينا ’’الرعب‘‘ الذي يعيشونه في فصل الشتاء، ولكن هذا ليس كل شيء، فإن كانت مساكنهم تنجو من الانهيار فإنها تتحول من الداخل إلى برك من الوحل بعد أن تمتزج قطرات المطر بالتراب الذي بنيت منه البيوت.نحن نعيش المعاناة كلما حل فصل الشتاء بقريتهم، حيث تتحول المنازل إلى برك من الوحل‘‘ يقول حسن.

معاناة فصل الشتاء بدورها ليست كل شيء، فالسكان هنا يعانون في الصيف أيضا، وتتضاعف هذه المعاناة في فصل الصيف مع الحشرات السامة (العقارب والثعابين)، التي تتخذ هذا المكان مسكنا لها طول تلك الفترة، ’’مع ارتفاع درجات الحرارة علينا أن نكون أكثر حذرا داخل بيوتنا وفي الخارج، فالعقارب والثعابين يمكن أن تكون في أي مكان‘‘ يوضح محدثنا.

من يسمع صوتهم؟

يحاول سكان أهل المنزل منذ زمن أن يرمموا أو يقوموا بإصلاحات أو إعادة بناء منازلهم كي تقيهم رعب الشتاء وهلع الصيف، لكن الإجراءات الإدارية والمساطر المعقدة لا تسعفهم، ،رغم كل المحاولات التي يقومون بها من خلال الطلبات الموجهة إلى الجماعة والمصالح المختصة، حيث تواجه السلطات المحلية كل المحاولات سواء بالمنع أو الهدم  بحجة عدم توفر رخصة البناء.

“أخاف على والدتي من سقوط المنزل في أي لحظة، كما أشعر بالسعادة كلما وجدت أمي نائمة و لا زالت على قيد الحياة” هكذا عبر مصطفى وهو رب أسرة تتكون من 5 أفراد عن معاناته اليومية مع بيته المبني من التراب و يضيف “الكل الآن أصبح يفكر في مغادرة المنطقة ’’نحن هنا منسيون ولا شيء يشجعنا على البقاء ‘‘ يقول مصطفى بحسرة.

مصطفى هو أحد السكان الذين طرقوا أبواب المسؤولين من أجل النظر في محنتهم دون أن يجد جوابا “لم أتلق أية إجابة من طرف رئيس الجماعة ولا حتى القائد رغم محاولاتي المتكررة معهم، وتقديم كل المعطيات والصور التي توثق للحالة التي نعيشها وسط هذه الخرب التي أصبحت مصدر للرعب والهلع.”

وبالنسبة إليه فالحل هو تمكينهم من رخص البناء والإصلاح وإيجاد حلول لمعاناتهم “نطلب من السلطات تسهيل مساطر الحصول على رخصة البناء وإيجاد حلول واقعية، والتوقف عن تعقيد الأمور نحن لسنا فوق القانون، ولكن هم على اطلاع بمعاناتنا اليومية ولا أحد منهم يستطيع أن يعيش في مثل هذه الظروف اللا إنسانية” يؤكد المتحدث.

مساطر من أجل التعقيد..

يؤكد بوعبيد الخطابي رئيس جماعة أهل المربع أن ملف البناء بأهل المنزل ليس بيد الجماعة، فحسب تصريحه ملفاتهم عالقة بعمالة الفقيه بنصالح، حيث أن الجماعة تقدمت ب 42 ملفا إلى المصلحة المختصة بالعمالة، ولم تتم معالجة أي ملف لحدود اللحظة رغم كل اللقاءات التي تمت بهذا الخصوص مع عامل الإقليم.

وتابع نفس المتحدث في اتصال مع جريدة ملفات تادلة “نحن كجماعة قروية لدينا أراضي سلالية والمسطرة تشترط في التوفر على تصميم (كروكي)، بالنسبة لمركز أهل المربع وأولاد ركيعة فهم يتوفرون على تصميم التهيئة عكس الدواوير الثلاثة الأخرى‘‘ مضيفا “نحن كمنتخبين نجد أنفسنا في موقف محرج أمام المواطنين الذين يحملوننا مسؤولية عدم منحهم الرخصة رغم أن الأمر ليس بين أيدينا”.

وحسب الخطابي تفرض مسطرة البناء في هذه المناطق أن ’’يقوم من يرغب في البناء بإنجاز التصميم، وهو ما يفيد أن الأرض صالحة للبناء، ثم تقوم مصالح الجماعة بالبحث عن موقع البقع الأرضية والتأكد أنها بعيدة عن المساحات الخضراء والطرق، مع التأكد من أن الشخص لم يسبق له الاستفادة من حق سلالي وفي هذه الحالة تبقى الصلاحية لعمالة الإقليم التي تمنح شهادة التمتع التي تعتبر بمثابة شهادة الملكية‘‘.

حقوق مع وقف التنفيذ..

يعتبر مشكل البناء والحصول على شهادة التمتع أحد إشكالات الأراضي السلالية، هذه الشهادة التي تخول المستفيدين البدء بمسطرة الحصول على الرخص تم وقف تسليمها بأمر من السلطات حسب المصطفى الماحي نائب أراضي الجموع بالمنطقة، الذي قال في تصريح خص به جريدة ملفات تادلة ’’من بين المهام التي كانت لدينا هي إعطاء شهادة التمتع لكل ذوي الحقوق، بحيث يتمكن كل شخص ينتمي إلى التراب من الحصول على مساحة 200 متر، لكن  تعليمات من السلطات منعت عليهم كأمناء منح هاته الشهادة.

ويؤكد الماحي على أن كل فرد عليه أن يتحمل مسؤولية البناء في هذه الفترة لأن القانون واضح والمصير سيكون الهدم. وأضاف “نحن بدورنا ننتظر الضوء الأخضر من طرف السلطات لتمكين الساكنة من الحصول على رخصة البناء، لا يمكن لنا خرق القانون بغية إرضاء البعض القانون واضح وعلينا جميعا احترامه”.

ويعلق الماحي الأمل على القانون الجديد لوقف المعاناة التي يعيشها سكان أهل المنزل “نحن ننتظر القانون الجديد وهو قانون خاص بالمجال القروي الذي يؤطر عملية منح رخص البناء والذي يستوجب التوفر على ثلاثة وثائق مهمة: التخطيط، شهادة التمتع ورخصة البناء” يقول المتحدث.

 

ظروف السكن غير اللائق التي يعيشها سكان هذا الدوار المنسي، جعلتهم تائهين بين تراب الأجداد الذي تلاحقه نار المعاناة و السكن الذي يحفظ الكرامة. إلا أن  الكثير منهم متمسكين بأرضهم ويرفضون الخروج منها رغم   كل النواقص،من تهجير و عدم توفر الضروريات، فيما بعضهم  اختار الهجرة إلى المدينة طلبا للرزق وطمعا في توفير الحياة الكريمة لهم ولمن يعولون.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...