– إنجاز: مريم أبروش –
بمقر تعاونية سند الفلاحية ببني ملال، تعمل نساء قرية أولاد أمبارك، كخلية نحل تتعاون في نسق متناغم ومتجانس لتعد بمهارات يدوية صنوفا أصيلة من الكسكس بمختلف أصناف الدقيق المحلي، ولتوفر لزبنائها أزكى توابل المنطقة وأجود أنواع الحبوب. تعاونية استطاعت تغيير عقلية المجتمع القروي ودمج النساء في سوق الشغل، لتجعلهن اليوم نموذجا تحتذي به المرأة المغربية.
بمنطقة أولاد أمبارك، قرية تقع بين جبال الأطلس، وتبعد عن مدينة بني ملال بعشرة كيلومترات. منطقة فلاحية زاخرة بمختلف الثروات الطبيعية، والمعروفة بإنتاج الحوامض والزيتون والتوابل وخاصة الفلفل الأحمر المعروف بـ’’منيورة‘‘.
من جبال هاته المنطقة، تنحدر حفيظة، إحدى مؤسسات تعاونية سند الفلاحية، سيدة خمسينية وأم لثلاثة أبناء، حاصلة على ديبلوم تسيير المقاولات إلا أن عقلية القرية لم تكن لتسمح لها بالعمل في البداية. مسؤوليات وإكراهات عديدة لم تقف بين حفيظة وبين عملها الدؤوب بالتعاونية.
بعد إشراقة شمس كل صباح، تتأهب حفيظة لبدء يوم طويل. فبعد أن تنهي أشغالها المنزلية وتطمئن على حال أسرتها، تستعد للذهاب إلى التعاونية، وكلها أمل وعزيمة لتحسين وضعيتها وفرض وجودها وذاتها داخل المجتمع.
على الساعة العاشرة صباح كل يوم، تلتقي حفيظة بنساء القرية بمقر تعاونية سند. تعاونية انبثقت من رحم التهميش والإقصاء، أسستها ثمان نساء أعلنّ التحدي ضد الفقر والتمييز، وحرصن من خلال التعاونية على دمج النساء في عملية تنمية مجتمعهن وكذا تحسين ظروفهن المعيشية. فمنذ سنة 2013 ونساء القرية يبرهنّ على صبر وعزيمة المرأة القروية الحرة.
وبعد ثمانية أعوام نجحت التعاونية في تحقيق أهدافها بل وأصبحت اليوم بمثابة مشروع يشغل أكثر من 68 امرأة قروية. إذ تعمل على استثمار المنتوجات الطبيعية التي تزخر بها الجهة من توابل متنوعة وبذور وحبوب بمختلف أصنافها وكذا العسل والزيوت، من أجل تثمينها وتسويقها على المستوى الجهوي والوطني والدولي.
من مقر صغير وسط القرية، يفتقر إلى أبسط المتطلبات اللوجستيكية الضرورية بدأ الحلم يرى النور. تم تجهيز المقر بأواني منزلية وبمساهمات متواضعة من طرف العضوات، وبالرغم من اعتراض بعض الآباء والأزواج على التحاق النساء بالتعاونية، إلا أنه ومع مرور الوقت وتحقيق التعاونية لنجاحات طفيفة بدأوا في تقبل الأمر.
تقول حفيظة، “كان أمر إقناع الآباء والأزواج صعبا في البداية، خاصة أنه لم يكن لنا دخل خلال السنوات الثلاث الأولى، فقد كانت مداخيلنا بالكاد تغطي مصاريف الكراء والتجهيزات، غير أننا بنينا سمعة جيدة وسط القرية وخارجها، الشيء الذي طمأن رجال القرية فاستساغوا الفكرة بل وشجعوها فيما بعد”.
لم تكن التحديات المالية والاجتماعية لتقف أمام إصرار آمنة مجدي، رئيسة تعاونية سند، في تأسيس التعاونية، ففكرة إنشاء تعاونية نسائية في وسط قروي تتطلب الكثير من الصبر والعزيمة.
وفي تصريح لملفات تادلة تقول آمنة “كنا ثمان نساء حين أنشأنا التعاونية، لم نكن نملك رأس مال للبدء، ولم يكن إقناع النساء بالالتحاق سهلا، وبالرغم من كل تلك الإكراهات أصررنا على التضحية والاستمرار، إيمانا منا بأن النساء القرويات يستطعن إنقاذ أنفسهن بأنفسهن.”
مثل استفادة التعاونية من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2014 دفعة قوية للتعاونية، وبثت أملا جديدا في روح النسوة. تطورت التعاونية شيئا فشيئا، الشيء الذي أهلها، بعد حصولها على ترخيص المكتب الوطني للسلامة الصحية، إلى عقد العديد من الشراكات على المستوى الوطني والدولي مع العديد من الأسواق الممتازة وشركات رائدة ومختلف نقاط البيع لإتاحة منتوجاتها لأكبر عدد من الزبناء داخل وخارج المغرب، والذين يصرون على اقتنائها واستهلاكها نظرا لجودتها وإتقانها.
أثمرت مجهودات النساء، وفرضت التعاونية وجودها على نطاق واسع رغم المنافسة الوطنية، مما أهلها إلى المشاركة في العديد من الملتقيات والمعارض الدولية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا إضافة إلى العديد من البلدان العربية والمغاربية.
كما تم تتويجها بالعديد من الجوائز على رأسها جائزة المعرض الدولي بتركيا ودرع التميز من معرض التعاونيات النسائية بطنجة، وكرمت من طرف وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني كتعاونية نموذجية. أنشطة عدة ساهمت في تطوير التعاونية وذلك من خلال إرساء شبكة علاقات مهمة على المستويين المحلي والدولي.
مرت التعاونية من أزمات عدة حاولت في كل مرة تجاوزها بأقل خسائر ممكنة، وكانت آخرها جائحة كورونا. إذ أنه بالرغم من التأثير الكبير لهذه الجائحة على الاقتصاد المغربي، وتوقف العديد من المشاريع والمقاولات، إلا أن الطلبات المتزايدة على المنتوجات الفلاحية للتعاونية جعلت النساء أمام اختبار حقيقي في تسيير الأزمات، فقررت النساء أن يعملن حفاظا على الزبناء وتلبية لحاجة السوق الملحة.
تحكي إحدى المنخرطات سعاد “خلال فترة الحجر الصحي وإثر توقفنا عن العمل لأسبوعين خسرنا بعض الزبناء وتأثرنا ماديا، الأمر الذي جعلنا نحاول إنقاذ مشروعنا دون إلحاق الضرر بنا، فقررنا العمل بمجموعات مكونة من أربعة نساء تتناوب فيما بينها مع الاحترام التام للتدابير والإجراءات الوقائية، ولله الحمد نجحنا في تجاوز الأزمة بل وكسب العديد من الزبناء الجدد.”
داخل هذا الفضاء الذي لا يكف عن ضخ الأمل في صفوف النساء، تغيرت حياة المنخرطات بشكل جذري. فمن ربات بيوت اختُزِل دورهن في الكنس والتنظيف والطهي إلى نساء رائدات في مجالهن، مستقلات ماديا ومساهمات في تنمية محيطهن، ليصبحن اليوم نموذجا تقتدي به النساء المغربيات.
تقول السعدية، إحدى المنخرطات بالتعاونية “كنا نساء مهمشات ومقصيات، ونخجل كثيرا أمام الناس، غير أنه منذ ولوجنا للتعاونية تغيرت شخصياتنا بشكل جذري، فبتنا الآن أكثر ثقة بأنفسنا وأكثر انفتاحا على الآخر، والأهم أننا أصبحنا مستقلات ماديا، وأصبحنا نساهم في تنمية محيطنا وبتنا مفخرة لأسرنا” .
ليس من اليسير التوفيق بين مهام التعاونية وضغط العمل وبين المهام المنزلية كزوجة وأم وابنة، لكن نساء التعاونية أَبَنَّ عن إصرار وعزيمة جعلتهم اليوم مفخرة للمرأة المغربية القروية. تقول آمنة “لقد مررنا بمصاعب كثيرة وتحديات أكثر، إلا أننا كنا على يقين بأننا سننجح، إننا نستمد الأمل والقوة من بعضنا البعض وهذا ما يجعلنا نستمر ونطمح لتحقيق إنجازات أكبر بإذن الله”.
تعتبر تعاونية سند واحدة من بين أزيد من 470 تعاونية بجهة بني ملال خنيفرة، تعاونيات وفّرن فرص شغل لما يفوق من 500 متعاونة. فرص غيرت وضعيات نساء كثيرات وأبانت على أن المرأة القروية تستطيع التغيير والمساهمة بشكل إيجابي في تنمية المجتمع.