نعيمة واهلي: “ظاهرة العنف ضد النساء تزداد تفاقما خصوصا عندما لا نجد عدالة تتدخل بالشكل الذي نريده، فالعنف يتزايد أكثر”

  – ملفات تادلة 24- 

والعالم يخلد اليوم العالمي للنساء، نعيد نشر ملف سبق نشره في النسخة الورقية لجؤريدة ملفات تادلة تزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة.

تقديم:

ونحن نحتفل باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة، تبرز العديد من الأسئلة على السطح، بعضها يتكرر كل سنة على منابر الجمعيات الحقوقية وفي خطب المهتمين والمهتمات بهذه الظاهرة، لكنه يظل بدون جواب، وبعضها الآخر أفرزته التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا على جميع الأصعدة، فما الذي تحقق إلى حدود الآن في هذا الباب؟ وما حدود مسؤولية الدولة ومؤسساتها فيما تعيشه المرأة ببلادنا؟ وماهي واجبات الجمعيات الحقوقية الجادة في الترافع عن قضايا المرأة بشكل عام ومنها مناهضة العنف ضد النساء بكل أشكاله؟
إن ظاهرة العنف ضد النساء التي تجذرت في بنية المجتمع المغربي تعكس بشكل واضح شأن باقي بلدان المعمور أن المغاربة طبعوا مع هذه الظاهرة سواء على مستوى القانوني أو على مستوى الحقوقي دون أن يتمكنوا من القضاء عليها نظرا للتمفصل القائم بين مختلف العوامل (سياسية، تاريخية، اجتماعية، نفسية…) التي أفرزتها، رغم ما تم إقراره من قوانين وتشريعات لمكافحة العنف ضد النساء، وما تقدمه الجمعيات الحقوقية في هذا الباب من مجهود.
فالأرقام التي وردت في تقارير المنظمات الحقوقية الحكومية وغير الحكومية تكشف أن ظاهرة العنف ضد المرأة أخذت في الانتشار أكثر من أي وقت مضى، وقد تكون لها مستقبلا أبعاد خطيرة على المجتمع المغربي ما لم يتم تطويق هذه الظاهرة وربط مبدأي المساواة والإنصاف- باعتبارهما مبدأين أساسيين في العلاقات الإنسانية- بالمسألة الديمقراطية التي تبقى بلادنا في حاجة ماسة إليها، والتي تعني بالضرورة الإقرار بحقوق الإنسان كاملة دون نقصان كما هي متعارف عليها دوليا.
لقد رفعت جائحة كورونا التي ضربت العالم ومنها المغرب، من منسوب العنف ضد النساء بشكل مهول في طل صمت مريب، لأن الكل كان منشغلا بحالة الطوارئ الصحية وأرقام كورونا اليومية، حيث ارتفعت حالات العنف الجنسي والجسدي والاغتصاب ووصلت حد القتل داخل البيوت، خاصة العنف الزوجي والأسري.
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى ساهمت بشكل كبير في تفشي وترسيخ ظاهرة العنف ضد المرأة ورأينا كيف انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو وصور توضح تعرض نساء للعنف الجنسي والجسدي وتم التشهير بهن، مما يبرهن على أن العنف بشكل عام أصبح مادة تروج وسط الشباب المغربي وأحيانا دون أن تطال يد العدالة الواقفين من ورائها.

حوار 

في هذا الحوار تحدثنا الأستاذة نعيمة واهلي العضو في المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعضو في جمعية إنصات لمناهضة العنف ضد النساء، عن قراءتها انطلاقا من الموقع الحقوقي، والجمعوي المرتبط بقضايا النساء، لواقع العنف الذي تتعرض له المرأة في المجتمع المغربي عموما وفي جهة بني ملال خنيفرة على وجه أخص، وهو موضوع عايشت العديد من القصص التي ترتبط به، انطلاقا من عضويتها في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ذات الإمتداد الوطني، وكذا في جمعية إنصات لمناهضة العنف ضد النساء الجهوية ببني ملال.

لنتحدث عن موضوع العدد الذي هو العنف ضد النساء الذي تتعرض له النساء عبر العالم وبالضبط في جهة بني ملال خنيفرة، لازالت النساء المغربيات يعانين من العنف ومن التحرش؟
العنف ظاهرة عالمية ولكن عندما نخصص نجد أن العنف يزداد كلما ازداد الفقر، وهذا تظهره الإحصائيات، فالفئة الأكثر تعرضا للعنف هي الفئة الاجتماعية الفقيرة، ونعرف أن المغرب بصفة عامة، الفقر فيه مرتفع، لذا فالنساء الفقيرات يعانين أكثر، بالإضافة إلى أن جهة بني ملال خنيفرة تعرف وجود الفقر بشكل كبير، وطبعا العنف يزداد كما أشرنا إلى ذلك، كل هذا تؤكده مجموعة من الإحصائيات ومجموعة من شهادات النساء اللواتي عانين من العنف بكل أشكاله، وأنا لا أفرق بين العنف النفسي والعنف الجسدي، لأنه كلما تعرضت المرأة للعنف الجسدي كلما عانت نفسيا.وهناك نوع آخر من العنف الذي تمارسه الدولة المتمثل في حرمان العديد من الفتيات من حقهن في التعليم ونؤكد على أن الأمية في صفوف النساء أكبر بكثير من الأمية في صفوف الرجال، وهذه النسبة نسجلها في المستوى الابتدائي ، نظرا لضعف البنيات التحتية ، ففي التقرير الأولي لسيداو الموازي للتقرير الحكومي الذي أنجزته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان رصدنا أن تمدرس الفتيات يقل حصوصا في العالم القروي ،ولاحظنا أن الفتيات في الثانوي يحققن نسبة نجاح وتفوق أكبر بكثير، ولكن نسبة الهدر المدرسي في صفوفهن أكثر بكثير.
هل لازالت أرقام حالات العنف ضد النساء في ارتفاع؟
ظاهرة العنف ضد النساء تزداد تفاقما خصوصا عندما لا نجد عدالة تتدخل بالشكل الذي نريده، فالعنف يتزايد أكثر، ويتم التشجيع على العنف في غياب المحاسبة، عندما لا تتم محاسبة المعنِّفين يزداد العنف بشكل كبير جدا، ونقصد بالعنف طبعا كل أصنافه خصوصا العنف الجنسي.
هل هناك إحصائيات دقيقة حول حالات العنف الجنسي؟
لا تحضرني الآن أرقام وإحصائيات مضبوطة ولكن العنف الجنسي يزداد ، خصوصا العنف الجنسي الزوجي والاغتصاب الزوجي ولكن لازال مسكوت عنه، في جمعية إنصات توصلنا بأربع حالات خلال فترة الحجر الصحي، ، وهو عنف للأسف لا يجرمه القانون بشكل واضح، وهو مسكوت عنه ، والمجتمع لازال لا يرغب في مناقشته بشكل جدي، لكنه موجود في الواقع، بالإضافة إلى اغتصاب الأطفال والطفلات وهي ظاهرة ارتفعت لدينا في المغرب، والعقوبات المخصصة لها للأسف مخففة، بل أكثر من ذلك هناك من تهرب أو هرب من العقاب، نذكر على سبيل المثال حالة منذ 2015 تم الحكم على مغتصبي قاصر بسنتين سجنا، وهو حكم نعتبره مخففا، ولكن الأدهى أنه حتى تلك السنتين لم تنفذ، يعني أن هناك إفلات من العقاب بشكل خطير في جهتنا.
ما هو سبب الإفلات من العقاب هل المشكل في القانون أم في المنظومة القضائية أم ماذا بالضبط؟
بالطبع نعتبر أن القانون هو كل شيء، يعني أنه لا يمكن للمجتمع أن يسير بدون قانون، فالقانون هو المنظم للحياة، لكن القوانين لدينا فيها حيف، حاليا هناك ورش يتعلق بتعديل مدونة الأسرة، هناك نقاش من أجل المساهمة في وضع مقترحات في هذا الباب، وكان من المفترض أن يفتح ورش كبير، وبدأنا العمل كجمعيات نسائية وحقوقية، لكن نظرا لظروف جائحة كوفيد تعثر عملنا نوعا ما ولكن النقاش حول المدونة لازال متواصلا، الكل يطالب بمدونة حداثية عصرية، بل أكثر من ذلك علمانية، بمعنى أن تفصل بين الدين وبين القوانين، لصالح قوانين وضعية. لا نريد أن نجد في ديباجة المدونة أنها خاصة بالمسلمين، وعلى اليهود الرجوع إلى كتابهم ، نطمح أن تكون مدونة أسرة لكل المواطنات والمواطنين .
نحن نريد قانونا حداثيا وضعيا، يتيح المساواة في التقاضي لكل المواطنين كيفما كانت معتقداتهم، نريد أن يكون هناك عدل، وقد تبين أن المدونة بعد هذه المدة من إقرارها تتضمن مجموعة من الهفوات ، ومجموعة من الأعطاب، سواء في لغتها التي لازالت ذكورية، أو في مضامينها التي ينبغي أن تعدل وتساير العصر.
والحركات النسائية والحقوقية ناضلت بشكل كبير لإقرار قانون من أجل مناهضة العنف ضد النساء، ونضالها هذا استمر لمدة زمنية طويلة.
قلتم أن القوانين المتعلقة بالعنف ضد المرأة في بلادنا غير منصفة، كيف ذلك؟
لقد خرج إلى الوجود القانون 13 103، لكن للأسف لم يكن في حجم انتظاراتنا وطموحاتنا ولا آمالنا ولا في حجم التوقعات التي كنا ننتظرها، وإذا قارناه مع القانون التونسي نجد فرقا شاسعا، خصوصا وأنه ليس فيه الوقاية وليست فيه حتى الحماية بالشكل الذي نريده، بل أكثر من ذلك حتى تفعيله لم يظهر على أرض الواقع بشكل إيجابي، خصوصا فيما يتعلق بالطرد من بيت الزوجية الذي لم تنفذ في أغلب الأحيان العقوبة السجنية في مرتكبيه بالإضافة إلى مجموعة من الأشياء التي يمكنني التحدث عنها، مثل خلايا العنف الموجودة في المستشفيات، للأسف لم ترق إلى المستوى المطلوب إذ في الغالب نجد هذه الخلية مغلقة خصوصا هنا في بني ملال، ويتم تبرير ذلك بضعف الموارد البشرية، وخلايا العنف لدى الدرك والشرطة لا يخصص لها فضاء يساعد المرأة لكي تبوح بالعنف الذي تعرضت له، بوجود متخصصين في هذا المجال، نفس الشيء في المحاكم، وإن كانت المحكمة الابتدائية في بني ملال تقوم بمجهود وبالمناسبة نشكر الأخ المسؤول عن هذه الخلية الذي يساعد جمعية إنصات وينسق معها ، ويقدم خدمات ولكن نأمل ان يكون الأمر أحسن، و أن يكون العمل أكثر فعالية وأكثر إيجابية، وأن تكون الخلايا متخصصة وتستفيد المشتغلات والمشتغلين فيها من تكوينات عالية في مجال مناهضة العنف ضد النساء.
كيف تتعاملون كجمعية مع ظاهرة الأمهات العازبات؟
بالنسبة للأمهات العازبات، يجب أن نعرف أن هذه الظاهرة موجودة في المجتمع المغربي، وينبغي ألا نتهرب منها، إلا أنه للأسف المجتمع المغربي يعتبرها طابو ويسكت عنها، جمعية إنصات منذ سنة 2005 تاريخ تأسيسها، تأسست الجمعية من أجل الأمهات العازبات، لم تكن طريقها مفروشة بالورود، لأن الكل كان ضد أن تستقبل هذه الفئة، وأن تقدم لهن يد المساعدة، واتهموا عضواتها بأنهن يشجعن على البغاء، لكن الجمعية كانت مصرة على أن هذه الأم العازبة هي إنسانة، لم ترتكب أي شيء.. وهم يعتبرون أنها ارتكبت ما يسمونه ب»المدنس»، ارتكبت «الرذيلة»، وكأنها ارتكبتها لوحدها ولا وجود لشريك لها في هذا «المدنس»، وبالتالي رُفِضت من طرف الأسرة ومن طرف المجتمع، بل الأدهى أنها رُفِضت حتى من طرف القانون، إذ لا وجود لقانون يحميها، لا وجود لقانون يتحدث عنها، كلنا نتذكر فدوى العروي بسوق السبت الأم العازبة التي أحرقت نفسها، بسبب عدم استفادتها من بقعة أرضية في إطار مكافحة دور الصفيح ،ا رغم أنها أم لطفلين، قال لها رئيس المجلس البلدي أنذاك أنت لست مطلقة، ولست أرملة ولست من أي نوع من الأنواع، إذن لا يمكنك الاستفادة، هذا الإحساس بالظلم والتهميش والحكرة دفعها إلى إحراق ذاتها، والكثير من الفتيات اللواتي وقعن في حمل خارج مؤسسة الزواج، انتحرن، هناك انتحارات كثيرة في أوساط الأمهات العازبات، لأنهن يحسسن أنهن ارتكبن جرما لا يُغتفر، وبالتالي يخترن طريق الإنتحار كخلاص، في حين أن هذه الفتاة يمكن أن تخطئ، وفي الواقع ليست هي المخطئة بل المجتمع هو المخطئ، لأننا لا نتوفر على تربية جنسية، وليست هناك حملات توعوية باستخدام وسائل لمنع الحمل ، و في حالة حمل فتاة قاصر لا يمكنها أن تقوم بالإيقاف الإرادي للحمل، وبالتالي تلجأ إلى الشعوذة وإلى أشياء مضرة بصحتها، وإلى الإجهاض السري غير الآمن مما يعرضها للخطر ، هذه الفئة من المجتمع موجودة ويجب أن نقدم لها يد المساعدة، لكي لا يتم رمي وقتل الأجنة ، لكي تخلق الأم العازبة مصالحة مع نفسها، ولهذا فأول دور نقوم به هو جعل الأم تضع مولودها في ظروف عادية نفسيا وصحيا، ونخلق لديها مصالحة مع الذات، وفي الكثير من الأحيان نحاول أن نقوم بدور الوساطة بينها وبين أسرتها، حتى تقبل أسرتها بالمولود ، والكثير من الأمهات عدن إلى الدراسة وبنين مستقبلهن من جديد ، ولا تأتينا الأمهات العازبات فقط من جهة بني ملال خنيفرة بل من جميع جهات المغرب، وهذا يجعلنا نفتخر ونعتز أننا نساعد هؤلاء النساء ونقدم لهن يد المساعدة وننظم لهن ورشات تحسيسية لكي لا تكون حالة العود ، ويكررن نفس الأخطاء.
وعلى المستوى الصحي، لدينا طبيبات وطبيب نفسي ومجموعة من المتطوعين والمتطوعات الذين يساعدوننا في هذا المجال، ونعد للطفل أيضا أوراقه الشخصية المرتبطة بالحالة المدنية ليتمكن هو أيضا من الدراسة، ونحاول أن نشجع الأم على الإحتفاظ بجنينها، وألا ترميه ونقنعها بذلك، وفي الكثير من الأحيان نقدم لهن يد المساعدة، خصوصا عندما أنشأنا الحضانة، ونقنعهن أن يأتين بأطفالهن إلى الحضانة والذهاب إلى العمل والإعتماد على أنفسهن.
هل تراجع العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي؟
للأسف ارتفع العنف خلال فترة الحجر الصحي، والعالم كله يقول أن العنف ضد المرأة ارتفع، باستثناء رئاسة النيابة العامة التي أصدرت دورية رقم 20 بتاريخ 30 أبريل2020موجهة للوكلاء العاميين أشارت فيها أن العنف انخفض، إذ ورد فيها أنه كل سنة كانت تسجل 18.000 قضية كل سنة ، تتابع منها النيابة العامة ما معدله 1500 متابعة كل شهر ، وتورد نفس الدورية أنه خلال فترة الحجر الصحي التي بدأت منذ منتصف مارس إلى حدود منتصف أبريل أن العنف انخفض، مقارنة مع 2019، حيث رفعت 19000 قضية في هذا المجال،في2018 نسبة الاعتداء ضد النساء وصلت إلى 62 في المائة وتوضح أنه لمدة شهر كامل في الفترة مما بين 20 مارس و20 أبريل وصل عدد الشكايات 892 شكاية وتم تحريك الدعوى العمومية 148 قضية فقط، بمعنى –تقول الدورية– أنه إذا كانت فقط 148 قضية فهذه مسألة إيجابية، وأن المعدل انخفض ب 10 مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا عما كان عليه الوضع، مضيفة أن الأمر إيجابي «ويبشر باستقرار الأسرة وانسجامها واستعدادها للتعايش والتساكن الطبيعي ولو في أصعب الظروف كظروف الحجر الصحي « بالنسبة لي أقول أن كل هذا الكلام فيه مغالطة كبيرة جدا، على اعتبار أن العنف تزايد، ربما تكون هذه الأرقام صحيحة، ولكن نتساءل كيف كان التبليغ عن العنف؟ الدورية تقول أن التبليغ كان عن طريق الشكاية الإليكترونية، وفي الواقع نجد حوالي 60 في المائة من النساء أميات، إذن كيف لامرأة معنفة وفي ظروف صعبة ولا تمتلك لا الإمكانات المعرفية ولا المادية … وفي فترة الحجر الصحي الذي توقف فيه الجميع، كيف يمكنها أن تلجأ إلى هذه الوسيلة، المتمثلة في التبليغ عن طريق الشكاية الإليكترونية، أكثر من ذلك تضيف الدورية أنه كانت هناك حسابات إليكترونية وكان هناك رقم هاتفي مخصص لهذه العملية من طرف الاتحاد الوطني لنساء المغرب، في الواقع كل هذه الوسائل في ظل الحجر الصحي لم تكن ناجعة، والمحكمة كانت تقريبا أبوابها مقفلة، إذن كانت هناك توترات في بيت الزوجية وكان هناك عنف، لأن الرجل كان جالسا في البيت والمرأة كذلك، و»كلما ازداد الفقر كلما ازداد العنف»، في هذه الفترة إذن كان الرجل والمرأة يعيشان في ظروف صعبة، وبقيا وجها لوجه، في ظل هذه الأوضاع لا يمكن إلا أن يتزايد العنف، إذن بالنسبة لهذا التحليل الذي أعطتنا إياه رئاسة النيابة العامة، فهو ليس تحليلا دقيقا وعلميا على اعتبار أن المرأة كانت تُعَنَّف ولكنها كانت لا تستطيع أن تبلغ، لأنها لم تكن تستطيع القدوم إلى المحكمة أو حتى إلى الجمعيات لأنه في المنطقة كما تعلمون لم تكن تتوفر وسائل النقل، كان هناك مشكل الحصول على رخصة التنقل، لدينا نموذج لامرأة من تاكزيرت ذهبت لطلب هذه الرخصة، ولم يتم تسليمها إياها، ووجدت صعوبات وعراقيل ولم تتمكن من الحصول على الرخصة.
الجمعية وضعت رقما مفتوحا للتواصل مع الضحايا، ووضعناه في ملصق نشر للعموم ، وكنا نتلقى اتصالات من معنفات ، ولكن لم يكن بالإمكان أن نقوم بإرشاد الضحايا بالشكل اللازم، وأن نرافقهن إلى المستشفيات، لكي يحررن الشواهد الطبية، وانتم تعرفون الظروف التي شهدتها المستشفيات، هذا الأمر كان صعبا، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نسجل أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية كان قد جعل هاتفه تحت إشارة الجمعية وتم الاتصال به وحل مشاكل عدة حالات وهذا أمر إيجابي، لكن هذا لم يكن معمما، ولم يكن بإمكان كل النساء أن تقمن بالاتصال، وكان هناك عنف يمر في صمت، اضطرت مجموعة من النساء المعنفات إلى الخروج إلى الشارع وإلى التشرد ولجأن إلى التسول، واستغل بعض الأزواج بعد عائلات الزوجات، وكانوا يمارسون عليهن العنف، ولم يكن يستطعن الخروج لأن لا ملجأ لهن ، حتى الجيران أحيانا يستقبلون النساء وفي مرات أخرى يرفضون استقبالهن خوفا من أن يكن حاملات لفيروس كوفيد 19،أو لظروف اقتصادية متأزمة . إذ في ظل هذه الأوضاع عانت النساء كثيرا، وفي غياب مراكز لاستقبال المعنفات كن هنا في بني ملال يذهبن إلى ضريح سيدي احمد أبي القاسم في الأيام العادية أما في ظل الجائحة فحتى الضريح أقفل أبوابه ، لقد عانت النساء كثيرا من العنف مما جعلهن عرضة للأمراض النفسية والعصبية ومنهن من حرمت من أطفالها وطردت من بيت الزوجية، ومن هن من تعرضت للتعذيب.. وللأسف الدولة لم تكن تتحمل مسؤوليتها بالشكل اللازم، مثلما كان الحال في مجموعة من دول العالم، حيث وضع في بعض الدول رقم أخضر في جميع الصيدليات تتصل به النساء، كما تشكلت لجان يقظة لاستقبال النساء المعنفات وحل مشاكلهن ، أما عندنا ففي كثير من الأحيان نجد أنفسنا عاجزات عن إيجاد حلول عملية لمشكل المعنفة لعدم توفر مراكز لاستقبال النساء المعنفات، ماذا يمكن أن نقدم لها؟ عندما نقترح عليها العودة إلى بيت الزوجية ترفض خوفا من التعرض للقتل وتفضل الهروب، وإن إلى الشارع.

ذكرتم في معرض إجابتكم أنه كلما ازداد الفقر، إلا وازداد العنف، وأشرتم كذلك إلى أن نسبة الأمية مرتفعة في صفوف النساء، وبالمقابل أشرتم إلى أن أقصى ما تقوم به الجمعيات الحقوقية هو إصدار مذكرات وبيانات، ألا أن هناك مفارقة؟

ليس فقط البيانات أو التقارير وإنما هناك الترافع على المستوى الوطني و على المستوى الدولي فمثلا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ممثلة في الشبكة الأورو المتوسطية وفي الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وفي مجموعة من الشبكات الدولية ومن خلالها نترافع ونعمل من أجل أن يحصل تغيير لصالح النساء ولصالح الإنسان بصفة عامة.
أما بخصوص الجمعيات الجهوية فلها دور مهم ، رغم أنها غير معروفة بشكل كبير فهي تقوم بالتوجيه القانوني و الدعم النفسي، فالذي ينبغي معرفته هو أن جهة بني ملال خنيفرة ليس فيها مستشفى خاص بالأمراض النفسية للنساء باستثناء مدينة خنيفرة لكنه يتوفر على عدد قليل جدا من الأسرة.
ومعروف أن المرأة عندما تتعرض للعنف بشكل كبير من المرجح أن تصاب بأمراض نفسية، فهناك من النساء من تعرضن لمرض الانفصام في الشخصية، وهناك من وصلن إلى درجة الجنون، هذا يتطلب توفير أدوية أسعارها غالية، لأن المستشفى لا يوفر الأدوية، ونحن في جمعية إنصات لمناهضة العنف ضد النساء لتوفير الدواء لإحدى المريضات توجهنا لولاية الجهة كي نحصل عليها، كما قامت بعض العضوات بالتبرع من مالها الخاص كي توفر أدوية لإحدى ضحايا العنفالتي أصيبت بمرض نفسي خطير .
الجمعيات الحقوقية دورها لا ينحصر في هذه المجالات بل تتعداه لتنخرط في التربية والتحسيس، فحينما نقوم بزيارة المدارس كجمعيات حقوقية في إطار أنشطة ومشاريع الأندية الحقوقية، فإننا نقوم بتوعية الشباب، ففي إطار جمعية انصات قمنا بشراكة مع الجامعة وخلقنا نوعا من الدينامية وأيضا تم التعريف بالمدونة وتم إشراك الطلبة في هذا المجال وقمنا بمجهودات مهمة ولكنها تظل نقطة في واد إذا لم يتم توحيد الجهود والتشبيك والترافع على قضايا موحدة ونبذ التفرقة أولا,دون أن ننسى دور الأحزاب لأن الجمعيات تدق ناقوس الخطر بينما من ينبغي أن يقوم بالتغيير هي الأحزاب السياسية، التي يجب عليها أن تنخرط بشكل كبير في أوراش لمناهضة العنف ضد انساء وفي الدعوة إلى المساواة والمناصفة الحقيقية بين الجنسين.
فبالنسبة لنا إذا لم تكن هذه الجهود متضافرة وأن يتم تنزيل القوانين إلى أرض الواقع وأن تفعل على علتها، فاللجن الجهوية والوطنية التي تم إنشاؤها في إطار قانون مناهضة العنف ضد النساء يجب أن تفعل، ونحن نسجل أنها كانت غائبة خلال فترة جائحة كوفيد-19 وأنها لم تقم بالدور الذي ينبغي عليها القيام به، نفس الشيء بالنسبة لخلايا مناهضة العنف ضد النساء يجب تفعيلها، فالمرأة المعنفة التي تطلب الطلاق حينما تذهب إلى المحكمة يطلب منها تأدية الواجبات المادية لدى الصندوق وهي مطرودة من البيت بدون نقود ومعنفة فكيف يمكن لها أن تؤدي هذه المصاريف أو الرسوم الجزافية؟، والجمعيات الحقوقية لا تتوفر على موارد لتغطية هذه المصاريف، لهذا فإن النساء المعنفات يجب أن تكون لهن رعاية خاصة وأن يتم إعفاؤهن من جميع الرسوم، كما أن الشواهد الطبية يجب أن تعطى لهن بشكل مجاني، فجمعية إنصات كانت تترافع من أجل هذا الأمر وحققت جزء من هذه المطالب.

كيف السبيل لمناهضة العنف ضد النساء بشكل فعال من منظوركم؟

هنا لابد من الإشارة إلى دور وسائل الإعلام، وبالمناسبة لابد أن نحيي ملفات تادلة التي أخذت المبادرة وبالتالي على وسائل الإعلام من أن تأخذ المبادرة وأن تدافع عن هذا الحق الإنساني الذي يمس المجتمع ككل، لأنه لا يمكن أن نحارب العنف إلا في شموليته، فالعنف لا يجب أن تمارسه الدولة في الشارع، أمام قبة البرلمان ضد المحتجين الذين يعبرون عن وجهات نظر، فالعنف هو تربية، فيجب أن نتربى على أن لا يكون العنف لا في المدارس لا في الشارع ولا وسائل الإعلام، فالرجل الذي يمارس العنف على المرأة يتذرع بالقول أنه بدوره مورس عليه العنف إما في العمل أومن خلال معاناته بسبب البطالة وبالتالي يعيد إنتاج العنف و يمارسه على الحلقة الأضعف التي هي المرأة، كما أن محاربة الفقر تشكل مدخلا أساسيا في هذا الباب، لأن الاحصائيات تقول إن الأكثر تعرضا للعنف هن الفقيرات.

تحدثتم عن أصناف العنف ضد المرأة، ماذا عن العنف المؤسساتي؟

العنف المؤسساتي هو عنف متعدد، كان هناك عنف اقتصادي تمثل في طرد العاملات، عدد كبير من العاملات تم الاستغناء عنهن ، واشتغلن في ظروف تنعدم فيها الحماية الصحية، وعدد منهن أصبن بكوفيد-19 وتم طردهن لأنهن أصبن بكورونا وحتى حينما تم شفاؤهن تم الاستغناء عنهن من طرف مشغليهن، والكل يعلم التوقف عن العمل بالنسبة للنساء اللواتي يشتغلن في مهن هامشية مثل العاملات بالحمامات أو النظافة … كان هناك عنف مؤسساتي في هذا الباب، إذ أن النساء المعنفات لم يستفدن من الدعم المخصص للمتضررين من الجائحة، وكن يقلن ان الرجال هم من استفادوا في إطار الراميد.
صحيح أن جمعية إنصات قدمت لبعضهن قفة وقسيمة شراء وهذا غير كافي وإنما هو بمثابة « دواء أحمر « لتخفيف الجرح وهذا لا يعالج المشكل / الألم بشكل كبير.
وحينما نقول العنف المؤسساتي يجب أن نشير إلى هذا الامر غير مرتبط بفترة الجائحة وإنما مرتبط حتى بالأيام العادية، فمثلا المرأة التي تكون في نزاع مع الزوج فإن الوصاية على الأطفال دائما تعود للزوج، هناك مشكل الهدر المدرسي بحيث أن الزوجة قد تصحب أبناءها خوفا من العنف إلى بيت أسرتها وبالتالي ليس لها الحق في الحصول على شهادة المغادرة المدرسية بالنسبة للأطفال وبالتالي فهناك العديد من الأطفال يتم حرمانهم من حقهم في التمدرس، ولا يعقل أن هذه المرأة في ظل الحديث عن المساواة والمناصفة وفي ظل دستور سنة 2011 الذي يقول في ديباجته أنه يعتمد على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان لازالت محرومة من هذا الحق، وفي الغالب هي التي تكون مسؤولة على إعالة هؤلاء الأطفال، ورغم ذلك ليس لها الحق أن تحصل على شهادة مغادرة أبنائها حتى يتمكنوا من متابعة دراستهم ,.
هناك عنف مؤسساتي كبير، لذلك نحن نحاول كجمعيات حقوقية بالطبع أن نقضي على هذا العنف، ولكن لا يمكن لوحدنا وبالتالي يجب أن تكون لدى لدولة إرادة سياسية للقضاء على الظاهرة ، فالإرادة السياسية للدولة هي الأساس، فإذا لم تتوفر هذه الإرادة ، و لم يتشكل برلمان قوي يمكنه أن يدافع عن هذه الحقوق لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...