غرق شباب زيدوح: الفاجعة كما تحكيها أسر الضحايا

-محمد لغريب-

لم يعد يحلو لياسين وعثمان وطارق وآخرين … العيش بين أحضان دواري ولاد بنحسيسو وأولاد عبد النبي بجماعة دار ولد زيدوح بإقليم الفقيه بن صالح، وهم يسمعون قصص شباب المناطق المجاورة قد وصلوا إلى إسبانيا عبر المحيط، فقرروا جميعا المخاطرة بحياتهم ومواجهة أمواج الأطلسي العاتية للوصول إلى الفردوس الأوروبي، لكن رحلة الهجرة إلى الشمال هاته انتهت بفواجع وسحابة حزن سوداء خيمت على المنطقة، وأججت معها لوعة فراق الأمهات لفلذات أكبادهن وهم في عمر الزهور، حيث تم السفر بدون تذكرة، ودون طقوس الوداع.

هنا، بدوار أيت بنحسيسو بجماعة دار ولد زيدوح بإقليم الفقيه بن صالح، نصبت خيمة لتلقي العزاء وعم الحزن على فاجعة أيقظت الجروح وتوشحت البيوت بالسواد، فلا حديث بدوار أيت بنحسيسو سوى عن رحلة الموت هاته، وعن ذكريات شباب المنطقة الذين غرقوا بعرض البحر، وعن صورهم وحلمهم وعن الناجين منهم، وعن قسوة المنطقة على شبابها الذي أضناه العيش في ظروف صعبة حيث لا شغل ولا أمل.

انطلقت رحلة ياسين وطارق وعبد النبي وباقي أفراد المجموعة، رحلة الموت، بعد ترتيبات وحلم وأمل وخوف ودعاء وترقب، في 8 من شهر أكتوبر الجاري، من إحدى شواطئ مدينة الداخلة، وتحديدا من المنطقة المسماة ” بلايت ان طلان ” بين مدينة الداخلة وبوجدور على متن قارب للموت يحمل حوالي 26 مرشحا للهجرة، أغلبهم من دواوير جماعة دار ولد زيدوح ومرشحين آخرين من إقليم قلعة السراغنة ووادي زم.

وجرى الترتيب ” لرحلة الموت” حسب تصريحات متطابقة لأسر الضحايا منذ أزيد من ثلاثة أشهر في سرية تامة عن الأسر، حتى لا ينتشر الخبر بين باقي شباب الدوار، وحتى لا تنكشف الخطة التي جرت في سرية تامة، بعد الاتفاق مع أحد النشيطين في تهجير المرشحين للهجرة والمنحدر من نفس الدوار. بل إن هناك من الآباء من لم يعلم بمصير ابنه إلا بعد وقوع الحادث، حسب نفس الإفادات، أما ثمن الرحلة فحدد في حوالي 15000.00 درهم حسب تصريحات بعض الأسر.

تتراوح أعمار من قضوا في رحلة الموت هاته، ما بين 21 و35 سنة، منهم من ترك زوجة وأطفال صغار، ومنهم من ترك مقاعد الدراسة (طالب بكلية الحقوق بمكناس) ومنهم من أضناه العيش وسط الدوار وراح يبحث عن خلاص ينقذه من براثن البطالة واليأس الذي يلقي بضلاله على شباب دار ولد زيدوح، شباب جمعهم حلم الوصول إلى الفردوس الأوروبي، قبل أن يواجهوا نفس المصير بعرض المحيط الأطلسي، وهم متوجهون صوب جزر الكناري.

ظلت أسر الضحايا بدوار أيت بنحسيسو، تتوجس خوفا على أبنائها وتنتظر على أحر من جمر أخبارهم مدة أسبوعين، دون معرفة ما وقع خلال هذه الرحلة، منذ الانطلاقة حتى النهاية، وإن روى بعض الناجين بعض تفاصيلها لأسرهم وأصدقائهم، بعد أن تم إنقاذهم من طرف سفينة صيد بعرض سواحل المحيط الأطلسي، حيث جرى نقلهم إلى مستشفيات لاس بلماس لإسعافهم، لكن أسرار الرحلة المأساوية حملها الضحايا معهم في صدورهم، وبقيت دون أن تروى.

قضى في هذا الحادث المأساوي حسب شهادات الناجين حوالي 16 مرشحا، منهم 7 مرشحين من عائلة واحدة من دواري أيت بنحسيسو وأولاد عبد النبي ،ومرشحين من وادي زم وقلعة السراغنة، وحسب نفس الإفادات فإن أغلب من كانوا على متن القارب، قضوا بسبب الجوع والبرد والتعب والعطش، بعد عطل أصاب محركه، مما أدى إلى تيهانه بعرض المحيط الأطلسي وحال دون وصوله إلى بر الأمان.

ادريس العمراوي، متقاعد من البحرية الملكية والد عثمان (23 سنة) أحد ضحايا الحادث روي لملفات تادلة ما عاشته أسر الضحايا من ألم ” انتظرنا حوالي 13 يوما نترقب مصير أبنائنا إلى أن وصلتنا أخبار متضاربة، منها ما تقول إنهم تحت الإنعاش، ومنها ما يفيد أنهم تحت الحجر الصحي، وأخرى تشير إلى وجودهم بالمستشفى، لكن الأخبار المؤكدة وصلت في 21 من أكتوبر على لسان الناجين الذين اتصلوا بأسرهم وأبلغوهم بما جرى، وأكدوا أن عدد الذين قضوا في هذا الحادث بلغ حوالي 16 شخصا “.

يحكي العمراوي والد عثمان، نقلا عن شهادات الناجين التي أدلوا بها لأسرهم وأصدقائهم، أن أغلب الضحايا توفوا نتيجة الجوع والعطش وهم على متن القارب، مشيرا إلى أن الشخص الذي حاول تهجيرهم إلى جزر الكناري، وعدهم بتوفير المؤن لهم طيلة الرحلة غير أن شيئا من هذا لم يحصل.

وأضاف العمراوي حسب إفادة الناجين أنه ” كان يتم التخلص من الجثث برميها في عرض البحر، وهي الأخبار التي تتردد كثيرا على ألسنة الساكنة، لكن التحقيقات والتحريات هي التي ستكشف حقيقة ما جرى على طول الرحلة “.

وشدد العمراوي الذي خبر مطبات المحيط الأطلسي جيدا طيلة مساره المهني، على ضرورة معرفة حقيقة ما وقع خلال رحلة الموت، ومن يقف وراء هذه الفاجعة، مناشدا السلطات المختصة التحرك من أجل مباشرة أبحاثها وموافاة أسر الضحايا بما توصلت به من معلومات وحقائق، والعمل على تسليم جثث الضحايا التي رماها البحر، بالتنسيق مع السلطات الإسبانية من أجل دفنها.

وطالب العمراوي السلطات القضائية بالضرب من حديد على يد كل المتورطين في هذه الفاجعة التي هزت المنطقة، وإعمال القانون وإظهار الحقيقة كاملة حول ما جرى لهؤلاء الشباب بعرض المحيط الأطلسي.

أما شيبوب عبد الله القاطن بدوار أيت بنحسيسو وهو أحد أقارب الضحايا فصرح لنا ” هناك من الضحايا من جمع أمتعته ولم يخبر حتى والديه بعزمه على الهجرة على متن قوارب الموت، ليس أمام شباب البلدة من بديل سوى الهجرة على متن قوارب الموت “.

” ليس هناك شركات ولا موقف ولا عمل، فهؤلاء الشباب الذين اختاروا الهجرة إلى أوربا لم يجدوا شغلا بالمنطقة التي تفتقد إلى كل شيء، لا تنمية، لا فلاحة، الشباب هنا بالبلدة ضائع لذلك يبقى حلمه الوحيد هو الهجرة نحو أوروبا “. يضيف عبد الله.

موقف آخر يتقاسمه رحال المعطاوي وهو أيضا أحد أقارب الضحايا، وهو نائب أراضي الجموع بدوار أيت بنحسيسو مع شيبوب عبد الله، فأكد على أن الوضع الاجتماعي الصعب لهؤلاء الشباب هو من كان وراء محاولة وصولهم إلى الديار الأوروبية.

وأشار رحال أن عائلة المعطاوي رزئت في 7 أفراد من أبنائها في هذه الفاجعة، منهم 3 شباب متزوجين تركوا أطفالا صغارا وراءهم، وهم في أمس الحاجة إلى يد المساعدة والشد بيدهم طيلة هذه المحنة التي يعرفها دواري أولاد عبد النبي وأيت بنحسيسو.

صالح العالي، والد أيوب (23) الذي قضى بدوره والمنحدر من مدينة وادي زم صرح لملفات تادلة بالقول ” إنني تأكدت من وفاة ابني أيوب بعد انقطاع أخباره مدة 13 يوما بعد أن ورد اسمه على لسان الناجين من هذا الحادث “، مضيفا ” هذا قدر الله “.

صالح، أشار إلى أنه يتواصل باستمرار مع باقي أسر الضحايا بدار ولد زيدوح لمعرفة إن كانت هناك مستجدات أو أخبار حول جثث أبنائه، مادام أن الأمل المتبقي لهذه الأسر هو أن يلفظ البحر جثث هؤلاء الشباب وتتمكن عائلاتهم من دفنها.

صورة أخرى أكثر مأساوية نقلها مراد الطاهري أخ أحمد الطاهري المنحدر من دوار أولاد سيدي محمد التومي جماعة أولاد سيدي عيسى بن سليمان بقلعة السراغنة، والذي قضى بدوره خلال رحلة الموت هاته ” لقد ترك أخي وراءه زوجة وثلاثة أطفال أكبرهم سنا يبلغ من العمر حوالي 10 سنوات “.

” تأكدت من موت أخي بعد الاتصال بأحد الناجين المنحدر من دوار ولد زيدوح بجزر الكناري”، ” كان أخي يتردد على الجنوب، حيث يشتغل في قطاع الصيد ( بحري)، وهناك قرر الهجرة صوب جزر الكناري، لكن بعد انقطاع أخباره طيلة 13 يوما، اتصلت بأسر الضحايا بدوار أيت بنحسيسو فتأكدت بأن أخي كان على متن نفس القارب “.

وأشار مراد في تصريحه أن شخصا آخرا ينحدر من قلعة السراغنة كان على متن القارب نجا هو الآخر، لكنه يرقد بالمستشفى بلاس بلماس بعد إصابته بكسور خلال هذا الحادث، موضحا أن الدوار الذي يقطن به عرف هجرة كبيرة للشباب.

ملفات تادلة حاولت الاتصال ببعض أفراد أسر الناجين لمعرفة وضع أبنائها بعد الحادث، لكنهم اعتذروا وأكدوا أنهم لا يتوفرون على معلومات عن رحلة الموت باستثناء ما يروج أنهم غرقوا بعرض المحيط.

وفي غمرة حرقة الفقد بهذا الشكل المأساوي لشباب في مقتبل العمر، تظل العديد من الأسئلة عالقة بدون جواب، يلخصها سؤال، لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...