نازحون يسكنون موقعا أثريا بدل المخيمات المكتظة في شمال غرب سوريا

  – ملفات تادلة 24 – أ ف ب 

وسط ما تبقى من جدران وأعمدة معبد روماني يعود بناؤه الى القرن الثاني، وضع عبد العزيز الحسن خيمة تؤويه وعائلته مفضلا هذا الموقع الأثري في منطقة باقرحا على مخيمات النازحين المكتظة في شمال غرب سوريا.

وعلى غرار عبد العزيز، اختارت عائلات نازحة عدة الإقامة في مواقع أثرية في منطقة باقرحا وجوارها، المدرجة على قائمة التراث العالمي للبشرية التي تعدها اليونسكو، بعدما أجبرها هجوم لقوات النظام بدعم روسي نهاية العام الماضي على ترك قراها وبلداتها في جنوب إدلب.

ويقيم نحو 1,5 مليون نازح في أكثر من ألف مخيم على طول الحدود بين إدلب وتركيا. ويبدو أن ابتعاد تلك العائلات عن الاكتظاظ جاء في مصلحتها مع انتشار فيروس كورونا المستجد والخشية المتصاعدة من “كارثة” صحية.

ويقول عبد العزيز، الوالد لثلاثة أطفال، لوكالة فرانس برس “اخترت هذا المكان لضمان راحة البال وللابتعاد عن الأماكن المزدحمة وتلك التي يوجد فيها أمراض”.

وضع الرجل الثلاثيني، نحيل البنية، خيمته بين ما تبقى من ثلاثة جدران أثرية، وحولها حجارة ضخمة وبقايا أعمدة سقطت على مر التاريخ تعود إلى معبد زيوس بوموس الروماني ويعرفه السكان اليوم باسم “برج باقرحا”. وفي المنطقة آثار كثيرة تعود إلى الحقبتين الرومانية والبيزنطية.

قرب الخيمة، وبين حجارة ضخمة تحميه من الرياح، وضع عبد العزيز موقدا صغيرا يشعل فيه الحطب للطبخ ولوحا يعمل على الطاقة الشمسية لتأمين مياه ساخنة للاستحمام. وعلق بين جدران المعبد حبلا للغسيل.

ويقول المدير العام السابق للمديرية العامة للآثار والمتاحف مأمون عبد الكريم لوكالة فرانس برس في دمشق، إن باقرحا “من المواقع الهامة كونها تلقي الضوء على التطور الريفي في هذه المنطقة خلال العصرين الروماني والبيزنطي”، مشيرا إلى أن ثمة مباني ما زالت “في حالة من الحفظ الجيد”.

ويعود المعبد الروماني الذي صمدت واجهته، إلى القرن الثاني الميلادي، بحسب الكتابات اليونانية الموجودة في الموقع.

وتقع بالقرب منه كنيستان، تعود الأولى إلى العام 501 ميلادي والثانية وهي بازيليك كبيرة إلى العام 546.

ويضم شمال غرب سوريا حوالى أربعين قرية، بينها باقرحا، تعود إلى ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد من الحقبة البيزنطية. وقد وضعتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي.

وتشمل، وفق موقع المنظمة، معالم أثرية لعدد من المساكن والمعابد الوثنية والكنائس والأحواض والحمامات العمومية. وت عد “دليلا مهما على الانتقال من التاريخ الوثني للإمبراطورية الرومانية إلى الحقبة المسيحية في العصر البيزنطي”.

لكن الحياة في هذه المنطقة المهجورة ليست بالأمر السهل، إذ يجدر على أطفال عبد العزيز السير مسافة حوالى 1,5 كيلومتر للوصول إلى مدرسة القرية في منطقة تنتشر فيها العقارب والأفاعي، حتى أنهم يتأخرون أحيانا عن دوامهم، على حد قوله.

ويروي “منذ يومين قتلت أفعى كانت بالقرب من باب (الخيمة) بعدما دخل علي ابني وهو يرتجف” من الخوف. ويضيف “كل يومين نقتل عقربا .. لكننا لم نجد أفضل من هذا المكان”.

مر حوالى العام على نزوح عبد العزيز، ولم يتمكن حتى اللحظة من العودة رغم اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل إليه في مارس 2020 برعاية روسيا وتركيا لوقف الهجوم الذي دفع بنحو مليون شخص للنزوح، عاد منهم 235 ألفا وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وفي سوريا، كنوز تعود لحقبات الرومان والمماليك والبيزنطيين، مع مساجد وكنائس وقلاع صليبية. إلا أن مئات المواقع الأثرية تضررت خلال السنوات الماضية نتيجة المعارك والقصف فضلا عن أعمال السرقة والنهب.

لم يلجأ عبد العزيز وحده إلى الموقع الأثري، بل رافقه صهره صالح جعور وأولاده بعدما فقد زوجته، شقيقة عبد العزيز، وأحد أولاده جراء القصف.

ويقول صالح (64 عاما )، الذي غزا الشيب شعره وذقنه، “اخترت هذا المكان لأنه قريب من الحدود التركية، وفي حال حصل شيء ما، نذهب سيرا إلى تركيا”.

ويضيف “إنه مكان بعيد عن الزحمة والضجيج”.

وفي الآونة الأخيرة، طلب مسؤولون محليون منهم المغادرة المكان، لكن العائلة رفضت لعدم قدرتها على تأمين بديل، فيما تعاني لتأمين قارورة غاز أو مياه من القرية المجاورة.

ويتساءل صالح “إلى أي نذهب؟”، فلا قدرة له على الترحال ووضع خيمة من جديد أو حتى استئجار سيارة لنقل أغراضه، رغم تخوفه من فصل الشتاء والمصاعب التي ستأتي معه.

وبهدف إبعاد النازحين من المنطقة الأثرية، يسعى المجلس المحلي في قرية رأس الحصن المجاورة إلى ايجاد حلول بديلة. ويأمل أن تساعد المنظمات المعنية على نقلهم إلى مخيمات يتم إنشاؤها في منطقة قريبة.

إلا أن عبد العزيز يقول “اعتدنا على المكان”.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...