– محمد لغريب –
شهدت السنوات العشر الماضية تناميا ملحوظا للمظاهرات الاحتجاجية ذات الزخم الكبير، بالعديد من البلدات والدواوير بالمناطق الجبلية بإقليم أزيلال، وبخاصة قبائل أيت عبدي تينكارف انركي، تكليفت، تفريت أيت حمزة، أيت عباس، أيت بلال… وغيرها من الدواوير، معارك وإن اختلفت طبيعة مطالبها وأشكالها الاحتجاجية، فإنها كانت بمثابة ردات فعل قوية على واقع التهميش والإقصاء الذي تعاني منه هذه المناطق مند عقود ما بعد الاستقلال.
لكن الملاحظ، أن هذه الاحتجاجات لم تنحصر في منطقة بعينها، بل توسعت شيئا فشيئا لتشمل مناطق معزولة في أقاصي جبال أزيلال، لم يسمع بها من قبل، حيث خرجت ساكنتها لإسماع صوتها ورفع مطالبها للجهات المسؤولة، وكلها أمل أن يتم رفع الضيم والتهميش عنها، لكن القاسم المشترك بين هذه المعارك، يظل هو التعبير عن رفض الوضع القائم ومحاولة تغييره، لذلك انخرطت ساكنة هذه المناطق في أشكال احتجاجية أحيانا غير مسبوقة، بأطفالها وشبابها ورجالها وشيوخا ونسائها اللائي شكلن هن الأخريات سندا وطاقة مهمة لهذه المعارك الاحتجاجية.
لكن الثابت في هذه الظاهرة الاحتجاجية التي عرفها ويعرفها الإقليم، والتي أفرزتها مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية أيضا، أنها لم تتوقف يوما، بل تضاعفت وتوسعت بعد أن انضافت فئة الشباب المتعلم إليها، وازدياد رغبة وتطلعات الساكنة في تحقيق عيش كريم، واتساع رقعة الفقر والهشاشة بها.
ورغم محاولات السلطات احتواء الأوضاع عن طريق الحوارات مع المحتجين والاستجابة لبعض المطالب، وتقديم الوعود لتهدئة الأوضاع وإطلاق برامج “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” التي أعلن عنها في ربيع 2005 بهدف التخفيف من حدة الفقر والهشاشة بهذه القرى والجبال، وتذويب الفوارق المجالية بين جهات الإقليم للحيلولة دون اتساع رقعة الاحتجاجات بكافة مناطق الإقليم المتشكل من أراض شاسعة أغلبها عبارة عن جبال. فإن “انتفاضة” الساكنة لم تتوقف حتى اليوم.
من أيت بلال إلى أيت عبدي صوت واحد ومطالب واحدة
ليس احتجاجات ساكنة هذه المناطق وليدة اللحظة، ولكنها متجذرة، حيث أصبحت تقليدا متواترا غذته السياسات المتعاقبة التي همشت المنطقة كليا طيلة عقود من الزمن، مما أجج إحساس الساكنة بالدونية واللامبالاة والحكرة، فاندفعت إلى الاحتجاج على الوضع القائم، وخوض أشكالا احتجاجية غاضبة، مسيرات، اعتصامات، وقفات، إضرابات… لإيصال صوتها للمسؤولين ودق ناقوس الخطر حول ما تعانيه ساكنة هذه المناطق التي أدخلتها الحسابات السياسية والأمنية إلى دائرة النسيان والتهميش.
وهكذا، شهدت منطقة أيت بلال أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتحديدا أبريل 1999 أقوى احتجاج بالمنطقة، بعد مسيرة تاريخية للساكنة نحو مدينة مراكش شارك فيها أزيد من 1400 شخص للمطالبة بتعبيد الطريق وإنشاء مستوصف وتجهيز السوق الأسبوعي، وفك العزلة عن دواوير المنطقة، ليسفر هذا الاحتجاج عن اعتقال 13 محتجا بعد تدخل القوات العمومية بالقوة.
وفي 23 من شهر فبراير من سنة 2009 اجتمع أزيد من 90 امرأة ورجل من دواوير أيت عبدي نتاسرفت وتنكارف في مسيرة احتجاجية، قادمين من تكلفت التي اعتصموا بها مدة يومين قبل التوجه صوب مقر ولاية جهة تادلة أزيلال سابقا، قاطعين أزيد من 80 كيلومتر مشيا على الأقدام في عز يوم ممطر، بعد أن تدخلت السلطات ومنعت على وسائل النقل نقلهم إلى مدينة بني ملال.
شكل اعتصام ساكنة أيت عبدي – أصبحت تابع للإقليم أزيلال – الذي دام أمام مقر ولاية الجهة أزيد من 15 يوما ( من 23 فبراير إلى 10 مارس) محطة فارقة في تاريخ الفعل الاحتجاجي بالإقليم، نظرا لما شهدته من تعاطف كبير من طرف الجماهير الشعبية واحتضانها من طرف بعض القوى السياسية التقدمية المناضلة بالمدينة، وأيضا المتابعة الإعلامية الكبيرة لهذه المعركة، وكذا الصمود البطولي الذي أبان عنه أهالي أيت عبدي، والتنظيم المحكم للمعتصم وتدبير مجريات المعركة من تكليفت حتى بني ملال، والتي لعبت فيها النساء دورا حاسما.
كانت ظروف القهر والتهميش والإقصاء والإحساس ب”الحكرة” من بواعث انطلاق هذا الفعل الاحتجاجي، والذي انضاف إلى عوامل سياسية وتاريخية متراكمة، حيث عاشت المنطقة أشبه بحصار تام بعد أحداث مارس 1973.
وتمثلت أهم مطالب أيت عبدي في بناء قنطرة على وادي عطاش، وشق الطرق لفك العزلة عن سكان مختلف الدواوير التابعة لجماعة بوتفرة، وبناء مركز صحي وتجهيزه بمختلف الأجهزة والأدوية، وكذا دار للولادة لفائدة ساكنة تينكارف لوضع حد للوفيات نتيجة الولادة في ظروف غير صحية، وفك العزلة عن دواوير المنطقة بشق الطرق وتعبيدها وربط المنطقة بشبكة الكهرباء وتوسيعها لتشمل مختلف دواوير المنطقة، وجبر الضرر الجماعي للسكان عما لحقهم من خسائر مادية من خلال التعويض عن البيوت المهدمة، والتعويض عن نفوق المواشي بسبب تساقط الثلوج، وكذا التعويض عن الموسم الفلاحي الضائع، وكذا ربط المنطقة بشبكة الاتصالات… وغيرها.
وفي أبريل 2013 خاضت ساكنة تكلفت اعتصاما مفتوحا أمام مقر الجماعة، مرفوقا بإضراب عام للمحلات التجارية، للمطالبة بتجهيز المركز الصحي وتوفير التجهيزات اللازمة وتزويده بكميات كافية من الأدوية للتخفيف من معاناة نقل المرضى إلى المستشفى الجهوي ببي ملال أو الإقليمي بأزيلال، وتوفير الأمصال المتعلقة بلدغات العقارب والأفاعي، نظرا لتزايد حالات الإصابات بها، وتعيين عدد كاف من الأطر الطبية بالمركز لاستيعاب العدد الهائل من سكان المنطقة والعمل بالمداومة بالمركز الصحي، وبرمجة مشروع لبناء مستشفى بكامل المواصفات بتكلفت.
وفي فبراير من سنة 2015 خرجت أزيد من 400 امرأة من جماعة أيت بلال ينحدرن من دواوير أيت واكون وتفرت، وتنالكنت، وأيت إيغير، وتيزي نوبادو في مسيرة احتجاجية غاضبة، احتجاجا على غياب تجهيزات كافية بالمركز الصحي، وغياب الأدوية، وكذا طبيبة المركز، الشيء الذي يجبرهم على التنقل مسافات طويلة إلى مدينة دمنات لتلقي العلاجات، مما جعل السلطات تبادر إلى الانصات للمحتجين والمحتجات والاستجابة لمطالبهم.
بدورها خرجت في مارس 2016 مجموعة من ساكنة أيت عباس، التابعة لقيادة أيت محمد في وقفات احتجاجية أمام مقر عمالة أزيلال، للتنديد بالإقصاء والتهميش الذي يطال المنطقة. وطالبوا بفتح المسالك والطرق لفك العزلة عن دواوير الجماعة، وإعطاء المنطقة أهمية كبرى نظرا للظروف الصعبة التي تعرفها خلال فصل الشتاء، حيث تشهد المنطقة تساقطات ثلجية كثيفة غالبا ما تؤثر على المسالك نتيجة انجراف الأتربة.
وفي فبراير من سنة 2017 خرجت ساكنة انركي في ووقفات احتجاجية حاشدة ومسيرات شارك فيها أزيد من 300 مواطنا من مختلف الأعمار، طالبوا من خلالها بإحداث ملحقة لإعدادية بالجماعة لوقف مسلسل الهدر المدرسي الذي تعاني منه التلميذات والتلاميذ الذين يضطرون للتوجه إلى جماعة تكلفت أو واويزغت بعيدا عن أهلهم، وما يرافق ذلك من إثقال كاهل الأسر بمصاريف إضافية هي في حاجة إليها.
لكن ساكنة أنركي اضطرت أمام تماطل السلطات المحلية في شخص قائد الدائرة، وعدم الاستجابة لمطالبها إلى نقل معتصمها صوب مقر ولاية جهة بني ملال خنيفرة، بعد مسيرة طويلة، حيث قطع المحتجون أزيد من 100 كيلومتر، مشيا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام عبر المرتفعات التي تفصل إقليم بني ملال عن إقليم أزيلال، رغم التساقطات المطرية الغزيرة التي عرفتها المنطقة، واعتراض القوات العمومية للمسيرة على مستوى سوق مودج، حيث فتحت معهم السلطات حوارات للنظر في ملفهم المطلبي بعد اعتصامهم أمام مقر الولاية.
وفي أكتوبر من سنة 2019، خرج سكان دوار “تاغية” بجماعة زاوية أحنصال في مسيرة احتجاجية للتنديد بالظروف المزرية التي يعيشون فيها، وطالبوا برفع التهميش عن المنطقة والعمل على إيجاد فرص الشغل للشباب، غير أنه تم فك اعتصامهم بالقوة بعد تدخل عناصر القوات المساعدة، وهدم الخيمة التي تم نصبها.
وفي يوليوز الماضي، دخلت ساكنة دواوير جماعة بني حسان بدائرة بزو في اعتصام مفتوح أمام مقر المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بدوار اجعيدة ابراغن، احتجاجا على مشكل نقص المياه الصالحة للشرب الذي تعاني منه ساكنة المنطقة مع حلول فصل الصيف من كل سنة وارتفاع درجة الحرارة.
هكذا، فإن احتجاجات ساكنة جماعات ودواوير الإقليم لم تتوقف، بل تواصلت فلا يكاد يمر يوم دون احتجاج هنا أو هناك، حيث أصبحت تقليدا مستمرا للتعبير عن رفض الأوضاع التي تعيشها الساكنة في هذه الربوع من المغرب المنسي، خاصة مع بروز مطالب جديدة للساكنة انضافت إلى سلسلة المطالب الأخرى ومن أبرزها مشكل الماء الصالح للشرب الذي برز في الأونة الأخيرة بالإقليم بحدة رغم أن الإقليم يعتبر خزانا للماء، وخاصة بمدينة دمنات وواويزغت وبني حسان بدائرة بزو …
هذه بعض المحطات التي تلخص فصول معاناة ساكنة الإقليم، وتكشف حجم الإقصاء الذي تعاني منهم المنطقة، كما تكشف قساوة الظروف الاجتماعية وأثارها على الحياة اليومية لهؤلاء السكان.
جغرافيا قاسية وتنمية مفقودة
بلغ معدل الفقر بإقليم أزيلال 20.6 في المائة ومعدل الهشاشة 25.6 في المائة، حسب إحصاء المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2014، وهي أعلى نسبة مسجلة بالمغرب على الإطلاق، وشكلت جماعة أيت بلال أفقر الجماعات بالإقليم بمعدل 38.6 في المائة حسب إحصائيات المندوبية لسنة 2007.
مؤشرات تدل على أن خريطة الفقر بأزيلال هي الأعلى وطنيا، مما يضع على جدول أعمال المسؤولين بالإقليم والجهة ووطنيا أيضا، ضرورة إيلاء هذه المناطق اهتماما أكبر ووضع مخطط تنموي شامل وحقيقي يستهدف تنمية المنطقة على جميع المستويات من خلال استغلال الإمكانيات الهائلة التي يزخر بها الإقليم البشرية والطبيعية والسياحية، بعيدا عن المقاربات الأمنية والحسابات الانتخابية، مخطط يستحضر ضمان فرص قارة للشغل لساكنة هذه المناطق وخلق مشاريع مدرة للدخل، وتثمين المنتوجات المحلية والاهتمام بقطاعي الصحي والتعليم وفك العزلة عن كل مناطق الإقليم، وذلك لخدمة قضايا الأنسان بهذه المنطقة.
فرغم إعلان مجموعة من المبادرات التي أنجزت في إطار “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” بالشراكة مع مجموعة من الشركاء ومع الجمعيات المحلية، والتي استهدفت تذويب الفوارق بين الدواوير والجماعات وربط بعضها البعض، وفك العزلة عنها واقتناء سيارات النقل المدرسي لمحاربة الهدر المدرسي، وتحسين الدخل ورصد ميزانيات مهمة لذلك وغيرها من المبادرات، إلا أن المشاريع المنجزة حتى الآن تبقى دون تطلعات ساكنة هذه المناطق التي أتعبها الفقر والتهميش والحرمان والإقصاء، ولم تظهر أثارها على مجموع جماعات الإقليم.
فأمام انعدام أنشطة اقتصادية بديلة كفيلة بإنعاش مداخيل الساكنة، يظل النشاط الرئيسي للساكنة هو الفلاحة، وتحديدا تربية الماشية، نظرا لأن أغلب أراضي الإقليم هي عبارة عن غابات تستغل في عملية الرعي، مع وجود بعض الزراعات القليلة والمعيشية أحيانا وتتكون أساسا من الحبوب: القمح والشعير والعدس وبعض الأشجار المتمرة اللوز والزيتون وبعض الخضراوات التي تشكل ضفاف الأودية مجالا خصبا لها ( أيت بوكماز).
ينضاف عاملا التضاريس والمناخ بالإقليم إلى بقية العوامل الأخرى التي تزيد من معاناة الساكنة، فتضاريس الإقليم هي عبارة عن سلسلة جبلية ممتدة، قسم منها ينتمي للأطلس المتوسط والقسم الآخر للأطلس الكبير الذي يشكل نسبة مهمة من أراضي الإقليم، مما يؤثر على حركة التنقل بين جماعات ودواوير هذه المناطق بسبب النقص في وسائل النقل وغياب شبكة كافية للمسالك والطرق المعبدة، والتي كانت سببا في اندلاع احتجاجات عدد من الدواوير، حيث طالبت غير ما من مرة السلطات بالإسراع في تعبيد الطرق وفك العزلة عن مناطق شاسعة بالإقليم وجعلها منفتحة عن العالم الخارجي.
تزداد معاناة ساكنة هذه المناطق مع حلول فصل الشتاء، حيث تعرف سقوط كميات كبيرة وأحيانا قياسية من الثلوج، إذ يفوق أحيانا علوها المترين والنصف المتر، وتصل درجة الحرارة فيها أحيانا إلى أكثر من 7 درجات تحت الصفر، وهو ما يفاقم من وضعية السكان خاصة مع انقطاع الطرق والمسالك الوعرة وندرة السلع، وتتحول مناطق كثيرة إلى أمكنة قاسية بفعل الانخفاض الحاد في درجة الحرارة، مما يعمق عزلتها عن العالم الخارجي، ويحول حياة الناس هناك إلى جحيم لا يطاق، حيث تغلق المدارس أبوابها وتشل حركة الأسواق المزود الرئيسي للساكنة بالمواد الغذائية والأعلاف، وتتوقف الحركة كليا، في ظل غياب مساعدات من الجماعات المحلية التي تظل إمكانياتها محدودة.
ويشكل فصل الشتاء تحديا كبيرا لساكنة هذه المناطق، حيث تبدأ الاستعدادات لمواجهة قساوته مع بداية فصل الخريف، وتعمد الأسر الفقيرة إلى جمع الحطب وتخزينه باعتباره مادة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها، فضلا عن بعض المدخرات من حبوب وقطاني وزيت الزيتون وشاي وسكر، تحسبا لما يحمله فصل الشتاء من مفاجئات غير سارة للساكنة والتي يمكن أن تضاعف من معاناتهم.
الإقليم في عيون أبنائه
تنامي الاحتجاجات واتساع رقعتها بالإقليم وتزايد مطالب الساكنة، شكلت موضوع نقاش وسط الفاعلين السياسيين والحقوقيين والنشطاء، وكذا ممثلي الجمعيات المدنية، والذين أجمعوا على النقص الحاد في الخدمات الأساسية التي تعاني منها مناطق كثيرة بالإقليم، وأن حل مشكل التنمية بات مطروحا على جدول أعمال المسؤولين أكثر من أي وقت مضى.
حدو مسكيتو فاعل سياسي من مدينة أزيلال، قال في تصريح لملفات تادلة، إن ” إقليم أزيلال تحول في السنوات العشر الأخيرة إلى إقليم للاحتجاجات بامتياز، وهذا باعتراف حتى المسؤولين أنفسهم، وأصبح من المعتاد أن تصادف كل يوم اثنين دوارا أو أكثر من الدواوير في وقفة احتجاجية أمام بوابة مقر عمالة أزيلال، بعد أن قطعوا عشرات الكلومترات إما مشيا على الأقدام أو عبر وسائل نقل يحشرون فيها حشرا”.
وأشار بالقول، ” لا تخلو أية جماعة من الجماعات 44 للإقليم من دوار على الأقل نظم مسيرة في اتجاه مقر عمالة أزيلال “.
وعن أسباب هذا الزخم الكبير من الاحتجاجات قال حدو ” لن نحتاج إلى كثير من الجهد لتبيانه، فهو ظاهر للعيان ويفقأ العين، ومرده إلى الاختيارات السياسية للحاكمين منذ فجر “الاستقلال الشكلي” تجاه هذا الإقليم المبنية على التهميش والإقصاء واستنزاف ثرواته الطبيعية والمائية، ولا غرابة في تصنيف الإقليم حتى رسميا كإقليم يعاني من الفقر والهشاشة والخصاص الكبير في الخدمات الاجتماعية “.
وأضاف الفاعل السياسي ” لا تخرج الاحتجاجات عن المطالبة ببناء مدرسة أو توفير الأطر التعليمية أو النقل المدرسي، أو المطالبة ببناء مستوصف صحي، وتوفير الأطر الصحية والأدوية وسيارة الاسعاف لنقل المرضى، وانقاذ حياة الأمهات الحوامل اللواتي حصد الموت الكثير من أرواحهن، وعن بناء طريق أو مسلك وتوفير وسائل النقل العمومي، وعن التزود بالماء الصالح للشرب والربط بشبكة الكهرباء، أي أن مطالب هذه الاحتجاجات لا تخرج عن نطاق مطالب الحاجيات الأساسية للحياة ليس إلا “.
واعتبر حدو أن الدولة عولت على ” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبطاقة راميد، وبرنامج تيسير وبرامج أخرى قطاعية لمعالجة هذا الوضع المتأزم، لكنها باءت بالفشل ودليل ذلك أن أعلى سلطة في البلاد أعلنت فشل النموذج التنموي المعتمد الذي هو نفسه فشل للاختيارات السياسية المتبعة من طرف الحاكمين”.
وعن البدائل الممكنة لتحقيق التنمية الحقيقية بالإقليم، قال ‘ إنها مرتبطة بمصير البلاد بكاملها فلا تنمية في الإقليم بدون تحقيق تنمية في الوطن بكامله، ومنطلقها هو إقامة ديمقراطية حقيقية على أساس دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، وانتخابات نزيهة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين والقطع مع اقتصاد التبعية والريع والامتيازات وإرساء جهوية ديمقراطية حقيقية في إطار من التكامل والوحدة”.
وختم حدو قوله ” لم يعاني الإقليم فقط من التهميش بل إن الميزانيات المخصصة له منذ 1975 قد نخرها الفساد واغتنى منها الكثيرون، وأصبحت بدون أو بأثر ضعيف على عيش الساكنة، وقد حان الوقت للمطالبة بجرد لكل الميزانيات المرصودة لإقليم منذ إحداثه ومقارنتها بما تحقق على أرض الواقع وسنكتشف هول ما ضاع وسلب”.
أما الناشطة الحقوقية زاهية أنوش وهي ابنة الإقليم فسجلت بدورها تنامي الاحتجاجات بشكل ملفت للنظر في عشر السنوات الأخيرة، أيت بلال، أيت عبدي، دواوير بزاوية أحنصال…، مشيرة إلى أن هذه الاحتجاجات شارك فيها الرجال والنساء الشباب والكهول، واتجهت بالأساس نحو تحقيق مطالب فك العزلة والتهميش، ومن خلال إنجاز وتعبيد الطرقات وبناء المدارس والمستوصفات الصحية وتجهيزها بالتجهيزات الأساسية والأطر الطبية إلى غير ذلك من البنيات التحتية.
وشددت زاهية على أن ساكنة إقليم أزيلال، وخصوصا المناطق الجبلية والنائية يحتاجون للمزيد من الاهتمام من طرف جميع المعنيين والمتدخلين، وذلك بجعلهم في صلب السياسات العمومية والميزانيات للحد من الفوارق الاجتماعية عبر تخطيط مجالي تشاركي قائم على مقاربة تشاركية واعتماد حكامة مجالية.
ودعت إلى إعداد وسن سياسات وبرامج من أجل بنيات تحتية وخدمات اجتماعية وثقافية واقتصادية أساسية، والأخذ بعين الاعتبار خصوصية المناطق الجبلية، وعدم اعتبار هذه البنيات والخدمات غايات، لكن أيضا وسيلة للاهتمام بالعنصر البشري لساكنة الإقليم.
وفي تصريح لملفات تادلة قال الناشط الحقوقي ابن الإقليم الحسين تيتاو ” كل هذا التنوع الغابوي والمائي والحيواني والتاريخي لم يشفع لأزيلال لدى الدولة لفك العزلة والتهميش عن الإقليم، فإقليم أزيلال واحد من أكثر الأقاليم مقاومة للاستعمار، وهنا نستحضر الشهيدين أحمد الحنصالي وحمان الفكواكي… وتاريخه مرتبط بماضي المغرب الصاخب أو ما يسمى بسنوات الجمر والرصاص، حيث كان إقليم أزيلال معقلا للتنظيمات المعارضة، وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومسقط رأس أحد قادتها الفقيد محمد البصري، كما لأزيلال حصة من الاعتقالات والتضحيات عبر تاريخه من أجل مغرب الكرامة والعدالة والحرية”.
وأضاف الناشط الحقوقي ” لا تستغرب أن إقليم أزيلال أكبر خزان مائي، ولا زالت العديد من المناطق كمدينة دمنات يقطع عليها الماء يوميا، والعديد من القرى تجلب الماء على الدواب من مناطق بعيدة والفرعيات المدرسية على قلتها متناثرة في الجبال، مما يسبب في ارتفاع نسب الهدر المدرسي المتنامي بالإقليم والتطبيب ينطبق عليه ما ينطبق على جميع الخدمات الاجتماعية الغائبة، ومستشفى أزيلال على حد قول جمعيات حقوقية بالإقليم ليس الا ” كراج” أو محطة لتسفير المرضى لبني ملال “.
وأشار الحسين أنه ” لا خيار للسكان سوى التعبير عن رأيهم بطرق وأشكال نضالية مختلفة، لأداركهم ووعيهم بتهميش الإقليم وشعورهم بمسؤولية الدولة تجاههم، وهم يتابعون ما يسمى الاوراش الكبرى في المغرب النافع”.
وتابع ” كل الاحتجاجات أمام هذا الواقع مشروعة، ومرتبطة بمطالب مشروعة، تحسين البنية التحية والربط بالطرق، وفك العزلة والربط بالماء والكهرباء وبناء مستوصفات ومراكز استشفائية للقرب وتنمية المنطقة، وخلق فرص للشغل لأبنائها، كل الاحتجاجات تبقى عادية بالنظر لسنوات التهميش الطويل والكبير الذي عانه الاقليم خلال عقود “.
وشدد الحسين على أن ما تطلبه ” الساكنة هو استفادة الإقليم من حقه في التنمية، وحقه في توزيع الثروة الوطنية مجاليا، والربط الطرقي واستغلال الموارد الطبيعية وروعة طبيعة الإقليم، في بنية سياحية وفندقية وسياحة جبلية وفتح طريق دمنات ورززات وأزيلال قلعة مكونة، وتشجيع ودعم الصناعة الحرفية والتقليدية المتوفرة بالإقليم ومصانع لاستيعاب معطلي الإقليم لتنمية منطقتهم، والحد من الهجرة القروية وبنية تحتية مدرسية واستشفائية لساكنة الإقليم.
ملفات تادلة حاولت أخذ رأي رئيسة جماعة أزيلال عائشة أيت حدو حول ظاهرة الاحتجاجات والبدائل الممكنة، والاتصال بها مرات لكنها تركت لنا رسالة على الواتس آب تقول ” شكرا سأتصل بكم بعدد قليل”. لكنها لم تتصل ولم نسمع رأيها.