افتتاحية العدد 445 من جريدة ملفات تادلة: .. لا تتركوا الوطن وأبناءه عالقين

  – محمد تغروت – 

نعود في هذا العدد، للصدور ورقيا، بعد ما فرضته الأزمة، والحكومة، في ظل وصاية الوزير السابق للقطاع، من “تعليق” للطبع، وضعية “التعليق”، إن كانت قد زادت في تأزيم قطاع مأزوم أصلا، فوضعيتنا في ملفات تادلة كانت مضاعفة، بتزامنها مع رحيل مؤسسها، وراعيها بعرق جبينه، وحرق أعصابه، وقوت أسرته الصغيرة، وهو أمر لم يعد سرا، فقد وقف عليه الجميع، فألقيت على قبره الوعود والالتزامات بدعم مؤسسته، وأسرته، لضمان استمراريتها، كجزء من الوفاء لروحه والاعتراف بتضحياته في الحفاظ على نبل “صاحبة الجلالة“، فها نحن اليوم لازلنا ننتظر التفعيل.

نعود إليكم إذن، في الصيغة الورقية، وكلنا أمل أن نجد لديكم حضنا يحفزنا على مزيد من العطاء، وكلنا أمل في أن نساهم إلى جانب الأقلام الجادة على أن نوفر لكم مادة، للتفكير والتأمل في ما يحيط بنا جميعا من أحداث وما يواكبها من قرارات أو امتناع عن المبادرة، لنحاول استقراء ما وراء الخبر.

وبمناسبة الحديث عن “التعليق”، ففي ظل الأزمة العامة التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19، طفت على السطح ظاهرة أطلق عليها من المسميات “أزمة العالقين”، والتسمية وإن ارتبطت بالمغاربة الذين فرضت عليهم الظروف المرتبطة بتدبير الجائحة أن يظلوا رابضين في المطارات والفنادق والمخيمات وبيوت الأصدقاء والعائلة -إن وجدت-، في البلدان التي حاصرتهم فيها الجائحة، إلا أنها -التسمية- تنطبق على العديد من المجالات والقطاعات، إلى حد أننا نكاد نجزم أن الكل أصبح عالقا ومعلَّقا بطريقة أو بأخرى.

وفي أغلب الحالات الشائكة بقيت الدولة في وضع المتفرج، أو في “أحسن” الأحوال، المتردد والمرتبك، دون قدرة على اتخاذ مبادرة جريئة، تفرضها روح المسؤولية، تجاه أبناء هذا الوطن، أينما “علِقوا”، فبعد أن أعلن رئيس الحكومة ذات لقاء متلفز أن المغاربة العالقين ستتم إعادتهم عندما تفتح الحدود !! – يا للعبقرية-، تضاربت المواقف والخرجات بين أعضاء ذات الحكومة حول أسباب عدم اتخاذ موقف واضح لحل هذه الأزمة، وآخر “الحلول” التي خرجت بها علينا الحكومة، كانت هي أن يقدموا قبل الصعود إلى الطائرة اختبار الكشف (PCR) لا يقل عن 48 ساعة، متجاهلة واقع أن مختبراتٍ في بعض الدول ترفض إجراء هذا الفحص ما لم يكن طالبُه تظهر عليه أعراض الإصابة بفيروس كورونا، وكأن ذلك لا يكفي زادت حكومتنا النجيبة شرط  حصر الرحلات الجوية التي ستعيدهم إلى المغرب في شركتين فقط، وهو ما  يعقد وضع أشخاص عانوا أكثر مما يكفي من تداعيات الأزمة وهم “عالقين”، ويزيد في إثقال كاهل، لتزيد الحكومة في “تعليق” أملهم في العودة إلى أحضان عائلاتهم، بإجراءات وتعقيدات كان بالإمكان تفاديها.

ولعل أبرز وأخطر تجلٍ لأزمة “عالقين” من نوع خاص،  ما تتداوله وسائل الإعلام – وإن بحدة أقل -،  لنساء وأطفال، محاصرين في مخيمات اللاجئين في سوريا (أنظر ملف العدد)، وخطورة هذا الصنف، تتمثل أساسا في التداعيات المحتملة لغياب المبادرة أو حتى تأخرها وفوات أوانها، وهو ما حذرت منه الباحثة فيرا ميرونوفا في دراسة حول الوضع في مخيمات اللاجئين في سوريا وخصوصا في مخيم “الهول”، ومن غرائب الصدف أن الاسم نفسه مرعب، فما بالك بالمسمى، ونشرت يوم 09 يوليوز الجاري، على موقع معهد الشرق الأوسط، إذ خلصت إلى أنه “بالنسبة للعديد من الأجنبيات في المخيمات السورية، دعم داعش يشكل سلوكا استراتيجيا وطريقة لتقديم أنفسهم للعموم، وخاصة في العالم الإفتراضي، لكنه بدون صلة فعلية بما يعتقدنه فعلا. ولذلك، فالحكومات ينبغي أن تكون حذرة عندما ُتَقيِّمُ الوضع في المخيمات وخاصة عندما تعتمد على البصمات الإلكترونية والاستجوابات مع سلطات السجن“. مضيفة أنه “حاليا في مخيم الهول، نسبة صغيرة فقط من النساء لازلن يدعمن داعش، لكن ما لم تتدخل السلطات الأجنبية، فإن عدد النساء اللواتي لم يعدن يدعمن داعش، ولن يكون أمامهن من حل سوى العودة إلى دعمها، للحصول على المساعدة، سيزداد. أيضا من السهل نسبيا مغاردة صفوف داعش في سوريا، لذا ينبغي عدم افتراض أن النساء هناك معتقلات ولا حل أمامهن” (ملف العدد).

و”التعليق” في وطننا لا يتوقف هنا فالعديد من الأشخاص من فئات فقيرة، ظلوا عالقين معلقين بشكل مختلف، إذ ظلت أعينهم متعلقة بهواتفهم، ينتظرون رسالة sms تعلن قبول طلبهم الاستفادة من الدعم المخصص للمتضررين من جائحة كوفيد-19، لم تأت الرسالة، وقيل لهم املؤوا استمارة إليكترونية لوضع شكاية قصد إعادة النظر في طلبكم، فلبوا النداء ولكن الرسالة المرتقبة ظلت عالقة معلقة.

من كل ما سلف وغيره وجب أن نهمس في أذن من بيدهم الحل والعقد، المفاتيح في أيديكم، وثروات الوطن تحت تصرفكم، فلا تتركوا أبناء شعبنا عالقين ينتظرون عطفا من السماء، في وطن طالما أخبرتمونا أنه “غفور رحيم”… فقوانين الطبيعة والمجتمع تعلمنا أن الضغط إن اشتد لا يمكنه أن يولد غير الإنفجار.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...