تقرأون في العدد 445: ’’أنا في سوريا..‘‘ الجملة التي أرعبت مئات الأسر المغربية

 – ملفات تادلة 24 –

’’أنا في سوريا‘‘ هذه الجملة شكلت، على مدى أربع سنوات على الأقل، رعبا حقيقيا للمئات من الأسر المغربية التي اختفى فجأة أبناؤها، ليتصلوا من هناك أو تظهر صورهم حاملين رشاشات في ساحة القتال، أو تصل أخبار مقتلهم دون أن تتمكن (الأسر) من توديعهم والحزن عليهم بما يليق بحجم الفقد.

بدأنا العمل على هذا الملف قبل أزيد من شهر، وقد تطلبت منا كتابة قصصه الانصات لساعات طويلة لأبطالها (المهاجرين) أو عائلاتهم، ساعات طويلة لخصناها لكم في قصص أغلب شخصياتها منحناهم أسماء مستعارة حفاظا على سلامتهم الجسدية أو تجنبا للتشهير بعائلات أصبحت موصومة بوصم ’’الداعشية‘‘.

في سياق اشتغالنا على هذا الملف اطلعنا على جانب من معاناة النساء والأطفال العالقين في المخيمات، معاناة مع الجوع والمرض وحتى العطش، نعم العطش، فالحصول على ماء الشرب في مخيم الهول يشكل هاجسا يوميا للمحتجزين، خصوصا الأمهات المغربيات اللائي لا يتوصلن بأي دعم مالي من أية جهة، ضيق ذات اليد يجبرهن على التقشف في شرب الماء وتوفيره لأبنائهم في وقت ينقطع فيه التزود به لثلاثة أيام، وبالنهاية لا يحصلن عليه غالبا بالمجان.

التواصل مع النساء بالمخيمات لم يكن سهلا، هن من جانب خائفات من التعرف عليهن، ومن جانب آخر يواجهن صعوبة في تأمين كلفة الأنترنيت، لكنهن يؤكدن معاناتهن مع الجوع والمرض وضيق ذات اليد وانسداد الأفق. النساء في المخيم أيضا خائفات من التصريح لنا بما يكشف هوياتهن، خائفات من انتقام القوات التي تحتجزهن، وأيضا من انتقام ’’الداعشيات‘‘ اللواتي قد يقدمن على حرق خيام أو طعن أو إيذاء أطفال كل من تتحدث عن داعش بسوء، هذا الملف وضعنا أمام اختبار حقيقي لحماية المصادر.

وفي نفس السياق اطلعنا على محنة المغربيات العالقات في تركيا، تحدثنا إلى ’’ريما‘‘ وهو اسم مستعار لامرأة لم نتمكن من إتمام قصتها، لكنها تتحدث عن وصولها إلى سوريا بخدعة من زوجها الذي أخذها وأبناؤهما في رحلة استجمام إلى تركيا ثم عبر بها الحدود لتصحو ذات صباح في سوريا، ’’ريما‘‘ نقلت لنا أيضا معاناة المغربيات اللواتي تمكن من الهروب إلى تركيا، ويعملن بأجر زهيد من أجل إطعام أطفالهن، بل منهن من اضطرت للقبول مكرهة بالزواج بمواطن تركي كي تجد مسكنا يأويها وطعاما لها ولأبنائها. كما أجرينا حوارا مع رئيس التنسيقية المغربية للعالقين بتركيا وهي إطار شكلها عدد من الشباب الذين عادوا من سوريا وعلقوا في تركيا بانتظار قرار الدولة بشأنهم.

اتصلنا بكل الأطراف التي يهمها هذا الأمر، فلتقينا أجوبة من قوات سوريا الديمقراطية ومن سفارة تركيا بالمغرب، تلقينا ردا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر طلب منا وسيلة اتصال مباشر وظللنا ننتظر اتصالهم الذي لم يتم. راسلنا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لكننا لم نتلق ردا، أما مصالح وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فباستثناء الرد الآلي للبريد الالكتروني للوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، لم يصلنا شيء.

المعطيات التي حصلنا عليها وتوافق بحث الدكتورة ميرونوفا، الباحثة في جامعة هارفرد، تؤكد أن عددا كبيرا من النساء في مخيم الهول سيجدن أنفسهن مرغمات على إظهار ولائهن لداعش وربما حتى القيام بأعمال لفائدتها، لأنها الوحيدة القادرة على إرسال مبالغ مهمة من المال لأتباعها داخل المخيم، والوحيدة التي يمكنها أن تدفع للمهربين من أجل إخراجهن من هناك.

اتصلنا بالنائب البرلماني عبد اللطيف وهبي، الذي يساند أسر العالقين، واقترح تشكيل لجنة استطلاع برلمانية تزورهم، فقال أن الدولة مطالبة بإرجاعهم مستشهدا بالقانون الدولي ومعاهدة حماية الطفل، واعتبر أن الحكومة لم تعبر على موقف واضح من الملف، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مدى جديتها في التعاطي معه، مشيرا أنهم لم يتلقوا أي رد بشأن لجنة الاستطلاع البرلمانية.

هل يجب على الدولة المغربية أن تسمح بعودة ’’المهاجرين‘‘ الذين كانوا يقاتلون في سوريا؟ سؤال لم يغب لحظة واحدة عنا ونحن نشتغل على هذا الملف، نترك الرد عليه للقارئ.

ملف من إعداد: خالد أبورقية – كريم نوار – محمد تغروت




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...