وأنتم تقرؤون هذا العدد، حصل تغيير، فرضته الظروف، في هيكلة الجريدة، بتعيين مدير نشر جديد خلفا للمدير المؤسس، فقيدنا الكبير الأستاذ محمد الحجام، الذي رغم رحيله جسديا، لازال بيننا، نراه في كل ما يحيط بنا: في الجريدة، في المقر، في الموقع، صورته تطل علينا في صدر المقر، توجيهاته، نصائحه، تضحياته … لازالت أمام أعيننا وتشكل نبراسا نهتدي به في مواصلة هذه التجربة، على نفس الخط الذي رسمه ذات يوم من بداية تسعينات القرن الماضي.
أعلناها يوم توديع جسده، باسم عائلة ملفات تادلة، ونعلنها مرة أخرى اليوم وغدا وبعد غد، سنواصل المشوار، معكم، وبدعمكم، واقتراحاتكم وإسهاماتكم، لتظل ملفات تادلة، كما كانت دوما، صوت من لا صوت لهم، لتظل كما أراد مؤسسها في صف المقهورين، تُسمِع صوتهم وتُوصِل صرخاتهم ولتبقى دوما منبرا مهنيا، ينتصر للحق في الخبر، كأحد حقوق القارئ والمواطن عموما، ننشره بعيدا عن أي قيد أو شرط أو قبول لابتزاز أو خضوع لضغط، أو موالاة لغير الحقيقة.
هو ذا الطريق الذي رسمته هذه الجريدة/المؤسسة منذ أول افتتاحية لعددها الأول: ’’ إن ملفات تادلة تنبع من وعي المسؤولية كمنطلق، وتتجدد بمواجهة نزوة العبث كهدف. والمسؤولية إذ تتقوم بالوطنية، فهي في جانبها القانوني والأخلاقي واجب وتكليف، وبتعبير أكثر وضوحا: أمانة. وإذا كان الوطن أمانة في عنق الجميع، من مختلف المواقع، فهذه بالذات هي المهمة المركزية التي جاءت ملفات تادلة للنهوض بها‘‘، هذه الأمانة بثقلها، تجعل مسؤوليتنا مضاعفة، وتكليفا أكثر مما هو تشريف، نعرف أن الطريق لن يكون مفروشا بالورود، بل سيتطلب منا تضحيات تلو أخرى، نعدكم أن نبذل كل الجهد اللازم لنكون في حجمها.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل ما يشهده الحقل الإعلامي من شوائب، سيكون “المحتوى هو المَلِك” « Content is king » كما يقول أصدقاؤنا الإنجليز، هدفنا هو الحفاظ على سمعة هذه الجريدة وتطويرها بشكل نوعي، قدر الإمكان، لتلعب دور فك شفرة الخبر، وقراءة ما وراءه، بما يستجيب لانتظارات القارئ المتزايدة باستمرار، وبما يحترم ذكاءه ويخاطب وعيه. منطلقين من مبدأ ’’فكر عالميا وتصرف محليا/جهويا‘‘، مستلهمين الشعار الذي أطلقه أنصار البيئة، “ Penser global, agir local“، والذي يمكن أن تكون له تطبيقات متعددة قد تشمل كل الحقول.
ووعيا منا بأن ما نواجهُه له انعكاسات على المستوى العالمي، وأن ما يحصل على المستوى العالمي يؤثر على كل المستويات المحلية، سنعمل على الاستفادة من التجارب الجارية على المستوى العالمي، والوطني لنطور عملنا على المستوى الجهوي، ونساهم إلى جانب كل المعنيين في التعريف بالمنطقة، وبالإشكالات اليومية لمواطنيها، كمساهمة بسيطة منا، انسجاما والدور النبيل ل”صاحبة الجلالة”.
ما يعني أن جهة بني ملال خنيفرة ستكون في قلب اهتماماتنا، دون عزلها عن السياق العام الوطني والعالمي الذي تشكل جزءَ منه، لنمارس فعلا صحافة القرب بما هي صحافة تقوم بتغطية الأحداث التي ترتبط بشكل مباشر بساكنة الجهة التي تنتسب إليها الجريدة/المؤسسة، أي بالمواطنين الذين نلتقيهم بشكل يومي ومباشر في الشارع والمقهى والسوق وفي كل ربوع الجهة.
ومن هذا المنطلق ستستمر الجريدة كفضاء رحب لكل الآراء والمواقف، فضاء للنقاش والتفاعل، ومساحة ترحب بكل الإسهامات والقراءات والتعاليق مهما اختلفت وتعددت وتباينت زوايا معالجتها للقضايا الكبرى لجهة بني ملال-خنيفرة، وفي مقدمتها القضايا التي تمس أوسع الشرائح الاجتماعية الفقيرة، تدبير الشأن المحلي، وقضايا التنمية المحلية.
وبعد أن كان مجمل عملنا خلال فترة الحجر الصحي عن بعد، آن الأوان لنعود إلى الميدان بشكل أكبر، لأن الصحافة لا تمارس وراء الشاشة، بل في الاتصال المباشر بالواقع الحي، الذي يزخر بالأحداث ويشكل المادة الأولية والحيوية للعمل الصحفي الحقيقي، والرئة التي من خلالها يتنفس.
آن الأوان لاستثمار كل الطاقات والإمكانات البشرية التي نتوفر عليها، لإعطاء دفعة جديدة لهذا المنبر الإعلامي، في نفس المسار الذي غرس المدير المؤسس محمد الحجام شتيلته وحرص على سقيها وتشذيبها باستمرار، لتنتعش وتنمو وتساهم في كشف الحقيقة والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام.