عبد الرحمان اليوسفي.. الرجل الذي نقل الحكم من يد الحسن الثاني إلى يد محمد السادس

 – ملفات تادلة 24 –

توفي السياسي المغربي عبد الرحمان اليوسفي، عن عمر يناهز 96 عاما، إثر وعكة صحية استدعت نقله للمستشفى حيث قضى 5 أيام ينازع إلى أن أسلم روحه صبيحة اليوم الجمعة.

من ’’الدرادب‘‘ إلى باريس:

ولد عبد الرحمن اليوسفي يوم 8 مارس 1924 بحي ’’درادب‘‘ في مدينة طنجة، ودرس بنفس المدينة حيث نال الشهادة الابتدائية سنة 1937، وانتقل إلى مدينة مراكش ليكمل دراسته الثانوية، ثم انتقل في سنته النهائية إلى مدينة الرباط لتحضير شهادة الباكالوريا بثانوية مولاي يوسف التي كان يرغب منذ البداية في الدراسة بها. ثم واصل دراسته إلى أن حصل على الإجازة في القانون وعلى دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية ودبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان.

يعتبر اللقاء مع الشهيد المهدي بنبركة سنة 1943 أحد المفاصل المهمة في سيرة عبد الرحمان اليوسفي، حيث انضم إلى حزب الاستقلال في فترة عرفت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي نتج عنها حملة اعتقالات في صفوف قيادات حزب الاستقلال ليشارك اليوسفي رفقة زملائه بثانوية مولاي يوسف في مظاهرات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتؤيد الوثيقة.

إضافة إلى الشهيد المهدي بنبركة التقى اليوسفي في بداية مساره السياسي والنضالي بعدد من الوجوه السياسية البارزة، حينها، منهم محمد بن العربي العلوي وبوشتى الجامعي عبد الرحيم بوعبيد، وواصل انخراطه في النضال، إذ تم تكليفه بتأطير عمال معمل السكر ’’كوزيمار‘‘ في الفترة ما بين 1944 إلى 1949. وعمل اليوسفي خلال نفس الفترة على تأسيس فرع حزب الاستقلال بطنجة سنة 1946، وهو الفرع الذي لعب دورا بارزا في تنظيم استقبال محمد الخامس في السنة الموالية.

في سنة 1949 انتقل عبد الرحمان اليوسفي إلى فرنسا ليكمل دراسته في القانون، وهناك التقى عبد الرحيم بوعبيد لتنطلق مرحلة جديدة في مساره السياسي والنضالي. وكانت فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بباريس، سنة 1951، محطة للتعريف بقضية الاحتلال الفرنسي للمغرب والمطالبة بإدراج نقطة خاصة بوضعية المغرب ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمساعدة من عبد الرحمان عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية في تلك الفترة، وهو ما أغضب الحكومة الفرنسية التي اتخذت قرار طرد اليوسفي من أراضيها ثم خففته بعد ذلك إلى قرار النفي إلى منطقة بواتييه وسط غرب فرنسا.

عاد اليوسفي إلى المغرب سنة 1952، وسجل اسمه في نقابة المحامين بطنجة لكنه احتفظ بمسافة من حزب الاستقلال، في فترة عرفت ظهور طاقات شابة وتنوعا في الخلفية الاجتماعية والطبقية للمنخرطين، عجز الحزب عن استيعابها ضمن مؤسسات بسبب سيطرة فئة معينة على الأجهزة التنظيمية. إلى أن انتهى المطاف بتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959.

وطن – منفى – وطن:

ولعب اليوسفي دورا بارزا في قضية اختطاف المهدي بنبركة سنة 1965، واتهم في مذكراته محمد أوفقير بالتدبير والتخطيط، وانشغل بالتنسيق مع وسائل الإعلام الدولية التي غطت المحاكمة التي جرت بباريس، وهذا ما دفعه للبقاء في باريس حيث اختار المنفى الاضطراري تجنبا لبطش الحسن الثاني.

واعتقل عبد الرحمان اليوسفي أول مرة برفقة الفقيه البصري بتهمة المس بأمن الدولة على خلفية افتتاحية جريدة ’’المحرر‘‘ وأطلق سراحه بعد اسبوعين، كما حكم عليه بالسجن سنتين موقوفة التنفيذ سنة 1963 حين اعتقل ضمن أعضاء اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وقضى اليوسفي حينها أزيد من 8 أشهر رهن الاعتقال، فيما ورد اسمه ضمن المتهمين في محاكمة مراكش الشهيرة والتمس خلالها المدعي العام الاعدام في حقه، لكن المحكمة قررت فصل قضيته وتأخيرها لزيادة البحث فيها مع ست حالات أخرى لإدراجها في جلسة جنائية لم تنعقد، إلى أن أصدر الحسن الثاني سنة 1980 عفوا عن مجموعة من المعارضين واستقبل والدة اليوسفي ليؤكد لها أن بإمكانه العودة إلى المغرب متى شاء.

وبالفعل عاد عبد الرحمان اليوسفي إلى المغرب سنة 1980، مناضلا في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتولى مهمة قيادة الحزب سنة 1992 بعد وفاة الكاتب العام الأسبق عبد الرحيم بوعبيد في فترة كان شعارها السياسي ’’التناوب‘‘، لكنه قدم استقالته بعد سنة عقب التزوير الذي عرفته الانتخابات التشريعية ، وغادر إلى فرنسا، إلا أن استقالته رفضت من طرف أجهزة الحزب، بينما بذل الحسن الثاني مساعيه لحمله على العودة وأرسل إليه ادريس جطو ليوضح رغبة الملك في الدخول في التناوب وتسليم الحكومة لليوسفي مع وعد من القصر بضمان الأغلبية طيلة أربع سنوات وحرية اختيار الفريق الحكومي، وهو ما انتهى بعودة اليوسفي ثم تعيينه وزيرا أولا يوم4  فبراير 1998.

رئة واحدة إلا قليلا:

يعتبر اليوسفي أحد أهم السياسيين الذين سهلوا المرور السلس للحكم بعد وفاة الحسن الثاني الذي توفي سنة بعد توليه منصب الوزير الأول ليخلفه الملك محمد السادس الذي قرر سنة 2002 تعيين وزير أول بعيدا عن نتائج الانتخابات، حيث عين ادريس جطو ’’تكنوقراط‘‘ لهذه المهمة وهو ما جعل الاتحاد الاشتراكي يصدر بيانه الشهير والذي وصف فيه الأمر بالتراجع عن المنهجية الديمقراطية التي تقتضي تعيين الوزير الأول من صفوف الحزب الذي ينال المرتبة الأولى. وفي سنة 2003 أعلن اليوسفي اعتزال السياسة، وهو ما اعتبر موقفا من قرار الملك بتعيين جطو.

عاش اليوسفي سنوات طويلة يعاني من المرض، فالرجل عاش فترة طويلة برئة واحدة بعد استئصال رئته اليمنى سنة 1955، كما تم استئصال جزء من رئته اليسرى بعد إصابته بمرض السرطان، فيما أصيب بجلطة دماغية أثناء توليه منصب الوزير الأول. وتعرض يوم الأحد 25 ماي لأزمة صحية استدعت ادخاله للعناية المركزة للمستشفى بالدار البيضاء وظل هناك إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الجمعة 29 ماي 2020.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...